«شيفرة الإرهاب» في المسألة السورية

مهند عبد الحميد258
حجم الخط

يعيش الشعب السوري كارثة هي الاسوأ في تاريخه المعاصر. 

154 الف ضحية قضوا في الحرب،  80% مدنيون وابرياء،  بينهم 12 الفا سقطوا تحت التعذيب.

ربع مليون جريح ومصاب،  109 الاف مفقود ، و282 الف معتقل، 4.5 مليون لاجئ  خارج سورية، 9 ملايين نازح داخل سورية.و يصل عدد افراد العائلات المتضررة من الحرب 70% من تعداد الشعب السوري  البالغ 24 مليون .

اما خسائر الاقتصاد  فقد قدر تقرير للامم المتحدة ان الاقتصاد السوري خسر منذ العام 2011 وحتى نهاية 2015  200 مليار دولار.

  وقد فقد 3 ملايين سوري اعمالهم ، وأدى ذلك الى فقدان 12 مليون سوري مصدر دخلهم.

وارتفعت نسبة البطالة الى 57.7%  وأرتفعت  نسبة الفقر إلى 80%، وفقدت البلاد بنيتها التحتية والنسبة الاكبر من اليد العاملة. وتعاني 18 منطقة سورية  من حصار وتجويع  أودى بحياة عشرات المواطنين جوعا ويهدد المئات بالموت جوعا، وبخاصة بلدة مضايا على الحدود اللبنانية، ومخيم اليرموك  في مدينة دمشق.

  لوحة سوداء قاتمة تتشكل لشعب عريق هو من أهم شعوب المنطقة، يشارك في رسمها الكبار والصغار بحثا عن مصالحهم وأرباحهم  لا يضيرهم  استمرار هذا النوع من الصراع  الدموي المدمر، لطالما ان الطرف الذي يدفع الثمن هو الشعب السوري وحده.

لا أحد يقيم وزنا لمصالح وحقوق السوريين وفي مقدمة ذلك الحق في الحياة والامن والحق في وقف هذه الحرب الوحشية. لا أحد يتوقف عند مصير شعب، لا ذنب له غير مطالبته بالحرية والكرامة  وبالديمقراطية التي كان يرنو اليها طوال عقود من الاستبداد. «مجموعة أصدقاء سورية» لم يكونوا أصدقاء.

ومجموعة الحفاظ على الدولة السورية  حافظوا على النظام  بدون دولة،  ومجموعات الممانعين والمقاومين فصلوا المقاومة والممانعة عن جوهرها المتمثل بحرية الوطن والمواطن.

وَجُلُّ المجموعات من دول كبيرة وصغيرة ومتوسطة  توحدوا على هدف واحد هو محاربة الارهاب، وعلى بقاء النظام المنتج الاساسي للارهاب  مباشرة وغير مباشرة.

الحرب ضد الارهاب والاجماع على بقاء النظام،  شيفرة تجمع وتوحد المحاربين وتفسرأهدافهم الحقيقية، تلك الاهداف التي لم يكن انقاذ الشعب السوري من بينها، حتى لو كان الانقاذ مجرد وسيلة من وسائل تحقيق اهدافهم. جاؤوا الى جنيف 3، وقد صعدوا الحرب والحصار ليسقط المزيد من الضحايا في صفوف الشعب السوري  بالقصف والتجويع،  وترد داعش» على التصعيد بتفجيرات انتحارية ليسقط المزيد من الضحايا في صفوف الشعب السوري ايضا، الشعب هو العنصر المستهدف في الميلين وهو الذي يدفع الثمن عنوة ومع سبق الاصرار والترصد .

ذهبت روسيا بوتين الى جنيف بعد ان وجهت ضربات قاسمة للمعارضة بكل اصنافها المعتدلة وغير المعتدلة في اللاذقية وحلب وإدلب ودرعا  ودير الزور وفي محيط دمشق العاصمة بهدف مباشر هو تقوية النظام على الارض وعلى طاولة المفاوضات.

وبهدف متوسط وبعيد هو دعم بقاء نظام الاسد كحليف مطواع يقبل بتأمين المصالح الروسية في سورية وعبرها في المنطقة.

في هذه الاثناء فإن الطائرات الروسية  التي جاءت لمحاربة الارهاب لم تقصف مواقع داعش الاستراتيجية، بل كان هدفها استعادة المواقع التي خسرها النظام على يد المعارضين وبعض جيوب داعش في تلك المناطق.

