(1)
ماذا عسانا نفعل كفلسطينيين لإنهاء الانقسام البغيض، الذي حوّل كل مفردات حياتنا إلى مجموعة كوابيس لا تنتهي، الإجابة باختصار؛ لا شيء، فبعد نحو (17) عامًا على وقوعه، نحن أقرب إلى تكريسه انفصالًا، وأبعد ما نكون عن استعادة وحدتنا التي فقدناها في (لحظة طيش)، وما ظنناه يوم وقوعه مجرد سحابة صيف مرّت في سماء الوطن، بات أشبه بالقدر المكتوب على الجباه، ولابد أن تراه الأعين.
(2)
نحن "لسنا استثناء" كما وصفنا شاعر الإنسانية محمود درويش يوم وقع سيفُنا على سيفِنا، ونزيد اليوم بأننا "استثناء على الاستثناء نفسه"، فقد وقعت انقسامات في بلادٍ شتّى، ونزفت دماء مواطنين بأيدي مواطنين، لكن هذا الحال لم يستمر طويلًا، وسرعان ما أدرك العقلاء أن هذه لا يجب أن تكون النهاية، واختاروا الجلوس إلى طاولةٍ واحدة، وقرروا في لحظةٍ فارقةٍ أن يطووا هذه الصفحة من تاريخ بلادهم، فكانت الشراكة، ومن ثم النضال المشترك، فالحرية، فالرخاء والازدهار، إلا في بلادي، فقد أدخلنا الساسةُ في هذا النفق المظلم ثم أغلقوا علينا الباب، ووضعوا خلفه صخورًا تنوء عن تحريكها همم وإرادات الشعوب المغلوبة على أمرها.
(3)
تعذّرت كل محاولات "الإرادة الشعبية" لإنهاء انقسام العار، فالتهمة جاهزة (أجندة) والهراوة مستعدة (استعادة النظام) والبيان جاهز (فئة مارقة) والتهمة جاهزة (التعدّي على الشرعية)، فقد عرضت الشاشات على مدى هذه السنوات التي طالت آلاف المشاهد، لفض اعتصامات نسوية، شبابية، طلابية، عمالية، الخ، وكلها نادت بطي صفحة الانقسام وكلها عادت إلى البيوت دامية أو اقتيدت لمراكز الاعتقال، وعندما تشاهد كمية الحقد التي يحملها من يملك البندقية والهراوة، وانفعاله الشديد أثناء ضرب المحتجين على استمرار هذا الحال الكارثي، نعرف ساعتها المعنى الحقيقي لعبارة (الدمُ على الدمِ جسور).
(4)
كان أعظم واجبات الوطنية الفلسطينية ذات يومٍ تتمثل في إبقاء الفلسطيني على أرض وطنه، وانغراسه فيها، وثباته وصموده في ثراها، وكان أهم ما يمكن القيام به هو تعزيز هذا الصمود، لاستكمال معركة البقاء والحضور الفلسطيني في المشهد الكفاحي التحرري، لكن الانقسام المخزي جعل من طرد الكفاءات منهجًا، ومن تهجير الشباب استراتيجية، ومن رفد دول أوروبا بالأطباء والمهندسين والمبرمجين والمثقفين والأكاديميين ومتخصصي التكنولوجيا برنامج عملٍ يومي، كل هذا يحدث، بينما يتقطّع صوت السياسي وهو يردد شعاراته، وتصدح حنجرته بمفردات النصر القادم، وترتفع نبرته وهو يعدد مناقب فصيله، وكأنه في واد، وجموع المواطنين التي تسارع بالتعليق بكلمة (مبارك) على منصات التواصل الاجتماعي لشاب حصل أخيرًا على الإقامة في بلجيكا في وادٍ آخر!!!
(5)
لا نعرف من كل رايات الدنيا سوى العلم الوطني للدول والشعوب، إلا في المحتلةِ فلسطين، فقد حارت الدنيا وهي تشاهد الخليط العجيب من ألوان الرايات الحزبية، التي تجاوزت ألوان الطيف في تعددها، وانتهت إلى نسيان الأجيال لعلم وطنهم، والاكتفاء براية الحزبيين، الذين في سبيل رفع رايتهم لديهم استعداد للدوس على علم الوطن وعلى رؤوس المواطنين، فقطعة القماش الملونة باتت أكثر أهمية من سيادة القانون، ومن الدستور، ومن شعارات الوطن، ومن مؤسساته كافة، بينما العالم يراقب في صمتٍ وتأهّبٍ تجربة هذا الشعب الذي وصفته كتب السياسية في القرن الماضي بالأسطورة والمعجزة، وبات اليوم بفعل الأحزاب وبنادقها وهراوات عساكرها أضحوكة، نفّذ بها أصحاب الامتيازات مخططهم، وناموا ملء جفونهم، بعدما حولوا انقسام الذُلّ والهوان في فلسطين إلى أسلوب حياة ..