كان إغلاق الدائرة (والحساب) مع قتلة البنات الثلاث من عائلة دي متوقعاً، ولكنه لا يزال مبهراً: المعلومات الاستخبارية الدقيقة التي أشارت في الزمن الحقيقي الى مكان وجود القتلة، ووصول مقاتلي "يمم" اليهم وهي متخفية وتنفذ تحت النار والانسحاب بنجاح كامل بلا إصابات، باستثناء الكلب جينغو، الذي حظي بجملة ثناء على دوره في الحرب ضد "الإرهاب".
أثنى الجمهور الإسرائيلي ومنتخبوه على العملية، لكن من المشكوك فيه ان كون كثيرين يفهمون تعقيداتها والخطر الكامن فيها. فالدخول في وضح النهار الى قصبة نابلس (أو مخيم اللاجئين في جنين)، والاصطدام بمقاومة شديدة وعنيفة شبهها مسؤول كبير في هيئة الأركان مؤخراً بمشهد من Black Hawk Down ، الفيلم الذي خلد المعركة التي خاضها الأميركيون في مقديشو قبل 30 سنة.
من خلف هذا الوصف يختبئ واقع "يهودا" و"السامرة" العنيف والخطير اكثر من اي نقطة اخرى في العشرين سنة التي انقضت منذ حملة "السور الواقي". فكمية السلاح الذي في الميدان غير معقولة، وهي وليدة تهريب بالجملة، من الاردن أساساً، في ظل التعاون بين محافل "الارهاب" في المنطقة وفي الضفة (أحياناً بالتعاون مع عائلات الجريمة من أوساط "عرب إسرائيل")، وتشجيع منظمات "الإرهاب" المختلفة – "حماس"، و"الجهاد الإسلامي"، وحتى "حزب الله" وإيران التي بدأت بالعمل، مؤخراً، بشكل مباشر مع محافل في الضفة – يتضمن التمويل والتوجيه، هو بحجوم غير مسبوقة، وكذلك تأثير الشبكات الاجتماعية على الشبان (مع التشديد على التك توك) ملموس جيداً ويدفعهم الى العمل، وفي خلفية كل هذا توجد سلطة فلسطينية مكروهة وضعيفة تجد صعوبة في أن تفرض إمرتها، وفي أكثر من مرة ترى رجالها ينتقلون الى الطرف الآخر ويتعاونون مع "الإرهاب".
يترجم كل هذا الى كمية إخطارات مخيفة – عشرات عديدة تقريباً في كل نقطة زمنية. الإحباط من كل عملية تنجح هو مفهوم، لكن في ضوء هذه المعطيات يجب التساؤل كيف يحصل ان معدل الإحباطات لا يزال عاليا؟ الجواب بالضبط مثلما في التصفية الناجحة، أول من امس، في نابلس، هو في خليط من الاستخبارات البشرية والتكنولوجيا النوعية على نحو خاص مع جسارة عملياتية. نعم – ايضا مع مستوى الهواة، وغير مرة أيضا مع الكثير من الحظ.
حتى السنة الماضية نجحت إسرائيل في الإبقاء على حجم محتمل لـ "الإرهاب"، ما حرمها الحاجة للخروج الى حملة واسعة في الضفة. فموجة "الإرهاب"، التي بدأت في بداية 2022، وتعاظمت في الأشهر الأخيرة، رفعت الموضوع مرة أخرى الى جدول الأعمال. نشرت ليلاخ شوفال هنا، أول من أمس، تقول ان الجيش الإسرائيلي يفكر بأن يعمل الآن في "السامرة"؛ هذه الفكرة فحصت منذ السنة الماضية ورفضت، والآن الظروف أقل راحة من ناحية إسرائيل – أساساً على خلفية التخوف من وحدة الساحات، بمعنى ان تؤدي حملة واسعة ودامية في "السامرة" بالضرورة الى تصعيد في غزة، وربما أيضاً في الحدود الشمالية، بينما تحتاج إسرائيل الائتمان السياسي في واشنطن وفي العواصم العربية.
المفارقة هي ان إسرائيل تحتاج الى مثل هذه الحملة كي "تنظف" الساحة من "المخربين" ومن الأسلحة. لكنها سيصعب عليها أن تشنها دون ذريعة مهمة – عملية تقلب البطن ولا تترك للحكومة مفراً. العملية في فندق بارك في نتانيا، عشية ليل الفصح 2002، والتي اطلقت شرارة حملة "السور الواقي" بعد فترة راكمت فيها إسرائيل القتلى، والثقة التي سمحت لها بالعمل، والآن تقف حكومة نتنياهو أمام تحدٍ مشابه في ظروف داخلية، اقليمية ودولية أقل راحة.
يستوجب هذا من الحكومة عدة اعمال فورية: الاول زيادة عمليات إحباط "الارهاب" بشكل مبادر اليه، رغم المخاطرة التي بكل عملية كهذه من حيث أن تؤدي الى التصعيد (بما في ذلك غزة). الثاني، إصدار الأوامر للجيش ولـ "الشاباك" (ولشرطة إسرائيل المسؤولة عن الأمن الداخلي) بالاستعداد لحملة واسعة والتدرب عليها علناً، ضمن أمور أخرى لأجل ردع الطرف الآخر – في الضفة، وفي غزة. الثالث، هو وقف سياسة التردد حيال غزة، بما في ذلك المخاطرة بعدة أيام قتالية لأجل تعزيز الردع. والرابع، عمل كل ما يلزم لأجل ترميم العلاقات مع الولايات المتحدة ودول المنطقة، والبدء بإرسال وزير الدفاع الى واشنطن كجسر ضروري لوجود علاقات سليمة بين أجهزة أمن الدولتين. الخامس، والأهم منها جميعها، العمل بلا ابطاء على رأب الصدوع الداخلية، انطلاقاً من الفهم بأن التحديات على جدول الاعمال – امكانية حملة واسعة في كل جبهة في فترة زمنية فورية – تستوجب مجتمعاً موحداً وقوياً.
معلومات مقلقة على طاولة رئيس الوزراء
نتنياهو خبير في التهديدات، ويفهم الاحتياجات، لكنه لم يحسم حتى الآن لصالح المنطقي والمفهوم من تلقاء ذاته. يخيل أنه مطالب الآن بذلك اكثر من اي وقت مضى: فالمعلومات التي تراكمت على طاولته مقلقة بحيث لا يمكنه ان يواصل اللعب بالتشريع الشخصي وبالإصلاح القضائي.
من إيران التي تندفع نحو القنبلة، عبر السقوط السياسي الذي تحذر منه وزارة الخارجية، وحتى "يوم القدس" الذي يهدد دوماً بإشعال المنطقة، إسرائيل ملزمة بأن تعود لتتخذ سياسة منطقية ومتوازنة قبل أن يصطدم بها الواقع بكل القوة.
عن "إسرائيل اليوم"