أبرز أحداث القمة العربية الاخيرة هو عودة سوريا بزعامة بشار الأسد الى حضن الجامعة العربية بعد سنوات طويلة من القطيعة، لكن اللافت أنها جاءت بالتزامن مع دعوة سعودية لاستضافة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي خطيباً في القمة ومنحه مساحة لعرض وجهة نظره أمام القادة العرب. والجمع بين الاثنين كان مفارقة غريبة فالأول يدين لروسيا بالفضل في بقائه بمنصبه والثاني يعد العدو رقم 1 لها. وبدلا من التركيز على عودة سوريا الشقيقة، خطف زيلينسكي الاضواء عالميا وقلل من زخم العودة السورية ، فهل كان ذلك مقصوداً؟
منذ بدء الحرب الروسية/ الاوكرانية استطاع العرب وعلى رأسهم السعودية بلورة موقف سمّي "الحياد الايجابي" إزاء الأزمة في مخالفة للموقف الامريكي والاوروبي. وأثبتوا / أي العرب/ انهم لا يريدون العودة الى نسق الحرب الباردة وسياساتها التي كانت تقسم العالم مع أو ضد. من جهته زيلينسكي كان واضحا في خياراته للحلفاء العالميين ،من غير امريكا واوربا، منذ بداية الحرب. فاستنجد باسرائيل وبيهوديته وخطب في الكنيست وفي الجامعة العبرية وحاول بكل الطرق استنفار واثارة المشاعر اليهودية من قريب وبعيد، وشبّه ما تتعرض له اوكرانيا بالمحرقة النازية لليهود. وأعرب في خطابات كثيرة عن مدى الترابط العضوي بين اوكرانيا واسرائيل ورغبته في أن تصبح اوكرانيا مثل اسرائيل، بل وأيّد الحرب الاسرائيلية على غزة في مايو 2021 ، وطالب اسرائيل بدعمه بالسلاح وأن تتخلى عن "الحياد القاتل" كما أسماه، ولكن يبدو أن محاولاته المستميته جاءت دون جدوى فمن الواضح أن لإسرائيل حسابات اخرى مع روسيا..
فما الذي أتى به الى مضارب العرب وما سبب الدعوة السعودية له في هذه القمة بالذات؟
السعودية اعلنت على لسان وزير خارجيتها أن زيارة زيلينسكي من أجل سماع وجهات نظر جميع الاطراف. الم يكن من الافضل ان تنتظر زيارته الى ما بعد القمة، ويبقى الاجتماع العربي عربيًّا خاصة أن المنطقة تطفح بالقضايا الشائكة من فلسطين والسودان واليمن وليبيا واعادة اعمار سوريا والعلاقات المغربية الجزائرية المجمدة والقائمة تطول.. وعلى وجه العموم يمكن استنباط دلالات الدعوة السعودية لزيلينسكي باتجاهين:
الاول: يأتي استمراراً للمساعي السعودية لترميم صورتها العالمية كدولة تسعى للسلام الاقليمي والدولي والانفتاح لتغيير الصورة النمطية التي التصقت بها في الغرب منذ مقتل خاشقجي، واثبات موقعها كوسيط يمكن ان يحدث فرقا وانجازاً في الحالات المستعصية . وهو ما ثبت عند نجاحها في الوساطة بين الاوكرانيين والروس للافراج عن بعض السجناء . ويتزامن هذا التوجه السعودي العالمي مع توجه اقليمي نشط لاعادة تموضع المملكة السعودية في اقليم الشرق الاوسط كدولة قائد وفاعل في المنطقة لها علاقات وطيدة وطيبة بجيرانها والتي بدأتها بعودة العلاقات مع عدوتها اللدودة ايران وجهود انهاء حرب اليمن، ودورها في اجلاء المدنيين من السودان، ووفودها المبتعثة الى ليبيا وسوريا لاستئناف فتح السفارة السعودية في البلدين.
أما الثاني : فهو ضمن إطار الرفض الامريكي والدولي للعودة السورية للجامعة العربية . فقد انتقدت واشنطن استئناف العلاقات العربية السورية وأعلنت الخارجية الامريكية أن سوريا لا تستحق العودة للجامعة العربية، وبدأ الكونجرس الذي يتبنّى موقفا متشدّدا من سوريا ويحمل العديد من أعضائه وجهات نظر سلبية تجاه السعودية أيضاً في استصدار قانون يمنع التطبيع مع سوريا، بل ويطالب بزيادة فرض العقوبات على نظام الاسد . وعليه فإن دعوة زيلينسكي المدعوم أمريكيا ودوليا جاءت للموازنة بين الأمرين وفي اطار لعبة المواءمات الدولية بين السعودية والولايات المتحدة .
في النهاية خطب زيلينسكي المتباكي في القمة العربية واتهم بعض العرب بكل وقاحة بأنهم يغضون النظر عن الاعتداءات الروسية . فهل يمكن أن نرى يوما الاتحاد الأوروبي أو قمة السبع الكبار تتيح للقيادة الفلسطينية القاء كلمة حول الاعتداءات الاسرائيلية على شعبنا .
أو على الاقل عودة سوريا الى الجامعة العربية هي الاكثر اهمية.