القدس: الضغط الإسرائيلي والانفجار القادم

thumb (1).jpg
حجم الخط

بقلم أشرف العجرمي

 

 

 


تسابق الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الزمن لتهويد القدس وإثبات أنها موحدة وعاصمة إسرائيل «الأبدية» كما تقول. ولكن الحكومة الحالية التي يرأسها بنيامين نتنياهو بشراكة مع أقصى اليمين العنصري والفاشي بزعامة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ذهبت في استفزازاتها إلى درجة أكبر وأكثر تصعيداً بعد عقد جلستها الأسبوعية في نفق أسفل حائط البراق والمسجد الأقصى، وبالقرارات الاستيطانية التي اتخذتها لاستكمال مخطط التهويد في المدينة المقدسة، وذلك احتفالاً بذكرى احتلال القدس حسب التقويم العبري.
 وقد أكد نتنياهو خلال اجتماع حكومته على الرابط التاريخي بين اليهود والقدس وأنها كانت «عاصمتهم قبل حوالي 1100 عام» حسب زعمه. وأقرت الحكومة العنصرية مخططاً استيطانياً جديداً لإقامة 1700 وحدة سكنية في القدس للتأثير على الوضع الديمغرافي والجغرافي في القدس الشرقية بشكل يمنع إقامة عاصمة فلسطينية في المدينة.
الأكذوبة الإسرائيلية بخصوص عاصمة داود ومملكة إسرائيل لم تجد ما يسندها في كل الاكتشافات الأثرية التي نتجت عن الحفريات المكثفة التي أجرتها إسرائيل وبعثات دولية عديدة، لدرجة أن علماء الآثار الإسرائيليين قد أقروا أن التوراة لا تصلح للتأريخ. وقد قال عالم الآثار الإسرائيلي زئيف هرتسوغ : « بعد سبعين عاماً من الحفر والتنقيب في إسرائيل وصلنا إلى طريق مسدود. والأمر كله مختلَق، فلم نجد دليلاً يؤكد وجودنا التاريخي على هذه الأرض....ولم نجد أي ذكر لاسم داود وسليمان هنا، ولم نجد نجمة داود ولا الشمعدان المقدس. والباحثون والمختصون يعرفون هذا الشيء جيداً، ولكن العامة لا يعرفون. إما أننا في المكان الخطأ أو أن كل ما ورد في التوراة عن الملك داود وسليمان هو مجرد خرافات وأساطير».
ولو عدنا للواقع، فإسرائيل تستثمر مبالغ هائلة وأسطورية لتكريس القدس «الموحدة عاصمة لها ولكنها لم تنجح في تجاوز الفلسطينيين الذين باتوا يشكلون 39,2% من مجمل تعداد سكان القدس بشطريها والبالغ 984 ألفاً. والذين يشكل اليهود المتدينون «الحريديم» 29% منهم. ورأي الجمهور الإسرائيلي يدحض الادعاءات بوحدة القدس. ففي آخر استطلاع حول المدينة أجرته القناة (12) الإسرائيلية ونشر يوم الجمعة الماضي في اليوم التالي لمسيرة الأعلام، قال 65% من الإسرائيليين أنهم يرون القدس غير موحدة مقابل 23% يعتقدون عكس ذلك. وحول سؤال أنه «إذا توفرت لك فرصة للعيش في القدس» أجاب 62% أنهم يرفضون، مقابل 30% يوافقون على العيش هناك. ولعل تجربة مسيرة الأعلام خير دليل على عدم شعور الإسرائيليين بأن القدس عاصمتهم. فلو كانوا مقتنعين بذلك لما أكدوا عليه كل سنة بهذه المسيرة القميئة. والأدهى هو أن الحكومة الإسرائيلية نشرت في المدنية 3200 شرطي بما في ذلك حرس الحدود، وأعداد أخرى من الجيش والمتطوعين، وحولت العاصمة المزعومة إلى ثكنة عسكرية ومنعت 40% من سكانها العرب من التحرك في الأماكن التي تمر فيها المسيرة.
ومسيرة الأعلام بالمناسبة شكلت مناسبة حقيقية ليعرف العالم أجمع، بما في ذلك قطاعات واسعة من الإسرائيليين، أن لسان حال القائمين على المسيرة من  إيتمار بن غفير مروراً بوزراء آخرين وأعضاء كنيست وانتهاءً بشبان متحمسين هو الدعوة للعنصرية والتطرف بأبشع صورهما. وهذا ظهر في الشعارات التي تقول «الموت للعرب» والاستفزازات والاعتداءات على المواطنين الفلسطينيين في المدينة. نعم هذه الصورة تفضح إسرائيل العنصرية المعادية للسلام والمنطق وكل شيء سوى في هذا العالم. وهي صورة تعكس الضعف والخوف، ولا تظهر أي نوع من الثقة بالنفس واليقين حتى بشعارات القدس الموحدة.
السياسيون الإسرائيليون يعلمون أن القدس هي من أكثر القضايا حساسية لدى الفلسطينيين ولدى العالم العربي والإسلامي، ومع ذلك يلعبون بالنار، ويضغطون على الفلسطينيين بصورة مكثفة لدفعهم للانفجار. فما اجتماعات الحكومة وخططتها التهويدية واستهداف الحرم القدسي والاعتداء على المقدسيين وترحيلهم ومحاولة إخلاء المدينة من سكانها الأصليين واستبدالهم بدخلاء محتلين لا علاقة لهم بها لا من قريب أو بعيد، سيقود دون شك للمواجهة الشاملة التي عرفها الإسرائيليون في الماضي والحاضر القريب.
والشعب الفلسطيني لا يمكنه أن يسلم بهذا العدوان الذي بدأ العالم يضج منه. حتى الولايات المتحدة حامي إسرائيل الأكبر ومانحها الحصانة الدولية في وجه الضغط الدولي والعقوبات والشريك في دعم الاحتلال أدانت هي وفرنسا وألمانيا أعمالَ العنف والكراهية التي قام بها المستوطنون في القدس ضد الفلسطينيين والصحافيين. وبدون شك يمثل تقرير رؤساء بعثات الاتحاد الأوروبي في القدس ورام الله، وتوصياتهم بإعادة فتح المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية كـ»بيت الشرق» والغرفة التجارية، شعوراً أوروبياً بالخطر القادم من السياسة الإسرائيلية. ولكن هذا غير كاف وهناك حاجة لتطوير الموقف الأوروبي وقبل ذلك شدشدة الموقف السياسي الفلسطيني المائع الذي لا يتناسب مع حجم ما تتعرض له القدس والأراضي الفلسطينية من عدوان استيطاني عنصري دموي.