هارتس : التصفيات مجرد نزوة انتقام

يوسي ميلمان.jpeg
حجم الخط

بقلم: يوسي ميلمان

 



يبدو أن جهاز الأمن والمستوى السياسي وقسم من الجمهور وجدوا عشقا قديما – جديدا لهم؛ التصفيات. هذا هو الاستنتاج الذي يمكن التوصل إليه من التفاخر بتصفية القادة الستة الكبار من "الجهاد الإسلامي". إذا كان هذا هو الإنجاز الرئيسي لعملية "درع ورمح" فإن وضع سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين بشكل عام، وسكان غزة بشكل خاص، بائس جدا. في الماضي كانت نظرة جهاز الأمن – "الموساد" و"الشاباك والجيش - للتصفيات بكونها وسيلة للصراع ضد العدو، سواء أكان دولاً أو منظمات "إرهابية"، محل خلاف دائماً، واعتبرت المخرج الأخير.
التصفية الأولى التي نفذتها إسرائيل كانت في 1956 عندما قامت الوحدة 154 (الآن 504) من الاستخبارات العسكرية، التي استخدمت العملاء على حدود إسرائيل، بإرسال عبوة ناسفة وقتلت في غزة المقدم مصطفى حافظ، وهو ضابط في المخابرات المصرية ارسل خلايا فدائيين إلى داخل إسرائيل. في الستينيات كان هناك عدد من التصفيات نفذها "الموساد" ضد علماء المان ساعدوا في جهود تسلح مصر وضد جنرال نازي في الـ "اس.اس من ليتفيا"، هاربرت توكورس، حيث قامت خلية تصفية تابعة لـ"الموساد" بتصفيته في 1965 في مونتفيديو عاصمة أورغواي.
بعد حرب "الأيام الستة" استأنفت شعبة الاستخبارات استخدام التصفيات، ولكن حتى الآن فعلت ذلك باعتدال. قام "الموساد" بإرسال خلايا لتصفية "إرهابيين" فلسطينيين في أوروبا، ردا على عمليات ضد أهداف يهودية وإسرائيلية في الخارج، مثل قتل الرياضيين في الأولمبياد في ميونيخ في 1972. في تلك الفترة عمل بهذا الشكل أيضا رجال عمليات "الشاباك" في الضفة وفي قطاع غزة، أو بشكل غير مباشر عن طريق العملاء الفلسطينيين. في السبعينيات، لا سيما بعد غزو إسرائيل للبنان في 1982 بدأت إسرائيل في تصفية نشطاء "إرهاب" فلسطينيين ونشطاء في "حزب الله".
لكن التغيير الكبير في سياسة التصفيات كان على خلفية الانتفاضة الثانية، حيث كان رئيس "الشاباك" في حينه هو آفي ديختر. في فترته تحول استخدام هذه الوسيلة إلى أمر يتم تنفيذه بالجملة. مئات "المخربين" تمت تصفيتهم بكل الطرق، وفي غضون ذلك تم إدخال التكنولوجيا المتقدمة التي كان يمكن الوصول إليها في حينه، وازداد استخدام الطائرات المسيرة وبعد ذلك الحوامات الانتحارية.
أحيانا تم طرح اقتراحات وأفكار متطرفة وحتى خيالية في النقاشات في المستوى التنفيذي والسياسي، مثل اغتيال صدام حسين. حدث هذا بعد حرب الخليج في 1991 التي أطلق فيها 39 صاروخ "سكاد" على المدن في إسرائيل. الإعداد لعملية التصفية، التي كان من المشكوك فيه أن يصادق عليها رئيس الحكومة في حينه، اسحق رابين، تم وقفه في أعقاب المأساة في "تساليم"، التي قتل فيها خمسة جنود من دورية هيئة الأركان أثناء التدرب على العملية.
لكن إسرائيل لم تقرر في أي يوم إذا كانت سياسة التصفيات ناجعة وتخدم هدفا جديرا أم هي نتيجة نزوة الانتقام. قبل خمسين سنة، بعد فشل "الموساد" في ليلهامر في النرويج، التي اطلق فيها رجال "الموساد" النار على نادل من المغرب بسبب خطأ في التشخيص، ثار نقاش كبير في جهاز الأمن حول مسألة هل يجب التوقف عن استخدام التصفيات. ذياب كمحي، الذي اصبح بعد ذلك نائب رئيس "الموساد"، قال لي، إن "الموساد" يجب ألا يقوم بتصفية الأعداء لأننا "لسنا عصابة أو منظمة قتل محدودة الضمان".
المحاولة الأولى والوحيدة للانشغال بهذه القضية باهتمام كانت في اللجنة الفرعية في لجنة الخارجية والأمن بعد محاولة الاغتيال الفاشلة لخالد مشعل، من قادة "حماس"، في عمان في 1997. في أعقاب فشل هذه العملية فحصت اللجنة الفرعية، التي كان من بين أعضائها أيضا يوسي سريد وبني بيغن واوري اور وعوزي لنداو، التفاصيل. وقد كتبت تقريرا معظمه ما زال سريا، حاولت فيه صياغة نوع من "نظرية التصفيات": متى وفي أي ظروف وضد من يجب استخدام هذه الوسيلة. سواء في نقاشات اللجنة أو في أوساط خبراء من الخارج تبلور الرأي بأن التصفيات، وبالتأكيد خارج إسرائيل، هي مناسبة في حالات استثنائية فقط. المثال البارز على ذلك هو التصفية المنسوبة لـ"الموساد" والـ "سي.آي.ايه"، تصفية عضو "حزب الله"، عماد مغنية، بوساطة سيارة مفخخة في دمشق في 2008. ومنذ ذلك الحين يجد "حزب الله" صعوبة في العثور على بديل مناسب لمغنية، الذي كان يعتبر شخصا مؤهلا بشكل خاص في مجال العمليات "الإرهابية" في أرجاء الشرق الأوسط، وليس فقط ضد الأهداف الإسرائيلية.
في البيان الإجمالي للجنة الفرعية من العام 1997 كتب "خلال سنوات لم تبلور حكومات إسرائيل أي سياسة لمحاربة المنظمات الإرهابية التي تقوم على تفكير أساسي وعلى خط منطقي وثابت ومتواصل. في ظل غياب نظرية مرتبة للعمليات ضد الإرهاب فقد حصل عامل الرد على العمليات على وزن ثقيل وضار. يبدو أن كل حكومات إسرائيل في ربع القرن الأخير لم تقرأ أو ربما نسيت هذه الأمور المحددة والدقيقة. وتجاهلها تم التعبير عنه في حقيقة أنه منذ 2009 نسبت لـ"الموساد" أعمال تصفية لعلماء الذرة في ايران، آخرها كان لعالم الذرة محسن فخري زادة، الذي اعتبر رئيس المشروع النووي في ايران. ولكنها قائمة في الأساس في السياسة التي تتبعها إسرائيل في السنوات الأخيرة في قطاع غزة. من عملية إلى أخرى، كلما زاد إحباط إسرائيل فإن الثقة العمياء تزداد. بعض الوزراء ورؤساء جهاز الأمن يؤمنون بنوع من الخدعة والاختراع، الذي أصبحت فيه التصفيات بالنسبة لهم البديل عن الاستراتيجية.

عن "هآرتس"