اسرائيل اليوم : تغيير الواقع بحاجة إلى ما هو أكبر من تصفية مركّزة

يواف ليمور.jpeg
حجم الخط

بقلم: يوآف ليمور

 



انطلقت إسرائيل إلى حملة "درع ورمح" حيث كان لا مفر من ذلك تقريباً. فالعربدة التي لا تتوقف لـ"الجهاد الإسلامي"، والتي بلغت، الأسبوع الماضي، ذروتها مع إطلاق الصواريخ في وضح النهار نحو سديروت، بالتداخل مع التآكل الخطير في الردع في كل الجبهات، لم تترك لها مفرا غير العودة إلى الأساسات.
كانت بداية الحملة ناجحة جداً. فقد تفاجأ "الجهاد الإسلامي"، سواء بتوقيت الحملة أم بشدتها. فالمس بثلاثة من كبار رجالاته – في بيوتهم، أثناء نومهم – أخرج التنظيم عن توازنه. كان هذا تذكيراً أيضا لكبار "الإرهاب" الآخرين في جبهات أخرى بأن بيتهم ليس حصنهم، وأنه لا يوجد أي مكان يحصنهم حقا. حسن نصر الله، الذي يسير مثل الطاووس في الأشهر الأخيرة، يمكن أن يشهد على ذلك.
حملة كهذه تتطلب تنسيقا دقيقا بين استخبارات نوعية (بشرية وتكنولوجية) وقدرة عملياتية موضعية. إسرائيل بطلة العالم في هذين العنصرين، وأساسا في تحويلهما إلى وحدة كاملة مجموعها اكبر من قيمة أجزائها. في التصفية في غزة كان مطلوبا ليس فقط معلومات دقيقة أين ينام كل واحد من أولئك المسؤولين على مستوى الغرفة المحددة في البيت ومن يوجد إلى جانبه، بل أيضا التدقيق في موعد إطلاق الطائرات والهجمات بحيث يصاب ثلاثتهم في وقت واحد ولا يتمكنون من الإفلات. حقيقة أن التنفيذ تم بشكل سلس هي نتيجة لوحة الفسيفساء الاستخبارية – العملياتية المرتبة مسبقا والتي خُصص قسم مهم منها لإمكانية المس بغير المشاركين.
صدر الإذن بالتصفية، الثلاثاء الماضي، (فور إطلاق النار نحو سديروت)، لكنه تأجل في كل مرة خوفا من المس بعدد كبير من المدنيين. كان لإسرائيل اهتمام بالامتناع عن ذلك؛ ليس فقط في الجانب الإنساني، بل لأن ضربة كهذه كانت بالضرورة ستجر "حماس" إلى المعركة. اتخذ قرار الهجوم، أول من أمس، مع ذلك، ضمن أمور أخرى، لأنه كان واضحا أن للمسؤولين الذين تمت تصفيتهم توجد إمكانية دائمة بأن يعملوا مرة أخرى، ويشعلوا تصعيدا واسعا يتعرض في أثنائه أبرياء اكثر في الطرفين للأذى.
ولا يزال يمكن التقدير بأن إعلان "حماس" بأنها ستشارك في الرد ينبع من حقيقة أنه قتل في الهجوم مواطنون، وبدافع التكافل الغزي الداخلي. لكن من المعقول ألا يكونوا يريدون الانجرار إلى تصعيد واسع يؤدي بالضرورة إلى قصفهم وقصف غزة. وعليه فهم سيتطلعون إلى أن يعملوا بشكل رمزي، ربما فقط بإطلاق النار نحو منطقة غلاف غزة.
