مقدمة : تنحصر هذه القواعد، المشتقة من واقع الحياة الفلسطينية، فيما هو ضروري وانقاذي، ولا تذهب للايديولوجيات الكبرى المتخاصمة، ويمكن الاضافة عليها الشيء الكثير .
جرت العادة ان تتخندق النخب الفاعلة العربيه منذ مئات ومئات السنين في جبهة الخلاف الذي يوّلد الصراع، او ما يطلق عليه " الفتنه"والذي يقرأ العديد من المراجع بعيداً عن التعليم المدرسي المبسط، يكتشف الكثير من الفتن،اما فترات الهدوء فهي متقطعة .
ليس لدى الشعب الفلسطيني ترف تبديد المزيد من الوقت والطاقات وتأجيج المزيد من التناقضات والاقصاءات، لسبب مركزي انه يخوض معركة وجود من جهة ويواجه معسكراً اضخم منه بما لا يقاس من جهة اخرى .
اما الشيء الذي يجري " التواطؤ" عليه فهو اختزال مشروعه بالقول السياسي، دونما رصد للعوامل التي ترسم وتحدد السياسة، و(تعميم الجزء على الكل بما يفضي للخطأ) ابن خلدون، وكذا عدم ربط الحاضر بالمستقبل، فإن كانت اللحظة مطمئنة فهذا حال قادم اللحظات، دون قراءة جدلية التاريخ، فقد يتحول الجيد اليوم لسيء غداً.
لقد فرضت المقولة السياسية نفسها على الشعب الفلسطيني اتصالاً بالنكبة والتطهير العرقي الذي شمل ثلثي الشعب عام 48 وتهجير نصف الضفة وغزة 67 . وحتى التيارات الاكثر انفتاحاً بان ( المقاتل بلا وعي كأنما يوجه بندقيته الى صدره) الحكيم د.حبش ، وربطت الثقافة بالمشروع التحرري ،فقد وجدت نفسها امام سؤال ( هل الفكر مرشد ام عقيدة) ومرة اخرى( نظرية ام نصف نظرية ) وصولا الى تهميش التعبئة الفكرية لسنوات، اما مقولة ماوتسي تونغ (لو أتاني شيوعي صيني وحدثني عن الماركسية دون ربطها بالخصائص القومية الصينية اعتبر كلامه فارغا) فتجلت اكثر ما تجلت في ربط الوطني بالطبقي والقومي وفي التمييز بين التحرر الوطني بما له من اصطفافات وثورة اجتماعية بما تتطلبه من تحالفات وخصائص وخطاب واهداف، وفي مقولة الحكيم (لا ينبغي ان ينتهك التاكتيك الاستراتيجية ولا ان تنتهك السياسة الايديولوجية ) وان ارتبكت الترجمات في بعض المحطات تأثراً بميزان القوى الفلسطيني الداخلي والحرص على وحدة م. ت.ف والتحالفات الدولية الى ان استعادت شعار التحرير والعودة والحل الجذري الديمقراطي ، ففلسطين واحدة ولا حاجز طبيعي يفصلها اما المحاولات العديدة لتقسيمها سياسيا وتحريك خريطتها فقد اخفقت منذ الفي عام وما تلاها ( د. الخميسي الدولة الفلسطينية ) وعاد الرهان على البعد القومي واكثر على البعد الاقليمي ارتباطا بالتحولات الاستراتيجية التي لا يمكن وقفها.
ولا ينبغي الاستخفاف بالخلل الذي تطرق له الكثير من المنظرين ( انعزال الطليعة ) عن الجماهير بما لذلك من تأثير على الخارطة السياسية – الثقافية التي تبدلت دراماتيكيا في مرحلة أوسلو.
