تاريخيا الثورات والإنتفاضات والهبات الجماهيرية صفة ملاصقة لتاريخ الشعب الفلسطيني بدءا من محاولات الحركة الصهوينية إحتلال فلسطين وبدعم من سلطة الإنتداب البريطانية في عشرينات القرن الماضي، وما زالت الصفة مستمرة لليوم لإنهاء الاحتلال رغم الإتفاقات الموقعة مع إسرائيل. و تزداد الإحتمالات والتحذيرات من إنتفاضة ثالثة لن تكون كسابقاتها ، بل قد تمتد تداعياتها للمنطقة كلها ، وتخلق حالة من أستعادة البعد الشعبي العربي الداعم للقضية الفلسطينية . إحتمالات هذه الإنتفاضة تزداد مع نجاح نتانياهو وحزبه في الانتخابات الخامسة الأخيرة وتشكيله حكومة إسرائيلية أكثر يمينية وتطرفا وتشددا في تاريخ إسرائيل، فهي حكومة تضم القوة الصهيونية الدينية والأحزاب الحريدية ، وتولي قيادات اليمين المتطرف لأول مرة وزارات تتحكم في الإستيطان والمالية. كل المؤشرات تدفع في إتجاه هذه الإنتفاضة ، ولعله من المفيد التذكير أولا بالإنتفاضة ألأولى عام 1987 والتي كانت محصلتها إتفاقات أوسلو. وألإنتفاضة الثانية في سبتمبر 2000 في أعقاب إقتحام شارون وجنوده باحات الأقصى ، وفشل لقاءات كامب ديفيد الثلاثية بين الرئيس عرفات و باراك برعاية الرئيس ألأمريكي كلينتون. ولعل سببها المباشر الإنسداد السياسي وفشل إتفاقات أوسلو بتحقيق الهدف منها بقيام الدولة الفلسطينية . وزيادة وتيرة الإستيطان، ولا نذهب بعيدا إذا قلنا أن ثمنها كانت حياة الرئيس نفسه بالهجوم العسكري الشامل وبحصار المقاطعة . والسؤال ثانية هنا هل يتكرر هذا السيناريو اليوم مع مؤشرات أكبر لإندلاع الإنتفاضة . والسؤال أيضا ماذا في حال إندلاع إنتفاضة ثالثة اي السيناريوهات والتداعيات والنتائج؟ وإبتداء ما هي أبرز وأسباب إندلاع هذه الإنتفاضة ، كما أشرنا تشكيل أول حكومة إسرائيلية بقيادة فاشية تؤمن بالإستيطان والتحريض والكراهية ضد العرب وتدعو لإقتحام الأقصى وبشرعنة كل الإستيطان وبرفض أي تواجد لأي دولة فلسطينية ، بل تؤمن بالوطن البديل في الأردن. إلى جانب ذلك لا يمكن تجاهل الفترة الزمنية الطويلة وتراكماتها منذ الإنتفاضة الثانية من إستيطان وتهويد ومصادرة لآراضي الفلسطينية ، وسؤ إدارة على مستوى الأداء الفلسطيني للسلطة ، ومحاولة الربط بين السلطة والتنسيق الأمني , والسبب الأخر الإنسداد السياسي وفشل كل محاولات التسوية والتفاوض والبديل لذلك العنف والمواجهة العسكرية ومما يساعد على ذلك التلاصق والتلاحم بين الشعب الفلسطيني والتواجد العسكري للجيش الإسرائيلي والمستوطنيين. وما يدفع في إتجاه ألإنتفاضة الأوضاع ألإقتصادية والمعيشية الصعبة وإرتفاع نسب البطالة والفقر وعدم قدرة السلطة الفلسطينية على تلبية الإحتياجات الرئيسة للمواطنيين.ولا يمكن تجاهل الوجه ألأخر للإنقسام السياسي بين فتح وحماس بدافع نحو النشاط في الضفة كما في جنين والتواجد العسكري للقسام وحركة الجهاد وبروز حركة عرين ألأسود وزيادة عدد الشهداء كل يوم . هذه المؤشرات لا يمكن تجاهلها والقفز عليها ، فسمة أساسية من سمات وملامح الشخصية الفسطينية رفض الاحتلال والذي سيبقى السبب الرئيس في إندلاع الإنتفاضة الثالثة.
ومما يؤكد على الذهاب نحو هذا السيناريو التصريحات والتحليلات التي تخرج من إسرائيل ذاتها وتحذر من تدهور الأوضاع في الضفة الغربية , فاللواء إحتياط تامير هيمان الرئيس السابق للإستخبارات العسكرية الإسرائيلية حذر من أن هناك مؤشرات واضحه من إندلاع إنتفاضة فلسطينية ثالثة وأن الساحة الفلسطينية تزداد إشتعالا أكثر مما يتصوره السواد ألأعظم من الجمهور.وكما تقول مسؤولة الشؤون الفلسطينية في صحيفة يسرائيل هيوم إن حملات الإعتقال المسلحة التي كانت في السابق لم تعد كذلك اليوم، حيث تعقدت ألأمور وتحولت الكثير من عمليات الإعتقال شمال الضفة أكثر خطورة، ووصفت المقاومين بالمطلوبين الجدد أنهم أصبحوا أكثر خطورة لأنهم مسلحون ويصعب كسرهم.وأما آفي زخاروف محلل الشؤون الفلسطينية في يديعوت أحرنوت يقول أن جيش ألإحتلال بدأ يصطدم بنوع آخر من المقاومين يمتازون بأنهم أكثر جرأة ويسعون للمواجهة ويرفضون ألإستسلام. ووصفهم بالجيل الثالث لا يهمهم إنكشاف شخصياتهم على منصات التواصل، وكيف تحولت شخصية إبراهيم النابلسي أيقونة للجميع. وان إنتشار العمليات من جنين حتى نابلس وسلواد برام الله قد يخرج عن السيطرة ويعيد إلى العمليات الكبيرة.ويشير إلى ضعف السلطة والحقيقة كما يقول عدم رغبة السلطة في المواجهة المباشرة
الخلاصة أن الإنتفاضة الثالثة قد بدأت إرهاصاتها ومقوماتها ، ولا أحد يتحدث عن إستبعاد هذا الخيار ، ويبقى التساؤل عن شكل وسيناريوهات هذه الإنتفاضة وتداعياتها ونتائجها المحتملة وفي كل ألأحوال لن تكون إنتفاضة مدنية بل عسكرية شاملة وقد تتطور لسيناريو الحرب ، وقد يكون من بين تداعياتها إنهيار السلطة ..