عن موقع "N12" : كيف ستكون إسرائيل في عيد ميلادها المئة؟ (2من2)

حجم الخط

بقلم: عاموس يادلين وأودي أفنطال*




إيران والمحور المتطرف
السيناريو (أ): أن تحصل إيران على سلاح نووي، ويكون هناك لأول مرة إمكان تهديد وجودي على إسرائيل، حتى لو لم يكن معنى ذلك هجوماً فورياً ضدها، وذلك لأن أولويات النظام في طهران لا تزال تتركّز في بقاء النظام ذاته. كذلك، يتغير الشرق الأوسط ويتحوّل إلى خَطَرٍ أكبر. وبغطاء نووي إيراني تزيد أذرع إيران جهودَها لضرب إسرائيل بهدف تفكيكها، فيقف الجيش أمام تحديات لا تتوقف، وتتعزز على الحدود، ويكون مطالَباً بالتجهز لحرب على 4 أو 5 جبهات بالتزامن، وضمنها جبهات لا نملك حدوداً معها. وفي الوقت نفسه، يدخل الشرق الأوسط سباقَ تسلّح نووي، إذ توضح الدول السنية من اليوم أنها لن تقف جانباً في حال باتت إيران دولة نووية. لذلك، يمكن أن تجد إسرائيل نفسها في عامها الـ100 مُحاطة بدول نووية؛ كالسعودية على سبيل المثال وتركيا ومصر والعراق، وبالتالي بشرق أوسط قابل للانفجار وغير مستقر، فيزداد أيضاً في هذا الواقع تهديد الإرهاب الإشعاعي.
السيناريو (ب): أن ينجح العالم في تأخير حصول إيران على السلاح النووي لعشرات الأعوام، وذلك يكون بفضل ضغوط اقتصادية دولية، وتهديد عسكري حقيقي بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل. وفي هذا الوقت، تتزعزع مكانة النظام الإسلامي في طهران، ويَعْقُبُ ذلك احتجاجات واسعة تندلع في إيران وتُسقط النظام الذي سيتبدل بنظام أكثر اعتدالاً. حينئذ، تتراجع قوة المحور المتطرّف في الشرق الأوسط، ويقف أمامه ائتلاف يتعاظم بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة إسرائيل والسعودية اللتين تطبّعان العلاقات فيما بينهما، ويتم إقامة منظومة أمن إقليمية لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، والدفاع الجوي، وحرّيّة الملاحة إلى جانب مُحاربة "الإرهاب".

الاقتصاد
السيناريو (أ): أن تكبر الشريحتان غير الصهيونيتَين في إسرائيل بوتيرة سريعة أكثر من غيرهما (تشكِّلان اليوم تقريباً نصف الطلبة في الصف الأول). إن مساهمتهما في الاقتصاد قليلة، وإن تحوّلتا إلى أغلبية مع محافظتهما على نمط الحياة الحالي، سيزداد التهديد على إسرائيل في أن تتحوّل اقتصادياً إلى دولة عالم ثالث. بالإضافة إلى أن قطاع التكنولوجيا العالية الدقة والأكاديميا يعيشان حالة "هروب عقول" ويتراجعان بسبب عدم وجود الاستقرار الداخلي والضرر الذي يلحق بالديمقراطية والعلاقات مع الولايات المتحدة، ومعهما يتضعضع الناتج المحلي وأرباح الدولة. سيؤدي الضرر الذي سيلحق بالعلاقة مع يهود العالم والولايات المتحدة إلى تراجع الهجرة إلى إسرائيل والعلاقات المتبادلة كما المساعدة الاقتصادية من طرف يهود العالم.
السيناريو (ب): أن تنجح إسرائيل في القيام بثورة في القطاع التعليمي، وضمنه المجتمع العربي، كما أن تنجح في تشجيع تعليم العلوم في أوساط المجتمع الحاريدي الذي يندمج بأعداد كبيرة في سوق العمل، بالإضافة إلى النجاح في تجهيز أبناء هذا المجتمع لمطالب السوق في القرن الـ21، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع في الناتج القومي وأرباح الدولة من الضرائب (اليوم تدفع أغنى فئتين نحو 92% من الضرائب). سينمو حينئذ قطاع التكنولوجيا العالية الدقة، ويستقبل المزيد من الموظفين من المجتمعَين العربي والحاريدي، وبالتالي يرتفع النمو، ويحافظ الاقتصاد على استقراره.