وتأسيساً عليه، فقبضة القيم الثقافية – الاخلاقية ادناه، انما تسعى لتأمين سياج حامٍ بغية تعزيز تماسك البنية الاجتماعية وتوجيه البوصلة في اتجاه صحيح، وهذا لا يتحقق الا ان تماهت في الوعي الجمعي بما يجعلهاقوة مادية وركن ركين، ليس لليوم فقط، بل وللغد ايضا سيما وان دينامية تفكيكية تنخر الشعب منذ "اوسلو"، والبداية السؤال المفتاحي التالي
1: لماذا وصلنا الى ما وصلنا اليه ، لماذا احوالنا على هذا النحو، سواء كشعب او وطن او جماعات او افراد، وما السبيل لتعزيز الايجاب وتخطي السلب، وهل نسير على السكة الصحيحة وما هي الثغرات التي ينبغي ترميمها وردمها ... فلا ينبغي ان ينام العقل ، فاسئلة كثيرة يفرضها واقع الحياة وما يتراكم فيها من هموم ، والاجابات تراكمية ايضا، مستفيدين من تجارب الشعوب . ولأن الحياة معقدة فلا اجابات مبسطة والمرء يبدأ بنفسه .
2: التثقيف والتعلم الذاتي، فالعلم بحر والثقافة محيط وكلما اتسعت ثقافة الانسان واتسع علمه اغتنت شخصيته بما يساعده على مواجهة المصاعب المتشعبة وصد الثقافة المعادية التي تستهدف عقله وهويته في زمن بلغت الحرب الناعمة ذرىً غير مسبوقة. والثقافة التحررية تحمي الانسان من اليأسية والاحباط (اذ يمكن التغلب على هزيمة عسكرية ويمكن التغلب على هزيمة سياسية اما الهزيمة الثقافية فهي أمّر واقسى) الحكيم د. حبش . وهناك الكثير من الكتب والرويات والافلام والاغاني والمسرحيات والابداعات الفنية المفيدة التي تنقل الانسان من حال الى حال افضل . واجابة على سؤال صحافية فرنسية في لقاء طويل على امتداد مئات الصفحات اجاب وزير الدفاع الفيتنامي ( كلما اتسعت المسؤوليات تطلب تخصيص المزيد من الوقت للتثقيف الذاتي ) اما غيفارا فكان لا يكف عن القراءة وكتابة اليوميات في زمن الادغال والقتال ولا تنطفيء الاضاءة في غرفته الا مع ساعات الفجر منكباً على القراءة والمزيد من القراءة بعد انتصار الثورة ) والمعيار الحاسم والتحدي الاكبر هو انتاج الثقافة لا استهلاكها فقط والافادة من الهامش المتاح في شبكة التواصل الاجتماعي من قبل الموهوبين والاذكياء لترويج سرديتنا .
والذي يمحص خطابات القائد الالمع... ألا يلاحظ سعة اطلاعه وكثافة استخلاصاته وتماهي المنطق فيها وألا تؤدي فضائية الميادين دورا تنويريا وتعبويا يفوق دور دول كبرى ..ولا اعرف لماذا لا تقوم جهة مقتدرة باعداد برنامج توثيقي يتعقب شخصية الجنرال الاستثنائي الشهيد سليماني لما يمثله من دور عظيم تجاوز القومية والمذهبية والطائفية، فالشرق انتج سليماني مثلما انتجت امريكا اللاتينية تشي غيفارا.
3: استثمار الوقت على نحو فعال، فالوقت هو الحياة واضاعته اضاعه للحياة، ورغم الحاجة للراحة والاستراحة والترفيه يمكن تقليص تبديد الوقت، فابحاث علميه عديدة تتحدث عن فوائد واضرار التلفزيون والكمبيوتر والموبايل والسوشيل ميديا ، والاكثر طموحا هو الذي يوظف وقته في مبادرات مفيدة وبشكل اخص في مبادرات انتاجية ومساعدة الناس .
4: التخطيط وتحسين الاداء، بديلا للعشوائية والتخبط وبناء الادوات التنفيذية وعدم التكلس وتقديم ما هو ارقى واكثر ابتكارية، (فمن الجنون اتباع نفس الطريق وتوقع نتائج مغايرة ) اينشتاين و ( ليس ثمة ما هو اسخف من الرضى عن النفس ) لينين والتخطيط يستدعي ترتيب الاولويات، فليس كل المهام سواء وليس كل الانشغالات بنفس الاهمية .
