منذ نحو عقد من الزمان تحتجز "حماس" في غزة مواطنين إسرائيليين، هما أبرا منغيستو وهشام السيد، رهينتين، وكذا جثماني الجنديين الإسرائيليين، اورون شاؤول وهدار غولدن، اللذين قتلا في أثناء حملة "الجرف الصامد".
حتى اليوم، لم تفلح حكومة إسرائيل في إعادة المفقودين وجثماني الجنديين. ويبدو أن الموضوع لا يوجد في رأس سلم أولوياتها، أو ربما بسبب غياب الضغط الجماهيري عليها، بحيث لا يمكنها الصمود أمامه.
غير أن من يمتنع عن معالجة مسألة الرهائن الإسرائيليين في غزة يكتشف، الآن، أن عموم مواطني إسرائيل، وبالتأكيد سكان الجنوب، أصبحوا رهائن لدى "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وفي واقع الأمر باتوا أدوات لعب لإنزال الأيادي بين غزة وإسرائيل، الأمر الذي لا ينتهي أبدا.
في جولة المواجهة الأخيرة في الجنوب، اطلق اكثر من مئة صاروخ نحو إسرائيل، لكن لشدة الحظ لم تقع خسائر في الأرواح، ما سمح لإسرائيل في أن تحتوي الحدث، وتعمل على إنهائه. ولكن مع نهاية هذه الجولة بدأ العد التنازلي للجولة التالية: متى بالضبط ستقع؟ لا يمكن أن نعرف. لكن من الواضح أن هذه مسألة وقت، بل بوقت قريب، في أعقاب المواجهة التالية بين "المخربين" وقوات الجيش الإسرائيلي، أو في أعقاب الحادثة التالية بين الشرطة والمصلين المسلمين في الحرم أو "المخربين" في السجون.
إسرائيل، على عادتها، "قوية على الضعفاء". فهي تمتنع عن الصدام مع "حزب الله"، وتتردد في العمل تجاه "حماس"، وحذرة في سلوكها تجاه ايران، لكنها تضرب بقوة سورية بشار الأسد، الذي أصبح ضحية للإحباط المتزايد وللأعصاب الممزقة في أوساطنا، والذي عبره نحاول، ليس بنجاح زائد، إطلاق رسالة ردع وتحذير للمجال الذي يحيط بها.
بالفعل، لم يعد النشاط الإسرائيلي في سورية يؤثر على احد. لا على بشار الأسد، حيث الإصابات التي يتلقاها على ايدينا ليست موضوعا يؤبه له في ضوء الدمار الذي لحق بسورية في أثناء الحرب الأهلية التي وقعت فيها، ولكن ليس على "حزب الله" وعلى ايران أيضا، المستعدين لأن يقاتلوا إسرائيل حتى الفلسطيني والسوري الأخيرين.
إن المنطق الذي قبع في أساس منح الحصانة الجارفة لـ"حزب الله" ولـ"حماس" هو أن فيه ما يضمن الهدوء على طول الحدود. لكن هذا المنطق توقف عن العمل لسبب ما. في السياق يتبين أن "حماس" ليست قوية بما يكفي، وليست معنية في الصدام مع "الجهاد الإسلامي". ويمكن انه مثل الكثيرين في المحيط الذي حولنا تشم ضعف الحكومة، المشغولة بمشاكل داخلية ولا تشعر بأنها قوة وواثقة بنفسها حيث تتصدى للتحدي. والنتيجة هي أن إسرائيل أصبحت رهينة في كل حدث أو حادثة، سواء حجيج اليهود إلى الحرم، أو نشاط الجيش الإسرائيلي في "يهودا" و"السامرة"، أو موت سجين فلسطيني مضرب عن الطعام.
في افضل أيام الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، كان يحذر سكان الشمال من نيته إطلاق هجوم على إسرائيل، بل كان يدعوهم للدخول إلى الملاجئ. وكانت هذه البلاغات تستقبل من سكان الشمال بمصداقية اكثر بكثير من بلاغات الحكومة والجيش، التي كانت غير مرة تأتي متأخرة. أما الآن فيسعى "الجهاد الإسلامي" للسير في أعقاب نصر الله. فهو يطلق التهديدات والتحذيرات، وفي الغالب يقف عند كلمته ويهاجم. لن يبعد اليوم الذي سيبدأ في دعوة السكان في الجنوب للدخول إلى الملاجئ.
هذه الدائرة يجب كسرها. عندما نخاف كل الوقت من الحرب ونمتنع عن وضع حد لدائرة العنف التي لا تتوقف - حتى لو كان هذا محدودا ولا ينطوي حاليا على فقدان حياة البشر بل فقط على تشويش حياة سكان الجنوب – فنهايتنا أن نصل رغم انفنا إلى التصعيد، بالضبط مثلما حصل في لبنان.
إسرائيل ليست "الجهاد الإسلامي"، ولا ينبغي لها أن ترد في رد فعل شرطي كلما أطلقت النار عليها. لكن عليها أن تتبنى تفكير المبادرة والهجوم – الأمر الذي يبدو أننا نسينا عمله في غزة وفي لبنان، الاستعداد كما ينبغي والضرب، شريطة أن يكون للضربة جدوى وتؤدي إلى تعزيز الردع وضمان الهدوء. وفي هذه الأثناء، أمامنا "يوم القدس" وعيد الأسابيع. يتواصل الاحتكاك في "يهودا" و"السامرة" بلا انقطاع، وبانتظارنا صيف حار.
عن "إسرائيل اليوم"