وهذا يفسر ان الحرب الروسية ضد الارهاب تعني فرض حل سياسي يستبقي النظام الديكتاتوري المستبد.

وذهبت الولايات المتحدة الى جنيف، بعد سلسلة من الضغوط الحثيثة على قوى المعارضة المستأنسة، بغية إلزامها بالحل المتوافق عليه مع روسيا حول بقاء النظام  ومشاركته في الحل، وتقديم مهمة الحرب ضد داعش على ما عداها من مهمات،  واستخدام مهارات وزير الخارجية جون كيري في تامين الغطاء السياسي للحل الروسي المتوافق عليه مع الغرب عبر مؤتمر جنيف3 .

الموقف الامريكي سجل رقما قياسيا في التغير والانتقال من موقف الى آخر نقيض، الموقف الذي لا يرغب في سقوط النظام المستبد لمصلحة  نظام ديمقراطي بإرادة سورية مستقلة تهدد المصالح الاميركية  من جهة.

ولا ترغب إدارة أميركا  في سقوط النظام لمصلحة قوى الاسلام المتطرف. وفي الحالين بقي الموقف الامريكي أقرب الى النظام. غير ان الموقف الامريكي  المتغير من جنيف 1 إلى جنيف 2  إلى قرار مجلس الامن، إلى جنيف 3،  ألحق ضررا شديدا بالمعارضة التي اعتقدت ان التغيير سيكون عبر الولايات المتحدة، ووضعت كل البيض  في السلة الامريكية، وكانت النتيجة  خسارة  استقلالها  ومصداقيتها.

وذهب الاتحاد الاوروبي الى جنيف وفي جعبته بند واحد هو عمل كل ما من شأنه إبعاد شبح اللاجئين عن اوروبا، ذلك البعبع الذي أخل بكل توازنات القارة العجوز.

فالحروب الاهلية في 30 بلدا انتجت 23 مليون لاجىء نصفهم يتحركون نحو اوروبا كما يقول توماس فريدمان، نقلا عن لجنة الانقاذ الدولية،  وهؤلاء سيزعزعون استقرار الاوروبيين. بناءً على هذا الخطر هرول الاوروبيون نحو روسيا التي وعدت بحسم الصراع سريعا، لكنهم فوجئوا بان حرب روسيا أرسلت المزيد من المهاجرين.

وبقيت اوروبا اضعف من المستوى الذي يسمح لها بتقديم مبادرة مستقلة تساهم في وقف الحرب  والنزف اولا، وايجاد حل عقلاني يأخذ بالاعتبار مصلحة الشعب السوري واستقراره في وطنه. خلافا لذلك بقي الموقف الاوروبي متأرجحا بين روسيا واميركا.

اما اللاعبون الاقليميون، فإن كل ما يهم تركيا هو إبعاد شبح الاكراد، وما يهم ايران هو بقاء نظام الاسد  والحفاظ على  قوة حزب الله في لبنان كي تحافظ على دورها الاقليمي. وكل ما يهم السعودية هو العكس حرمان ايران من سورية ولبنان عبر إسقاط نظام الاسد حتى لو ادى ذلك للتحالف مع الاصوليات الاسلامية.

الكل يحارب الارهاب، على ما تقدمه جبهات الحرب ضد الارهاب من مفارقات، اسرائيل مثلا تؤيد التدخل الروسي للحفاظ على نظام الاسد الممانع للحلول الاسرائيلية في المنطقة و « الداعم للمقاومة» ضد إسرائيل.

الولايات المتحدة تتدخل وتوجه ضربات ضد داعش وفي الوقت نفسه  تؤيد التدخل الروسي الذي يوجه ضربات قاسمة لحلفاء امريكا من المعارضين السوريي، الذين يحاربون داعش.

اسرائيل تسمح لحزب الله بالتدخل في سورية لانقاذ النظام الذي يدعم المقاومة ضد اسرائيل. تركيا تدعم داعش خفية وتحاربها علنا  لمواجهة خطر الاكراد.

والسعودية تتحالف مع الاسلاميين (الاخوان المسلمين ) في سورية واليمن لاضعاف النفوذ الايراني،.. وغير ذلك.

الكل يحارب إرهابا ويدعم إرهابا في الوقت ذاته، وكل أنواع  الارهاب  بما في ذلك إرهاب النظام  واحد،  والخلاف فقط على الحصص.