5: التشبث بالحقوق الوطنية المنبثقة من الهوية والتاريخ بصرف النظر عن التقلبات السياسية، الثقافي يذهب للمطلق اما السياسي فيذهب للنسبي فهل تخلى الالمان عن وحدة بلادهم بعد انقسامهم عام 1948 ؟ والتشبث بـأمل تحرير الوطن ، فهل تخلى الصينيون عن تحرير عاصمتهم التي احتلها المغول قرن ونصف ، وهل يئس الافارقة بعد ان استباحهم النظام العنصري اكثر من ثلاثة قرون، وهل انتقل اللبناني الي البراغماتية الواقعية بعد اجتياح عاصمته ام إنطلق من ( الثورة تبدأ بحلم ) لينين.
6: الاعتصام بموقف اخلاقي يرفض الظلم مهما كانت صورة وجبروته وعدم الاستكانة والاستسلام لكل من يحاول انتهاك كرامة الانسان ومصادرة حريته وقهر عقله ومصادرة حقوقه .
ألم يختف نيرون وقافلة طويلة من الاباطره والقياصرة والغزوات الاستعمارية ؟ ألم تهرب بريطانيا الاستعمارية من امريكا ، وألم يهرب السفير الامريكي من سايغون ( هوتشي مين حاليا) بعد ان حطت مروحيته على سطح السفارة؟وألم يطح الفقراء الروس بحكم القياصرة والانتفاضة الايرانية بحكم الشاه؟
والتضحية في سبيل القيم الفلسفية الكبرى، كالحق والعدالة والحرية والحقيقة، فالتضحية معيار رقيْ ودليل على انسانية الانسان وتحرره من الخوف والاستلاب والذل ( انقض على العدو الرابض في نفسك) ماوتسي تونغ، ( واضرار الخنوع اكثر من اضرار المواجهة ) تشيرشل، اما ( الاختفاء تحت تنورة زوجاتهم ) لينين فلا يقدم شيئا ، اضافة لاحترام بطولات الشعب وابطاله والتعلم من مآثرهم .
7: احترام التعددية وعددم شيطنة الآخر، فكل الشعوب مكونة من طبقات وشرائح وايديولوجيات وخيارات وضمان حق التنظيم السياسي والنقابي وشتى التمظهرات الاجتماعية واعطاء الاولوية للمشترك بما يؤمن وحدة الارادة والتعايش مع الخلافات . وذهب الامر بالمفكر غارودي للقول ( ليس هناك ثقافة افضل من ثقافة ، فالثقافات مرتبطة بسياقاتها الحضارية ) ولا احد يحتكر الحقيقة اما المباراة ففي الانجاز لا في الصراخ .
وبالتالي اجتناب العنف في حل الخلافات الداخلية او بث الكراهية التي يسهل معها ضم القبضة والضغط على الزناد ، واللجوء لاليات الحوار والانتخاب والقضاء وحق التعبير . فعنف الفلسطيني ضد نفسه هو وصفه للتدمير الذاتي ( مجرم من يحرض على القتال) الحكيم د .حبش .
8: الاقتناع العميق بالمواطنة، فالقانون الفلسطيني الاساسي يقوم على السوائية دون تمييز ديني او جنسي، ولننظر حولنا لإبصار ما فعله الفكر المتطرف والتقسيمات المذهبية والطائفية والعرقية والقبائلية والعشائرية .
فالانسان هو اعلى قيمة على الارض، وقيمة الانسان عمله وانتاجيته ( الانسان سلوك) حنا مينا، وثقافته وعلمه ومعتقداته تنعكس في نهاية المطاف في سلوكه . واستخلص الفيلسوف سبينوزا ( الحساب الاخلاقي العملي) وليس في استهلاكيته وفخامة سيارته ونفوذ عائلته او تنظيمه او ( ما يخلعه على نفسه من القاب) لينين، حتى لو كان اقلية ( فلا تستوحشوا طريق الحق لقلة السائرين فيه ) علي بن ابي طالب .
9: المبادرة ( الكادر يبادر) جيفارا وعدم التكلس باطلاق مزيد من المحاولات وحماية المنجز والحرص عليه، فدون منجزات يتوقف التاريخ ، و التواضع والنأي عن الاغترار والصدق فهل من قيمه اكثر اهميه من الصدق ودون صدق تنهار العلاقات مهما كانت وتفادي التواكل ( من انتم ؟ نحن المتوكلون ، بل انتم المتواكلون ) عمر بن الخطاب .
