شنّ مسؤول رفيع في الجامع الأزهر/ المرجعية السنية الأعلى في العالم، انتقادات لاذعة ضد المطالبين بتجديد الخطاب الديني، واتهم بعضهم بالسعي لحذف آيات قرانية، وتحليل شرب الخمر، وأنهم لا يعرفون الفرق بين الفقه وأصوله.
جاء ذلك في محاضرة تحت عنوان «تاريخ التجديد بالأزهر الشريف» للشيخ عباس شومان، وكيل الأزهر أمس. وقال إن تجديد الخطاب الديني يأتي على رأس الأمور التي اهتم بها رسولنا الكريم «والصحابة والتابعون من بعدهم، فالتجديد سمة من سمات شريعتنا الغرَّاء لا ينفك عنه أبدا، وقد رأينا في عهد النبي كيف نسخت أحكام وتبدلت أحكام في وقت قصير، فقد كان الرسول قائدنا في التجديد»، على حد قوله.
وانتقد وكيل الأزهر أسلوب بعض من يخرجون على الشاشات وعبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي مطالبين الأزهر بالتخلي عن بعض ثوابت الدين «حتى يعجبهم الدين». وتساءل «كيف لهم أن يعترضوا على أحاديث جاءت على لسان خير النَّاس أجمعين؟»، مستطردا: «قلتها قبل ذلك وأكررها من جديد، على هؤلاء أن يراجعوا أنفسهم، فهذا الذي يقولونه إنما هو تحريف وتخريب وتدليس على الناس، ومن المؤسف أن ينال الأزهر الاحترام والتقدير في كل دول العالم، ثم يُهان على أرض مصر».
وتعجب من بعض الدعوات والنداءات التي تقول إنَّ الأزهر لا يستطيع تجديد الخطاب الديني. قائلا: «إن كان الأزهر الشَّريف لا يستطيع تجديد الخطاب فمن الذي يجدده إذا؟ هل يجدده أشخاص يأخذون الدين بأهوائهم ولا يملكون من العلم ما يؤهلهم لذلك، بل إنَّ بعضهم لا يُفرِّق بين الفقه وأصول الفقه ولا يتمكن من العلوم الدينية وربما لا يعرف شيئا عن علوم اللغة؟ إنني أندهش عندما أجد لقب مفكر إسلامي ينسب لأشخاص لا يعرفون شيئا عن علوم الدين ولم يقرؤوا كتب التراث، حتى أصبح تجديد الخطاب الديني مهنة من لا مهنة له.»
ولفت وكيل الأزهر إلى أنَّه: «يظهر لنا يوما بعد يوم فتاوى ضالة ومشبوهة من أشخاص يتخذون الدين وتجديد الخطاب مطيَّةً لكسب الأموال والشهرة، وهنا أذكر شخص يدعي أنه مفتي ويفتي بتحليل الخمر، في وقت يستطيع فيه طفل يلعب في الشارع أن يستدل على تحريم الخمر من القرآن والسنة»، لافتا إلى أنَّ هذا الشخص يهاجم المؤسسات الدينية ومؤسسات الدولة ومع ذلك تفتح بعض وسائل الإعلام منصاتها لنشر أفكاره المتطرفة.
وأشار شومان إلى أنَّ أول مسألة استُخدم فيها التجديد بعد موت الرسول كانت موضوع الخلافة، وكيف أنَّ اختيار الخليفة خضع للآراء المختلفة والاجتهاد، وقد علمتنا شريعتنا أنَّه مهما اختلفت الآراء الفقهية وآراء العلماء فهي في النهاية تؤدي الغرض ذاته، فالطريقة تختلف والغاية واحدة، فلا يمكن للشريعة الإسلامية أن تساير حياة الناس ولا تعينهم على قضاء حوائجهم إلا بالتجديد وهذا ما يقع على كاهل العلماء في كل عصر وما يفعله الأزهر منذ نشأته قبل 1060 عاما».
وأوضح شومان أنَّ «ما يناسب زمانا قد لا يناسب زمانا آخر، ولذلك كان التجديد مطلوبا في كل عصر وكل بيئة، فالجمود مرفوض، والتجديد يكون بتجديد أمور الفتوى والخطاب للناس إذا ما كانت هناك مستجدات تحتاج إلى رأي كبار علماء الأمة لإبداء رأيٍ فقهي فيها، ونحن في الأزهر ندرس للطلاب مذاهب فقهية مختلفة وهي في النهاية صحيحة، ولكن بعض النَّاس يشقون على أنفسهم ويجادل بعضهم بغير علم».
وألقيت المحاضرة في الجامع الأزهر الدورة الثانية على دارسين لتجديد الخطاب الديني بهدف تدريب عدد من أعضاء هيئة التدريس في جامعة الأزهر والباحثين الشرعيين على تجديد الخطاب الديني، تحت رعاية أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف.