"حماس" تحذو حذو عرفات في الحرب والتسوية

08131783070030779318284182254500.jpg
حجم الخط

بقلم نبيل عمرو

 

سأبدأ مقالتي هذه بخلاصة حرفيّة لمقال كتبه أحد أهمّ الصحافيين الإسرائيليين، وهو السيّد ناحوم برينياع، في الصحيفة الأولى "يديعوت أحرونوت"، وذلك في اليوم الرابع للحرب التي سمّتها إسرائيل "رمح ودرع".


يقول: "سواء شئنا أم أبينا، في هذه الجولة ثبّتت "حماس" مكانتها كرقم صعب بين إسرائيل وغزّة. توجد هنا مفارقة تاريخية، فـ"حماس" تجد نفسها وإسرائيل تجدها في المكانة التي كانت لحركة فتح قبل اتفاق أوسلو وأساساً بعده. في حينه احتفت "حماس" بالعمليات، وأحياناً مع معارضة "فتح"، وأحياناً بموافقتها، وأحياناً برعايتها، "فتح" كانت عنصر الاعتدال، المسؤول عن مصلحة الساحة المدنية أصبحت جزءاً من اعتباراتها، و"حماس" تعيش حالياً في واقع منقسم، ففي الضفّة تدفع إلى العمليات، وفي غزّة تدفع إلى تعزيز الاقتصاد وتطبيع الحياة. في غزّة ترى فيها إسرائيل عدوّاً، وأيضاً شريكاً وسنداً. مرّتين في "بزوغ الفجر" وفي "درع ورمح"، اختارت "حماس" الوقوف جانباً بينما صفّت إسرائيل كبار المسؤولين في حركة الجهاد. في الجيش الإسرائيلي فهموا واستوعبوا: التقدير الملتبس بأنّه إذا لم تطُل الحملة وتتعقّد فستبقى "حماس" في الخارج، صحيح حتى أمس. هذا ما كان".


يخلص برنياع إلى الزبدة فيقول: "قريباً سيبدأ في الضفّة صراع على السيطرة في السلطة، أو ما بقي منها بعد انتهاء عهد أبي مازن. إسرائيل لن تتمتّع إلى الأبد بالانقسام الجغرافي فللعلاقات مع "حماس". توجد آثار"، انتهى الاقتباس.
استنساخ ياسر عرفات


ما ذهب إليه برنياع ليس مجرّد اجتهاد أو فهم أو تقدير لكاتب أو سياسي إسرائيلي، بل إنّه تحليل يتداوله الفلسطينيون في مجالسهم وسجالاتهم التي لا تتوقّف حول أجندات القوى والفصائل، ويتعامل معه صنّاع السياسات الإسرائيليون في خططهم لِما بعد أبي مازن.


لا تتحدّث "حماس" عن هذا الأمر وفق منطق "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان". ولأنّها حركة سياسية براغماتية تسعى إلى مدّ سلطتها من غزّة إلى كلّ مكان في فلسطين والمنافي، ترى أنّ الممرّ الإجباري لسلطة معترف بها على الحالة الفلسطينية بإجمالها هو تقديم براهين مقنعة بأنّها مشروع اعتدال يستحقّ أن يراهَن عليه. وإنّ تبنّيها لشعار المقاومة بل وممارستها له بصورة مباشرة وغير مباشرة هو استنساخ لنهج عرفات الذي قاد المقاومة بكلّ أشكالها ليقود المفاوضات التي راهن أن تفضي إلى سلطة على الأرض تتطوّر إلى دولة.


الشيء بالشيء يذكَر، حين قاد عرفات أطول وأعنف حرب مع إسرائيل لمرّتين، الأولى في لبنان والثانية في الضفّة وغزّة، حيث قامت الانتفاضة المسلّحة، كان تفسيره للأولى بأنّها الممرّ الحتميّ لدخول منتدى التسوية السياسية، وهذا ما كان يطالب به طوال فصول معركة بيروت الكبرى. وأمّا الثانية فكان تفسيره لها بأنّها لإنقاذ مشروع التسوية المفضية إلى الدولة وتخليصها من براثن شارون ونتانياهو، بعدما وصلا إلى السلطة في إسرائيل، وكان برنامجهما المعلَن القضاء على أوسلو وأربابها وما نتج وما يمكن أن ينتج عنها. وإذا كانت حرب لبنان وكلّ الحروب العسكرية التي سبقتها على مدى عقود أنتجت أوسلو وعودتَه مع قيادته إلى أرض الوطن، فإنّ الثانية أنتجت عكس ما أُريد منها، وكان ضحاياها المباشرون صنّاع أوسلو، عرفات ورابين وبيريز، وما أنتجت أوسلو من مقدّمات قُرئت في البداية على أنّها ربّما تؤدّي إلى دولة!!


بالعودة إلى "حماس"، أطرح سؤالاً لا يجوز تفاديه: هل تجربة عرفات تصلح لأن تستنسخها حركة حماس لتوصلها إلى قمّة الهرم الفلسطيني أم تقودها إلى ما قادت إليه عرفات؟


هل تتمدّد حماس إلى الضفة؟


لم تفصح "حماس" عن أجندتها في هذا الشأن، إلا أنّها لا تخفي سعيها إلى تطوير سلطتها في غزّة من سلطة على جزء إلى سلطة على الكلّ، ومن شرعيّة أمر واقع إلى شرعية دستورية. أشار موقفها من الانتخابات الأولى إلى أجندة مضمرة من جانبها، ودخولها الانتخابات الثانية كان إفصاحاً عن باقي الأجندة.


للإجابة عن السؤال، يتعيّن على "حماس" قراءة تجربة عرفات في التعاطي مع التسوية، والاستحقاقات التي أدّاها لقبوله عضواً في منتداها الإقليمي والدولي، وقبل كلّ ذلك.. الإسرائيلي - الأميركي، وأن تدرس أيضاً واقع الشعب الفلسطيني في زمن ما بعد انهيار أوسلو، أي في زمن محمود عباس، الطويل الأمد والمعدوم الفاعلية في شأن التسوية المنشودة.


إذا كان الهدف هو الجلوس على رأس الهرم والحال هو نفسه، فهذا أسهل ما في العملية بعد ما أصاب فتح ومنظّمة التحرير من وهن وتمزّق وتهميش. أمّا إذا كان الهدف هو تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني المتمثّلة في الحرّية والسيادة والاستقلال والعودة، فما يبدو في الثلث الأخير من المشوار الذي بدأته "فتح" هو في واقع الأمر نقطة بداية ابتعدت كثيراً إلى الوراء، فهل "حماس" على دراية بالواقع على حقيقته، أم على دراية بأجندتها فقط؟


ستجد الحركة نفسها في قلب معضلة كتلك التي وجد صنّاع أوسلو أنفسهم فيها.


اللهمّ إلا إذا تحقّق ما صرّح به رئيسها في سياق الجولة الحالية، وهو أن تستسلم إسرائيل!!