10: عدم الكف عن البحث عن حلول للمشاكل وتذليل المصاعب، وان لم يكن من خلال "أ" فمن خلا ل" ب" او ج فالكثير من المشاكل لها حلول، ولكن ما فائدة الركض على الطريق الخاطيء، مثل الماني حينها ( ينبغي تغيير الناس لا تغيير القضية ) الشهيد كنفاني .
كل ذلك من اجل الناس ، وحب الناس، فمعنى الحياة الاول هوخدمة الناس ( الجوهر مساعدة الناس) مانديلا،والمساعدة بلا ضاف ولها اشكال لا تحصى ،اما الانحطاط فهو استغلال الاخرين وقهرهم والتنمر عليهم والاستئثار بمنافع الارض فيما ( 2 مليار نسمة دون خط الفقر) الامم المتحدة واكثر من نصف الشعب الفلسطيني .
11:ترسيخ الجماعية سواء العامة او القطاعية او المحلية او المؤسساتية، فهي تعززالمنعة والتساند، اما الايغال في الفردانية فتفضي الى التذرير والوهن واسوأ الامراض .
وليكن جليا ان عولمة الاحتكارات والليبرالية الجديدة تقومان على الفردية وضرب الجماعة وعلى الاستهلاكية وضرب الانتاجية، وعلى محو الهوية القومية ، وعلى تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي واطلاق العنان للاحتكارات وتوابعها لاستباحة السوق والبشر، ولهذا بات (7-8اشخاص يحتكرون 70% من السوق الدولية ) تشومسكي .وفيما الحد الادنى للاجور في الاراضي الفلسطينية 67 نحو 500 دولار هناك نخبة طبقية تحوز على المليارات دون التزام واضح بمسؤولياتها الاجتماعية !
12: الاعتراف بالخطأ، ودونه يشتد التعفن، والاعتراف بالخطأ يعكس جرأة وفرصة للتصحيح.
وأخيرا اذا كانت ( المرأة مضطهدة المضطهدين) الثوري بيبل يتوجب ازالة الاضطهاد عنها لا تعنيفها واطلاق طاقاتها للمشاركة في بناء خياراتها . فالمرأة تساهم اليوم ب 37% من الانتاج العالمي وتقترب من 20% في قوة العمل الفلسطينيةو 62 % في الجامعات ولها مساهمات في النضال وتجارب الاسرى وهي مؤهلة ( لكل المهام ) غيفارا.
وحب الاطفال واحترام الجيل الاقدم ويرقى الى مستوى العار البطش بالاطفال واهانة الكبار. فالاطفال هم جيل المستقبل والكبار هم الذين عبدوا طريق الحاضر ، وتكوين ثقافة جمعية تصل حد مقاضاة من يبطش بالاطفال ويتطاول على الكبار انظروا ما أصبحت عليه الصين في هذا الصدد.
13: مزاولة الرياضة، فالرياضة تقوي الجسم وتنعش الروح وهي أفضل رادع للمرض ،وهل من الصدفة ان تزاول كل جيوش العالم رياضات مختلفة ، والرياضة لا تنحصر في الصالات الرياضية بل وتشمل المشي حيثما امكن والرحلات الجبلية وصولا الى الابتعاد عن العادات المدمرة للصحة .
تخضير ما امكن من مساحات حول المنزل وفي الشوارع والبراري ـ فاللون الاخضر يولد طاقة ايجابية حسب المعتقد البوذي واكتشافات العلم، والطبيعة تمدنا بغذاء غير مرئي ( للاطفال قلبي – سوخوملينسكي )
وتشجيع السياحة الداخلية بزيارة المواقع الاثرية والتلال والاجمات فمناخ بلادنا كجزء من بلاد الشام هو الاكثر اعتدالا ويغبطنا او يحسدنا عليه الكثيرون .
وختاما، ان عشت فعش حراً او مت كالاشجار وقوفاً.. سميح شقير.