معاريف : “الشر يأتي من الشمال”… هل استعدت إسرائيل لنبوءة “النبي يرمياهو”؟

زلمان-شوفال.jpeg
حجم الخط

بقلم زلمان شوفال

لم يكن النبي يرمياهو جنرالاً لكنه كان يفهم شيئاً ما في الجغرافيا السياسية والاستراتيجية، ربما أكثر من الجنرالات في عصرنا، حين حذر: “من الشمال سيأتي الشر”. لقد تغيرت الأزمنة والظروف وتغير الجنرالات، لكن الشر هذه المرة أيضاً قد يأتي من الشمال أيضاً.

لقد تحدث رئيس الوزراء نتنياهو عن هذا أكثر من مرة، ودعا وزير الدفاع يوآف غالانت الجيش الإسرائيلي للاستعداد لحرب متعددة الجبهات “ربما فيها تهديد أمني حقيقي من كل الجبهات في آن واحد”. كما تهب رياح الحرب في الإعلام أيضاً. بل إن أحد كتاب الرأي دعا من كرسيه المريح إلى الشروع في حرب وقائية مبادر إليها. السياسة هي الأخرى لم تتغيب بالطبع عن العناوين الرئيسة، وقادة المعارضة يطورون مخاوف لدى الجمهور لممارسة الضغط على نتنياهو في موضوع الإصلاح القضائي.

وكما يكتب محلل الأمن القديم رون بن يشاي، فإن “مسؤولي الجيش والشرطة لا يجتهدون لتبديد مخاوف الجمهور (من الحرب)، لأن الخوف من تصعيد واسع يجبي ضحايا يخدمهم في مساعيهم لوقف الحماسة الكفاحية والمبادرات المتطرفة للوزيرين ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش”.

ربما نعم وربما لا، لكن هنالك حاجة للتذكر بأن للمناورات في الحرب النفسية الجماهيرية نتائج معاكسة لتلك التي يقصد بها. تسعى محافل متطرفة في المعارضة لنشر أنباء ملفقة وكأن رئيس الوزراء سيبادر إلى خطوة عسكرية كي يوقف “الاحتجاج”. أما “الاحتجاج” وظواهر الرفض فقد شجعت إيران ومحافل إرهاب فلسطينية بالفعل على التطرف في تهديداتها العملية واللفظية تجاه إسرائيل، لكن كما يكتب بن يشاي،فقد “أثبت نتنياهو في الماضي بأنه حذر في قراراته الأمنية ولن يبادر إلى خطوة مكشوفة كهذه”. كلما تغلب لدى الطرفين في الجدال المحلي العقل والمسؤولية وتمكن رئيس الوزراء من التفرغ أكثر لمهمته في تصميم الاستراتيجية السياسية والأمنية لإسرائيل، تقل احتمالات النجاح لدى “الشر”.

ومع ذلك، فإن نبوءة النبي يرمياهو والتحذيرات الحالية، على الأقل من جانب المسؤولين المخولين، تلزم بالتأكيد باليقظة الأمنية العالية من جانبنا وبالاستعداد في كل المجالات، الدفاعية والهجومية على حد سواء. وبالفعل، لا يوجد في شعبة الاستخبارات “أمان” وفي أذرع الاستخبارات الأخرى في إسرائيل، وعلى ما يبدو أيضاً في الولايات المتحدة، أخطار أو معلومة تشير إلى خطط أو استعدادات ملموسة من جانب إيران والجهات المرتبطة بها للخروج إلى حرب شاملة ضد إسرائيل. كما أن وضعها الداخلي المتهالك من ناحية اقتصادية ومن نواح أخرى لا يدعم مثل هذه الإمكانية. تطبيع علاقاتها مع السعودية بوساطة الصين وإن كان يمنحها مجال عمل سياسي واقتصادي أوسع، لكنه كفيل بأن يعمل أيضاً ككابح لميولها الهجومية العسكرية، على المدى القصير على الأقل.

مثل كل الأنظمة الشمولية في التاريخ تقريباً، فإنها مسألة وقت فقط إلى أن تتجسد التناقضات الداخلية التي في الحكم المطلق الإيراني. فقد تنبأ بن غوريون منذ عشرينيات القرن الماضي بأنه محكوم على الاتحاد السوفياتي أن يتفكك، لكن هذا استغرق نحو 70 سنة إلى أن تحقق. والسؤال هو: كم من الوقت سيمر الآن على النظام في إيران؟ يمكن أيضاً الادعاء بأنه لا يوجد منطق من ناحية إيران أن تبادر إلى حرب شاملة، لكن منطقنا لا يتطابق بالضرورة ومنطق نظام أصولي ذي دوافع أيديولوجية ذليلة. وحتى إعلان هتلر الحرب على الولايات المتحدة، كان غير منطقي حسب كل اعتبار عقلاني، لكنه حصل.

لذا، علينا أن نكون مبالين، مثلما كانت حكومة إسرائيل السابقة عندما وقعت على اتفاق مع لبنان بالخفاء، أي عملياً مع “حزب الله”، كانت نتيجة تعاون “حزب الله” مع حماس في إطلاق 34 صاروخاً نحو إسرائيل. في هذه الأثناء، سيواصل زعماء إيران إطلاق خطابات هجومية ضد إسرائيل بقدر ما، كي يغطوا على ضعفها الداخلي والخارجي وإخفاقاتها في أعمال مختلفة منسوبة لإسرائيل.

إن مجرد خطابهم الهجومي هو من ناحيتهم سلاح في الحرب النفسية ضد إسرائيل، وإذا كانت إسرائيل هي التي اتخذت حتى الآن “المعركة بين الحروب”، فإن إيران تتبنى الآن نهجاً مشابهاً ينفذه “حزب الله”، والجهاد الإسلامي، وأحياناً حماس، وفي المستقبل ربما الحوثيون في اليمن ومحافل إسلامية أخرى. من شأن هذا النهج وبشكل غير منقطع عن الأحداث الداخلية في إسرائيل، أن يتدهور أيضاً إلى حرب شاملة دون أن تخطيط إيراني لها، وهي الإمكانية التي لا يمكن لإسرائيل أن تتجاهلها.

في هذه المرحلة، يدور الحديث أساساً عن خطوات إيرانية سواء على المستوى النفسي أم في مجال الإرهاب، وإن كانت هذه ليست الحرب متعددة الجبهات الشاملة التي يجري الحديث عنها، فإن إسرائيل لا تستخف بذلك أيضاً، وهي جاهزة ليكون بوسع “الشر” أن يأتي من الجنوب.

 

 معاريف