يديعوت : الفلسطينيون يطبّقون سياسة "الجدار الحديدي" في مواجهة إسرائيل

حجم الخط

بقلم: إيتان بن إلياهو

 

 




شق المقال التأسيسي لزئيف جابوتنسكي الطريق لفهم أولي لفكرة الأمن، التي فرضت على دولة إسرائيل، على حد تعريفه: "الحائط الحديدي".
وحسب جابوتنسكي، فإن الشعب لا يتخلى عن بلاده، ولهذا فإن علينا أن نكون جاهزين ومستعدين ليواصل العرب محاولاتهم ضربنا المرة تلو الأخرى إلى أن يأتي يوم يفهمون فيه أن لا مفر لهم من التسليم بوجودنا هنا كدولة يهودية.
أما بن غوريون فصاغ النهج الفكري لجابوتنسكي في مفهوم أمن سياسي. على حد قوله، أعداؤنا أكثر منا، والمقدرات التي تحت تصرفهم تفوق المقدرات التي تحت تصرفنا، ولهذا فليس بوسع معركة واحدة أن تحسم النزاع.
نحن محكومون بعدة معارك، وعلينا أن نضمن أن تنتهي كل جولة ويدنا هي العليا.
بعد سنوات من الجولات الناجحة سيستوعب الأعداء أن وجودنا هنا هو حقيقة لا يمكن تغييرها.
ولاحقاً أثبت هذا المفهوم نفسه، ووقعت إسرائيل على اتفاقات سلام مع الأردن ومصر وطبّعت مع دول أخرى.
كانت غاية الصهيونية هي إقامة دولة لليهود في "بلاد إسرائيل". ضم جابوتنسكي، وبعده صائغو وثيقة الاستقلال، إلى رؤياهم مساواة حقوق لكل مواطني الدولة. غير أن أحداً منهم لم يتصور أن يكون نصف سكان هذه الدولة هم فلسطينيون.
ساعد مفهوم الأمن البن غوريوني ليس فقط في الوصول إلى اتفاقات سلام، بل أيضاً في بناء دولة قوية، صلبة اقتصادياً ومزدهرة.
بقيت مشكلة الفلسطينيين على حالها، بل تفاقمت، في ضوء واقع تعيش فيه الفئتان السكانيتان باختلاط. رغم أن قدرة امتصاص الفلسطينيين عالية على نحو خاص وصمودهم عالٍ أيضا، فإن مفهوم الأمن الذي رافقنا على مدى السنين أدى مع ذلك إلى تثبيت الدولة.
حيال الفلسطينيين لا يؤدي مفهوم الأمن هذا إلى تحقيق الهدف. فنحن نراوح في المكان، وعليه فإن كل جولة تخلّف وراءها إحساساً بالإحباط وخيبة الأمل في أفضل الأحوال.
ما يتبقى هو انتظار الجولة التالية، التي هي أيضاً كسابقتها عديمة الجدوى.
بداية اعتقد الفلسطينيون أنهم سيضربوننا جسداً وروحاً إلى ان نهزم، وفشلوا. بعد ذلك اعتقدوا أنهم سيجعلوننا نملهم لدرجة أن يقرر معظمنا الانصراف من هنا. هذا الهدف هو الآخر لم يتحقق. وكانت النتيجة معاكسة: ثبتنا وعززنا سيطرتنا في "بلاد إسرائيل".
في ضوء حقيقة أن بدائل طردنا استبعدت وبديل الدولة الفلسطينية على قسم من الأرض هو الآخر استبعد، فإن ما تبقى للفلسطينيين هو الانتشار على كل "أرض بلاد إسرائيل" والعيش فيها معنا، متساوي الحقوق في دولة واحدة. بمفهوم ما انطلاقاً من الغريزة وليس بالذات على أساس فكرة مرتبة، تبنى الفلسطينيون فكرة "الحائط الحديدي": اليهود سيضربوننا المرة تلو الأخرى، ونحن الفلسطينيين نصمد، وفي النهاية يعترف اليهود بحقيقة أننا هنا معهم. جسّد "عرب إسرائيل" منذ الآن هذه الرؤية، وفعل "عرب إسرائيل" هذا جزئياً، وفي غضون بضعة أجيال فإن الفلسطينيين من سكان "يهودا" و"السامرة" أيضاً سيكونون في المكانة ذاتها.
هكذا وليس بغيره علينا أن نرى الواقع الخطير الذي نعيش فيه، وإلى أين يؤدي بنا، وعلى أساس هذا الفهم علينا أن نفكر من جديد بنهجنا تجاه النزاع وبلورة مفهوم الأمن. ما الذي ينبغي لنا أن نفعله؟ أولاً أن نعرف نواياهم، وقدرة امتصاصهم وصبرهم. ثانياً، أن نكف عن الكذب على أنفسنا – تبجُّح السياسيين أمام الجمهور يخلق في صفوفه فقط إحباطاً ويضعفنا.
علينا أن نصف أمام الجمهور الوضع كما هو، وأن نعده لسلسلة عمليات وأحداث يجب أن تنتهي ويدنا هي العليا.
ستتواصل حيال غزة جولات المواجهة. على الرد أن يكون خطيراً لكن عليه أن يراعي كل الظروف السائدة في ذاك الوقت كالوضع السياسي العام والوضع السياسي الداخلي. لما كان ليس لنا أمل في أن ندير معهم مفاوضات فإن الصمود والتصميم إلى جانب رد قوي متكرر سيخدم الإغراء الذي سنطرحه عليهم، وينعش الميل في أن يتعزز حكم "حماس" في غزة وتكون الذخائر التي يجمعها أهم له من أن يضيعها.
"بفضل" "حماس" ستتحسن حياة الفلسطينيين في القطاع إلى أن يستوعبوا ذات يوم أنهم عملياً يعيشون ويديرون دولة مستقلة.
يحتمل لهذا الواقع، الذي يبدو فيه للفلسطينيين أنهم يعيشون في غزة كدولة عملياً، أن يوقظ في أوساطهم أفكاراً أخرى حول حل النزاع.

عن "يديعوت"