الجيش
السيناريو (أ): أن يتم تسرُّب لفئات واسعة من الخدمة العسكرية أو الخدمة المدنية، وذلك عبر مسار تشريعي، وهو ما سيفكّك رسمياً فكرة المشاركة في العبء. بالإضافة إلى ذلك، سيتسارع التراجع في الدافع للخدمة العسكرية وخصوصاً القتالية، والخدمة في جيش الاحتياط، وذلك لوقت طويل، حتى نصل إلى تفكّك نموذج "جيش الشعب". كما تجد الفئات النوعية طريقها لتخفيف عبء الخدمة الإلزامية، فتتراجع جودة الجيش البشرية. ومع تراجع التفوّق البشري في الجيش، سترتفع الأثمان في كُل معركة مستقبلية. وستحدث مسارات مشابهة في أجهزة الأمن عموماً، فتتراجع القدرة على إحباط "الإرهاب".
السيناريو (ب): أن تنجح إسرائيل في تشجيع اندماج الحريديم بأعداد كبيرة في الخدمة العسكرية أو القومية، وينجح النظام السياسي في خلق اتفاق واسع على إصلاحات تحفظ ديمقراطية الدولة واستقلالية النظام القضائي فيها. يرافق ذلك ترميم العقد بين من يخدم في جيش الاحتياط والدولة، وتنجح إسرائيل في استخراج القدرات الكامنة في مجتمعها لخدمة الأمن والمجتمع في إسرائيل.

المجتمع
السيناريو (أ): أن يتعمق الاستقطاب؛ اليمين ضد اليسار، والمحافظون ضد الليبراليين، والعلمانيون ضد المتدينين، والعرب ضد اليهود، والأغنياء ضد الفقراء، والمركز ضد الهامش، والرجال ضد النساء. حينئذ، تتعمق الفجوات وتتفكّك البنية الاجتماعية، وتتراجع الحصانة القومية.
السيناريو (ب): أن تستغل إسرائيل النظر إلى الهاوية الذي منحتها إيّاه أزمة العام 2023، وتتوقف قبل السقوط، وتُحسّن من مسارها. بالإضافة إلى ذلك، تتوحد أغلبية "القبائل" في كُتلة وسط سياسي كبيرة تقود عملية إغلاق الفجوات، وتقود إصلاحات ضرورية بالتدريج والاتفاق، وهو ما يترجم إلى دستور يحفظ قواعد اللعبة، ويعكس إرادة الأغلبية مع المحافظة على حقوق الأقليات.

