وعد المستقبل

177
حجم الخط

لا يجوز لفلسطيني أن يقلل من أهمية التصريحات التي أدلى بها يوم الجمعة الماضي وزير الخارجية الفرنسي، ومن قبله تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون. عدم الجواز هذا لا يعني أنه لا يحق لأي فلسطيني أو فصيل أن يجدد مواقفه من المفاوضات، أو إزاء رؤية الدولتين.

فعلى الصعيد الإسرائيلي، هناك مواقف أحزاب كثيرة وجماعات ترفض رؤية الدولتين وتتنكر لكل حق فلسطيني، بل ان الحكومة المتطرفة برئاسة نتنياهو تتبنى سياسات وتتخذ إجراءات على الأرض، هي التي استدعت من وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، ومن الأمين العام للأمم المتحدة أن يصدر عنهما ما صدر. لكن أن يتمسك كل فصيل أو فرد أو جماعة بموقفه إزاء الحقوق الفلسطينية التاريخية، أو بمواقفه من العدون الإسرائيلي البشع الذي تمارسه دولة الاحتلال يومياً بحق الأرض والشعب والحقوق، ينبغي أن يراعي متطلبات إدارة السياسة العامة الفلسطينية التي نجحت في الانتقال بموقف المجتمع الدولي عموماً إلى مستوى تفهم الحقوق الفلسطينية، والاستعداد لاتخاذ خطوات وإجراءات ضد إسرائيل أو مزعجة لها.

وزير الخارجية الفرنسي، عكس قناعة نعتقد أنها تعبر عن أطراف الرباعية الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة، من أن إسرائيل هي المسؤولة عن فشل عملية السلام وإفشال حلفائها، وبأن السياسة الإسرائيلية ماضية في اتجاه تقويض رؤية الدولتين التي يتبناها المجتمع الدولي بما في ذلك حلفاء إسرائيل الخلص.

الحديث عن مبادرة فرنسية للدعوة لمؤتمر دولي، ليست جديدة لكن إسرائيل اعترضت عليها، ونجحت في إفشالها سابقاً، لكن إمعانها في تجاهل قرارات الأمم المتحدة، وفي ممارسة السياسة ذاتها، وإمعانها في تجاهل مصالح حلفائها، وارتكابها المزيد من الجرائم التي يصعب الدفاع عنها، وفّر الحافز الأساسي لاستعادة تظهير هذه المبادرة.

الحديث عن المبادرة ينطوي على آلية مختلفة عن الآليات السابقة وإن كانت تستهدف إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات، ومخطئ من يعتقد أن الفكرة من بنات أفكار فرنسا وحدها، فالمعروف أن فرنسا الدولة الكبيرة، والعضو في مجلس الأمن الدولي، تحتاج إلى التنسيق مع حلفائها، في الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة. فيما صدر عن فابيوس، إشارة صريحة إلى موقف يدين الاستيطان ويمكن الاستنتاج بأن هذه الإدانة تذهب إلى ما صدر عن بان كي مون، الذي أكد عدم شرعية الاستيطان، ووصفه بالمبادرات الاستفزازية، التي تستخف بالشعب الفلسطيني وبالمجتمع الدولي وتثير أسئلة حول التزام إسرائيل بحل الدولتين بحسب تعبير كي مون.

بان كي مون، الذي لا يعبر عن موقف شخصي، والأرجح أن تصريحاته في الغالب الأعم إما أنها تعبر عن الموقف الأميركي، أو أنها تعبر عن رأي أغلبية الدول الفاعلة على الصعيد الدولي، عبر عن قلق الفلسطينيين المتزايد بسبب وطأة نصف قرن من الاحتلال وشلل عملية السلام، ولكنه، أيضاً، أكد أن إحراز تقدم باتجاه السلام يستدعي تجميد الاستيطان ما يعني أن تمسك الفلسطينيين بشرط تجميد الاستيطان قبل استئناف أية مفاوضات هو أمر مفهوم، ويعكس رأياً عاماً للمجتمع الدولي.

