أشعر بالخجل الشديد وأنا أكتب هذا المقال لسببين : أولاً أنني لست ممّن يجيدون نظم كلمات الرثاء والتمجيد في حضرة الموت .. فجلاله يلزمه صمت مهيب رهيب لا بلاغة تكفيه ولا فصاحة تُغنيه . وثانياً، الغضب الشديد والانبهار في داخلي منذ سمعت خبر استشهاد المارد الشيخ خضر عدنان، ثمّ تصريحات السيدة الفاضلة زوجته وهتافات ولده النارية وسؤال يلازمني: أيّ قوة أخلاقية جبارة وهبها الله لهذه العائلة؟ عدنان الأب الذي حارب في ساحة الحرب وحيدا ضد جميع الجبهات: شهوة الجوع وآلام الجسد، ووحدة الزنزانة وظلم الطغاة، وفراق الابناء والموت الواقف على باب زنزانته. فعقلي يأبى ان يصدق أنه هذا الشخص الملتحي الهادئ الذي صورته على البوستر .. حيث لا استطيع الا أن أتخيّله بطلًا خارقًا في ملحمة تاريخية زاده الله بسطة في الجسم والعلم، يمتلك سيفاً وقوّةً هائلة يحارب بها اعداءه حتى يهزمهم جميعاً..
منذ قرون والاضراب عن الطعام أقسى طريقة احتجاج مرتبطة بحركة الحقوق الشرعية للإنسان السجين حين لا يملك طريقة أخرى ضد الظالمين أينما كانوا في روسيا، والهند وجنوب افريقيا وايرلندا حتى في أمريكا من أجل تحسين ظروف اعتقاله أو الافراج عنه أو لفت النظر لقضيته. ولهذه الطريقة القاسية ذات التكلفة الباهظة التي يسخّر فيها الانسان جسده وآلامه وحياته مقابل أن يصل الى هدفه المشروع، مكونات رئيسية للنجاح أهمها الدعم الشعبي وحشد الرأي العام الداخلي والعالمي للفت النظر اليها، فهل كان هناك دعماً كافيًا للشيخ عدنان؟ أيضاً من مكونات نجاح هذه الطريقة القدرة العجيبة على الصبر ضد الظالم المحتل وأساليبه الملتوية والايمان بالهدف، وهو ما اعتنقه الشيخ عدنان ورفاقه ممّن سبقوه ومن تبعه في هذا النمط الفريد من المقاومة لكن الله كتب على الشيخ الشهادة وعلى اسرائيل التي لم ترحم آلامه الخزي والعار انشاءالله.
إن قرقرة الأمعاء الخاوية للأسرى الأبطال يجب ان تخرج من خلف القضبان لتصبح صوتًا مسموعًا، والتواصل والتشبيك في عالم اليوم سهل ومهم مع هؤلاء في بقاع الارض الذين حاربوا ويحاربون بنفس الطريقة من اجل قضاياهم. كذلك اتباع استراتيجية الضغط العالمي المتصاعد على اسرائيل في هذه القضية واجب على نشطاء الجاليات الفلسطينية في اوروبا وأمريكا والعالم والداعمين للقضية الفلسطينية عبر نشر قصة الاسير ومعاناته الانسانية وحقه الشرعي في كلّ جمع وكل مؤسسة ومنظمة معنية بهذه الحقوق. ولا يجب أن يقتصر الأمر على المنظمات الاممية فقط، إنما أيضا للمنظمات المحلية في تلك الدول التي تهتم بحقوق وقضايا السجناء مثل مؤسسة "مبادرة العدالة المتساوية" الأمريكية المختصة بحقوق الاشخاص الاكثر ضعفا والظلم العنصري والاعتقال في الولايات المتحدة، و منظمة "مبادرة سياسة السجون" التي تهدف الى اطلاق حملات مناصرة وابحاثا ودراسات حول اصلاح ظروف الاعتقال والسجن. أيضا من الضروري زيادة التركيز على زخم البعد القانوني والانساني لقضية الاسرى من قبل نقابات المحامين في الضفة وغزة مع مثيلاتهم في العالم من مؤسسات ونقابات حقوقية عالمية لتفعيل الملفات القانونية ونشر الحقائق والدراسات على أوسع نطاق التي تتعلق ببطلان نظام المحاكم العسكرية الاسرائيلية وممارساتها خاصة فيما يتعلق بالاعتقال الاداري.
الشيخ خضر عدنان قاتل في حياته وحيداً .. لنعمل من أجل ألا يكون موته نهاية طريقه بل بداية ومصدر إلهام للتحدي ولإمكانية الحرية..