أما "الجهاد الإسلامي" في المقابل فسيسعى إلى أن يرد بشكل أشد بكثير. فرضية العمل أنه سيحاول تحدي إسرائيل بكل طريقة ممكنة، بما في ذلك إطلاق الصواريخ نحو مركز البلاد. في التنظيم يفهمون بأن تداخل الانضباط المدني العالي ومعدل الاعتراض المبهر لـ"القبة الحديدية" (اكثر من 90 في المئة في جولات القتال الأخيرة) يقلصان جدا إمكانية جباية الثمن، ولهذا فإنهم يبحثون عن رد "آمن" اكثر من خلال إطلاق صاروخ مضاد للدروع أو قنص. هذا هو السبب الذي جعل الجيش الإسرائيلي يغلق بعد الهجوم كل الطرق التي يمكن الإطلال عليها من القطاع في الجنوب.
لمدى نجاح "الجهاد الإسلامي" في إيقاع الإصابات بإسرائيل سيكون هناك وزن مركزي في سياق التصعيد. إذا فشل في ذلك – بينما في المقابل من المتوقع لسلاح الجو أن يهاجم في غزة بكثافة كي يجبي من التنظيم أثمانا أخرى – فسيزداد ضغط سكان القطاع على "حماس" لتعيد الهدوء، وأن تسمح بعودة الحياة إلى طبيعتها (بما في ذلك العمل في إسرائيل). ولكن إذا حقق التنظيم نجاحات – وبالتأكيد إذا ما اضطرت "حماس" إلى الانجرار إلى معركة واسعة – فمن شأن إسرائيل أن تنجر إلى تصعيد غير مرغوب فيه، بما في ذلك إمكانية ربط جبهات متعددة في الشمال وفي المدن المختلطة. في جهاز الأمن يقدرون أن احتمالية ذلك قليلة، لكنهم يستعدون في إطار فرضية عمل متشددة، ويعززون المنظومات الاستخبارية والعملياتية في الشمال أيضا. شرطة إسرائيل هي الأخرى مطالبة باستعداد خاص يستوجب ليس فقط تهديدات ونشر قوات، بل محادثات تهدئة ووصول إلى رؤساء المدن والتجمعات الأهلية في المدن المختلطة.
لكن قبل أن يبدأ التصعيد من الواضح أنه في نهايته أيضا لن يتغير شيء جوهري حيال غزة. السياسيون الذين تبجحوا، أول من أمس، بأنهم أدوا إلى تغيير في السياسة ولدوا بعد أن بدأت إسرائيل بتصفية أعدائها، وغير قادرين على أن يعدوا أو يعرفوا كمية زعماء "الإرهاب" الذين صفوا في العقود الأخيرة في غزة. لمن نسي: قبل تسعة اشهر فقط، في حملة "بزوغ الفجر"، صفت إسرائيل قيادة "الجهاد الإسلامي" في القطاع، ما يدل ليس فقط على أن قيادة التنظيم في غزة هي على ما يبدو احد المناصب الأقصر ثمنا، بل أيضا على أن الردع الناشئ عن التصفيات محدود، وبالتأكيد حين تكون في الخلفية ايران التي تحثهم (بالمال وبالأقوال) على أن يتحدوا إسرائيل بمنهاجية. وقد وجد هذا تعبيره ليس فقط بإطلاق الصواريخ؛ فقد كان لاثنين من المسؤولين الذين صفوا دور عميق في تشجيع العمليات في الضفة من خلال الخلايا التي قادوها، سلحوها، ومولوها من القطاع.
الآن، إسرائيل مطالبة بأعصاب قوية، انضباط مدني وساحة سياسية – إعلامية تعرف كيف تبني شرعية إقليمية ودولية لمواصلة العملية إذا ما تطلب الأمر. يجدر بزعمائها أيضا أن يقللوا من التصريحات، وأن يدعوا الأفعال تتحدث. هذا هو زمن الجيش و"الشاباك"، وليس زمن السياسيين محبي الإعلام والإعجابات ممن يطلقون التصريحات عديمة الغطاء في الهواء.
لا يهزم "الإرهاب" بضربة بل بالنقاط وعلى مدى الزمن، ومن المطلوب اكثر بكثير من تصفية ناجحة أن يتغير من الأساس الواقع في غزة وفي سديروت.

عن "إسرائيل اليوم"