من 75 إلى 100: 5 استخلاصات مركزية

إن السيناريوهات تدلّل على 5 استخلاصات أساسية يجب أن تكون البوصلة الاستراتيجية لدولة إسرائيل في الأعوام المقبلة.
-قيادة مُختلفة: إسرائيل موجودة أمام تحديات عظيمة لها أبعاد كبيرة، ولتستجيب لها، يتوجب عليها أن تختار قيادة تنظر إلى البعيد، ولديها رؤية من نوع رؤية بن غوريون. لقد نسينا هذا النوع من القيادات، التي لا يهمها إلاّ خدمة الدولة ومواطنيها ومكانتها وحصانتها، والتي لا تهتم بالـ"ريتينغ" كل الوقت، ولا تهتم بقاعدتها الانتخابية فقط والمحافظة على السلطة عبر تشجيع الكراهية والسياسة التحريضية على نمط "فرّق تسد".
-وسط سياسي واسع يستند إلى ما يجمع وليس ما يُفرّق: لسد الشقوق الداخلية في المجتمع الإسرائيلي، والقيام بإصلاحات ضرورية لاستمرار وجود الدولة، في مجال التعليم على سبيل المثال، والتجنيد، وتعليم العلوم، يجب أن يكون هناك ائتلاف وسطي مستقر يستطيع التعامل مع المشكلات بصورة مركزية، ويقود تغييرات ضرورية على أساس الدعم الجماهيري الواسع.
-التحالف مع الولايات المتحدة: إن الدعم من طرف قوّة عظمى هو مصيري بالنسبة إلى إسرائيل. وفي كُل سيناريو تُحافظ فيه الولايات المتحدة على مكانتها كقوّة عظمى قوية عسكرياً وتكنولوجياً، حتى لو فقدت قيادتها الاقتصادية للعالم، لن تحل الصين محلها كداعم لإسرائيل. من الصعب تخيُّل قوّتنا الاقتصادية، والعسكرية، والأمنية والتكنولوجية، وقدرة الردع الخاصة بنا، وحرّيّة الحركة، بالإضافة إلى المكانة الدولية والإقليمية ومستقبل إسرائيل ونموها أساساً من دون العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة ويهود الولايات المتحدة. يتوجب على إسرائيل أن تحافظ على حصانة هذه العلاقات الضرورية لإسرائيل للدفاع عن نفسها. وفي هذا السياق، يجب التذكير بنبوءة بن غوريون في كتابه "إسرائيل بين الشعوب": "فقط في الدول الحرة الديمقراطية، وعلى رأسها أميركا، يمكن لإسرائيل أن تجد المساعدة من جانب الشعوب والتجمّعات اليهودية فيها، ولا يوجد من يشكّك في هذه الحقيقة".
-المشكلة الفلسطينية: إن التهديد المركزي الذي سيؤثر في دولة إسرائيل وطبيعتها وأمن مواطنيها بالصورة الأعمق للأجيال مستقبلاً، هو الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. يضع مسار التداخل الجغرافي المتصاعد بين المجتمعَين العربي واليهودي بين البحر والنهر هويةَ الدولة كيهودية وديمقراطية في خطر. إن الإستراتيجيا المطلوبة لإسرائيل هي الانفصال عن الفلسطينيين وضمان أمن وتطوّر نظام حكم فلسطيني معتدل وفعّال. وفي المقابل، يجب الدفع للوصول إلى أوضاع مستقرّة وآمنة مستقبلاً.
-الديمقراطية والوحدة: إن ديمقراطية تستند إلى فصل السلطات ونظام قضائي مستقل، وهي روح دولة إسرائيل كمجتمع متعدّد "القبائل" والشرائح. الديمقراطية تعكس إرادة الأغلبية، لكنها تدافع عن حقوق الأقليات وتسمح بحياة مشتركة ووحدة مصير داخلية تعكس القوّة خارجياً. الديمقراطية هي ما يجمع أيضاً بين إسرائيل والولايات المتحدة والدول المتطوّرة الحرة في الغرب وآسيا، كما تحفظ حرّيّة العمل السياسي والعسكري الخاص بإسرائيل في العالم والإقليم، وتحفظ حرّيّة جنود الجيش وقيادات الدولة في الخارج.
وفي الختام، أثبتت إسرائيل سابقاً أنها، استناداً إلى نوعية المواطنين والقيادات الشجاعة والمسؤولة، تستطيع الوقوف أمام جميع التحديات. عليها أن تثبت هذا مرّة أُخرى مستقبلاً. في عامها الـ75 اندفعت إسرائيل إلى أزمة داخلية خطِرة وصعبة، تشكل في الوقت ذاته فُرصة للتجدّد وزيادة القوة الداخلية. لقد حصلنا على فُرصة للدفع بتغييرات إيجابية ومتفق عليها، بطرق ديمقراطية غير عنيفة، تحفظ مكانتنا كدولة "ديمقراطية" مزدهرة في الشرق الأوسط وتسمح بالتعامل على أحسن وجه مع التحديات غير البسيطة التي أمامنا. وهذا ما سيمكننا من الوصول إلى عامنا الـ100 كدولة يهودية وديمقراطية، مزدهرة، حرة و"على حق".

عن موقع "N12"
ــــــــــــــــــــــ
*عاموس يادلين رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقاً وباحث، وأودي أفنطال عسكري وباحث مختص في قضايا السياسة والإستراتيجيا.