في رده على الأمين العام للأمم المتحدة، كان نتنياهو على عادته مستهتراً وعنجهياً، حيث وصف تصريحات بان كي مون على أنها تشجيع للارهاب الذي يمارسه الفلسطينيون، فيما يبدو أنه يتغابى، ويتجاهل، الأبعاد التي تنطوي عليها تصريحات المسؤول الدولي. يستطيع نتنياهو أن يرد بطريق استفزازية على أي تصريح أو قرار يصدر عن مسؤول أممي أو مؤسسة أممية فلقد دأبت إسرائيل على رفض كل قرارات الأمم المتحدة، لأنه يركن إلى السياسة الأميركية التي تحمي إسرائيل دائماً، لكن رده مختلف على تصريحات وزير الخارجية الفرنسي لأنه يدرك ما تعنيه هذه التصريحات من جدية لكونها تصدر عن دولة صديقة تاريخياً لإسرائيل.

نتنياهو رد على تصريحات فابيوس بأنه مستعد للعودة إلى مفاوضات دون شروط مسبقة، ما يعني أنه غير مستعد للعودة إلى المفاوضات، ذلك أن تجميد الاستيطان لم يعد شرطاً فلسطينياً فقط بل هو بمعنى أو بآخر شرط دولي كما ورد في تصريحات بان كي مون.

يذكّرنا الموقف من الاستيطان، بالاستهلال الذي بدأه الرئيس الأميركي باراك اوباما، بعد أن تسلم مسؤولياته الرئاسية، حين طالب إسرائيل بوقف الاستيطان، بما في ذلك لدواعي التطور الطبيعي، وأرسل بناء على ذلك مبعوثه السيناتور جورج ميتشل، الذي تخلى عن مهمته بعد أن اصطدم بالرفض الإسرائيلي.

تراجعت الإدارة الأميركية عن هذا الشرط، وحاول وزير الخارجية جون كيري تحريك المفاوضات، التي استمرت تسعة أشهر، لتتوقف مجدداً بسبب استمرار إسرائيل في سياستها التوسعية، التي جعلت حل الدولتين آخذا في التلاشي. ينقلنا الحديث هنا إلى الموقف الفلسطيني، الذي يحظى بالتفهم من قبل المجتمع الدولي، هذا الموقف الذي يمتلك كل الحق في العودة إلى المفاوضات دون شروط عديدة، أهمها التجميد الكامل والفوري لكل أنواع وأشكال الاستيطان، والإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى، وتحديد مرجعية المفاوضات، ووضع اطار زمني لها.

في الواقع يكذب نتنياهو حين يبدي استعداده لمفاوضات دون شروط مسبقة ذلك أنه عملياً وعلى الأرض، يضع شروطاً قاسية على الفلسطينيين سواء من خلال متابعة الاستيطان غير الشرعي وغير القانوني، أو برفضه قرارات الأمم المتحدة التي تشكل مرجعية المفاوضات بالنسبة للأرض التي يفترض أن تقام عليها الدولة الفلسطينية وهي كل الأرض المحتلة منذ العام 1967 بما في ذلك وقبل ذلك القدس الشرقية.

في ضوء ذلك، وسواء انعقد المؤتمر الدولي الذي ستدعو إليه فرنسا قريباً أو لم ينعقد، فإنه لا يمكن العودة إلى المفاوضات، بسبب البون الشاسع بين الشروط الإسرائيلية، وبين الشروط الفلسطينية لكن النتيجة ستكون في صالح الفلسطينيين حيث يشكل المؤتمر فرصة لفضح السياسة الإسرائيلية، وسيشكل الفشل في تحقيق هدف استئناف المفاوضات فرصة لعزل إسرائيل وتحريك مواقف وسياسات الدول الغربية لصالح القضية الفلسطينية.