"إسرائيل اليوم" : إسرائيل جبت من "الجهاد الإسلامي" ثمناً كبيراً لكنها لم تنجح في تغيير المعادلة

حجم الخط

بقلم: يوآف ليمور



يشير تلخيص سريع لحملة "درع وسهم" إلى ثلاثة استخلاصات أولية:
أولاً: تلقى "الجهاد الإسلامي" ضربة قاسية مرة أُخرى، بعد اغتيال قياداته والضرر الذي لحِق بمنظوماته العملياتية وبنى تصنيع الأسلحة الخاصة به.
ثانياً: لم ينجح التنظيم في تدفيع إسرائيل الثمن، لا في غلاف غزة، ولا عبر إطلاق القذائف إلى العمق.
ثالثاً: بقيت "حماس" خارج الجولة القتالية، ومنعت توسُّعها عملياً، وذلك بعد أن تركت "الجهاد الإسلامي" يتعامل وحده مع نتائج النار التي أشعلها، وبذلك سمحت بإنهاء الجولة القتالية سريعاً نسبياً.
هذه هي المرة الثالثة، التي تسجل فيها إسرائيل إنجازاً ثلاثياً كهذا. المرة الأولى كانت خلال حملة "الحزام الأسود" في تشرين الثاني 2019، والتي بدأت باغتيال القائد في التنظيم، بهاء أبو العطا، والثانية كانت حملة "بزوغ الفجر" في آب 2022، حين اغتالت إسرائيل تيسير الجعبري وخالد منصور، من قيادات "الجهاد الإسلامي" في شمال القطاع وجنوبه. والثالثة كانت هذا الأسبوع، خلال الحملة التي بدأت باغتيال القيادات في التنظيم، خليل البهتيني وجهاد غانم، وطارق عز الدين.
في جميع الحالات حاول التنظيم الانتقام من إسرائيل وفشل، والأسوأ بالنسبة إليه أنه لم ينجح في ضمّ "حماس" إلى المعركة، أو توسيع القتال إلى جبهات مختلفة.

عدم تجنُّب المواجهة
يطرح هذا النجاح بعض العبر. العبرة الأولى، أنه يجب على إسرائيل عدم الركض نحو المواجهة في غزة، ولكن عليها ألا ترتدع عنها بال،تأكيد حين يقف أمامها تنظيم صغير كـ"الجهاد الإسلامي".
لقد أراد التنظيم الربط ما بين غزة والضفة، بحيث يُترجَم فوراً سقوط كل قتيل في الضفة إلى إطلاق نار انتقامي من غزة، ووضعت إسرائيل أمامه لافتة تحذير واضحة بشأن الثمن الذي سيدفعه إن لم يتراجع عن ذلك.
في الوقت نفسه استنفدت إسرائيل بنك الأهداف لدى التنظيم، من حيث القيادات التي يمكن اغتيالها وأهداف أُخرى (من مواقع تصنيع أسلحة، وصولاً إلى منصات إطلاق صواريخ)، كما كانت إصاباتها دقيقة لتضمن عدم إصابة نشطاء "حماس" أو مواطنين (باستثناء الضربة الافتتاحية)، كي لا تجرّ التنظيم الكبير في القطاع إلى القتال، ما يمكن أن يؤدي إلى تصعيد.

لاعب مركزي
ثانياً، تعتمد إسرائيل بشكل كلّي تقريباً على سلاح الجو، الذي تصدّر العناوين خلال الفترة الماضية لأسباب مختلفة كلياً. ففي نمط القتال الحالي، الذي يفضّل فيه الامتناع من شن عمليات برية (وطبعاً في الهجمات ضمن إطار المعركة بين الحروب)، فإن سلاح الجو هو الذراع العملياتية الوحيدة في الهجوم، واللاعب المركزي والأساسي في الدفاع (إلى جانب الدفاع الجسدي على السياج الحدودي وانصياع المواطنين والجمهور). وبالأرقام فإن حملة "درع وسهم" تبدو كالآتي: تقريباً 96% نجاح في اعتراض القذائف من غزة، واستهداف أكثر من 100 هدف تابع لـ "الجهاد الإسلامي" بوساطة 130 سلاحاً من أنواع مختلفة، مع مستويات دقة عالية جداً.
ثالثاً، على الرغم من التصريحات العدوانية، فإن "حماس" غير معنية الآن بمعركة، أو للدقة: هي غير معنية بأن يجرها "الجهاد الإسلامي" إلى معركة. ستقوم "حماس" بذلك (إذا قامت به أصلاً) لأسبابها، وفي الوقت الملائم لها. وبالمناسبة، يمكن أن يحدث هذا خلال الأيام القريبة، بالتزامن مع "يوم القدس"، إذا شعر التنظيم بأنه قادر على تجميع الغضب في الشارع الفلسطيني والعالم الإسلامي حول المسجد الأقصى. وإذا استطاعت إسرائيل إحباط هذا الأمر بنجاح كما قامت بذلك العام الماضي فإن "حماس" ستفضّل الحفاظ على غزة هادئة، تعمل ومنتظمة، وستحفظ نفسها في حالة بناء القوة، وليس فحص الأضرار.

تقوية العلاقات
رابعاً، كانت مصر ولا تزال الوسيط الفاعل الأساسي حيال غزة. صحيح أن الأموال التي تدخل إلى القطاع هي قطرية بالأساس ("الجهاد الإسلامي" مموَّل من إيران)، ولكن خلال الأزمات تدار الحوارات من القاهرة. على إسرائيل الحفاظ على هذا المحور - الذي يشكل أيضاً مصلحة للفلسطينيين عموماً، وللفصائل في غزة بصورة خاصة - والعمل في المقابل على تقوية العلاقات، التي ضعفت مؤخراً، مع الأردن ودول الخليج، وطبعاً مع واشنطن، إذ سيكون هناك حاجة إلى شرعية دولية لعملية واسعة في غزة.
خامساً، لم يتغير أي شيء أساسي خلال الأسبوع الماضي. مَن يثرثر في الجانب الإسرائيلي بشأن تغيير المعادلة عليه أن يعود إلى البداية: فخلال الأعوام الثلاثة ونصف الماضية، هذه هي المرة الثالثة التي تكرر فيها إسرائيل العملية عينها، مفهوم انصياع "الجهاد الإسلامي" للردع القصير ويحتاج إلى تقوية دائمة. من دون أفق لحل أساسي لمشكلة غزة (وللموضوع الفلسطيني بصورة عامة)، ستستمر إسرائيل في إدارة الوضع حيال غزة في معركة كل هدفها جولات قتالية قصيرة بقدر الممكن، بهدف الوصول إلى أطول فترة هدوء ممكنة بينهما. على الحكومة أن تشرح هذه الحقيقة لسكان غلاف غزة، قبل أن ينهضوا بعد عدة أسابيع أو أيام على صوت صافرات الإنذار المقبلة.

عن "إسرائيل اليوم"