هارتس : عن الاستيطان الصهيوني وقرار التقسيم

شلومو زند.png
حجم الخط

بقلم: شلومو زاند

 

 



"كتب الناس على أبواب بيوتهم: دخول الغرباء ممنوع / هم أنفسهم غرباء" (يهودا عميحاي، "القيامة الثالثة"، من "القيامات الأربع").
في رد المؤرخ البروفيسور الكسندر يعقوبسون على مقال نشرته بعنوان "نكبة ثانية أو حل ثنائي القومية" ("هآرتس"، 4/5)، حرص يعقوبسون على تذكير القراء، في سياق مجرم جداً وحقير ولا ساميّ، بـ "تقرير شلومو زاند "اختراع الشعب اليهودي" ("هآرتس"، 16/5).
نعم، أعترف بأنني ما زلت أفكر بأن الشعب اليهودي، مثل الكثير من الشعوب الأخرى التي تشكلت في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، كان يمكنه أيضاً أن يخترع لنفسه بأثر رجعي ماضياً خالداً تقريباً. لذلك فإن يعقوبسون، الذي يعتقد أنه كان له ولعائلته التي جاءت إلى هنا من الاتحاد السوفييتي، حق طبيعي في العودة إلى "وطنهم" في العام 1972، بعد آلاف السنين في الشتات، رغم أن الوطن القديم للشعب المختار في تلك السنة كان في ذروة قوته الجغرافية (شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة كانت لا تزال تحت سيطرتنا).
ربما سأفاجئ يعقوبسون إذا أضفت، خلافاً له، بأنني لا أعتقد أنه كان يوجد شعب يهودي، أو أنه يوجد الآن – أنا أيضاً لا أعتقد أنه كان يوجد شعب فلسطيني قبل العام 1948، ما لا يعني أن الشعبين، الإسرائيلي والفلسطيني، غير موجودين الآن وأن لهما حقوقاً قومية يجب الاعتراف بها.
الآن أريد توضيح موقفي من قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في 1947، حيث يبدو أن يعقوبسون، لسوء الحظ، لم يفهمه بشكل عميق.
عرفت دائماً أن النزاع بين الحركة الصهيونية والسكان العرب الأصليين لم يبدأ في تلك السنة، وبالتأكيد ليس في العام 1967.
بدأت معارضة السكان المحليين للاستيطان الصهيوني في فلسطين مع بدايته في نهاية القرن التاسع عشر.
أثناء زيارته البلاد في العام 1891 كتب أحاد هعام في مقالته الرائدة بعنوان "الحقيقة من أرض إسرائيل"، "تعودنا في الخارج على التصديق بأن إسرائيل كلها الآن تقريباً قفراء، صحراء قاحلة، وكل من يريد شراء الأراضي فيها يمكنه المجيء والشراء كما يشتهي. ولكن في الحقيقة الأمر ليس هكذا.
في كل البلاد يصعب العثور على أراضٍ للزراعة غير مفلوحة... إذا جاء وقت ستتطور فيه حياة أبناء شعبنا في أرض إسرائيل جداً إلى أن يتم إقصاء شعب البلاد بقدر معين، فعندها لن يكون من السهل أن يحل هذا محله".
وأضاف أيضاً: "يجب علينا الحذر كي لا نثير علينا غضب شعب البلاد عن طريق أعمال مشينة. إذاً، إلى أي درجة يجب علينا الحذر في التعامل مع شعب غريب جئنا لنعيش داخله من جديد، والتعامل معه بحب واحترام، ولا توجد أي حاجة للقول بصدق وعدالة؟ وما الذي يفعله إخوتنا في أرض إسرائيل؟، عكس ذلك بالضبط! لقد كانوا عبيداً في الشتات، وفجأة وجدوا أنفسهم في حرية دون قيود، حرية منفلتة العقال، يمكن إيجادها فقط في دولة مثل تركيا. ولّد هذا التغير المفاجئ لديهم الميل للاستبداد، ما يحدث دائماً للعبد عندما يصبح سيداً".
بسبب أن أحاد هعام لم يكن يعرف حتى ذلك الوقت مفهوم "طلائعيين" فإنه يسمي اليهود الذين جاؤوا إلى هنا "الكولونياليين"، ومثله أيضاً يفعل فلاديمير جابوتنسكي، المنظر الكبير الثاني للصهيونية. في "الحائط الحديدي"، مقاله اللامع من العام 1923، لم يتردد في أن يكتب "من غير الممكن على الإطلاق الحصول على موافقة طوعية للعرب على تحويل أرض إسرائيل من أرض عربية إلى أرض مع أكثرية يهودية.
كل قارئ توجد لديه فكرة عامة عن تاريخ الكولونيالية في بلاد أخرى. اقترح عليه أن يتذكر جميع الأمثلة المعروفة؛ وبعد فحص كل القائمة فليتفضل ويحاول العثور على الأقل على مثال واحد حدث فيه الاستعمار بموافقة السكان الأصليين للمكان. لا يوجد مثل هذا المثال. السكان الأصليون في المكان، سواء المتحضرون أو غير المتحضرين، دائما حاربوا بتصميم ضد المستعمر، المتحضر وغير المتحضر".
لأنني عرفت هذه المقالات وغيرها عن الاستيطان الصهيوني قبل العام 1947، لم أعتقد أن المؤسسات العربية المحلية يمكنها في أي يوم الموافقة طواعية على قرار التقسيم.
دائماً عرفت أنهم رفضوه على الفور وبشكل قطعي، ليس فقط بسبب شروط التقسيم (شاهدنا في حينه رد المؤسسات الإسرائيلية على قدوم "بني إسرائيل، العرب السود"، رغم أنهم لم يشكلوا أي تهديد ديمغرافي). ولكن خلال فترة طويلة وافقت على مبدأ التقسيم.
من خلال الافتراض بأن ما تم فعله لا يمكن إعادته – العالم العربي كان يجب عليه أن يعترف في 1947 بالحق القومي للشعب العبري (هكذا سموا الاستيطان في حينه) الذي تشكل، بسبب اللاسامية، في هذه الزاوية من الشرق الأوسط.
ولكن الشيطان، كما هو معروف، يوجد في التفاصيل. حيث لم يكن الاعتراف بحق الواحد من شأنه أن يحرم ويسحق تماماً الحقوق الأساسية للآخر، مواليد البلاد.
وإبقاء 50 ألف عربي تقريباً في دولة فيها 600 ألف يهودي، والتي تسمى يهودية، كما أرادت خطة التقسيم، يبدو لي الآن أنه يعكس تقسيماً عبثياً وغير محتمل. لذلك، المعارضة الساحقة للممثلين المحليين للتقسيم ظهرت لي بأثر رجعي معقولة أكثر فأكثر.
يجد يعقوبسون صعوبة في فهم ذلك، وكما يرفض الاعتراف بحقيقة أنه تقريباً لا يمكن الآن تقسيم البلاد إلى دولتين منفصلتين (خلافاً له فهم أحاد هعام وجابوتنسكي جداً أن الشعبين المتشكلين قد حكم عليهما العيش معاً في المستقبل وعلى قطعة الأرض ذاتها). ولكن حتى لو كنت متشككاً بقدرة الطرفين على التوصل قريباً إلى فهم ومصالحة ثنائية القومية فأعرف أننا نعيش بالفعل في واقع ثنائي القومية، واقع يشبه الآن أكثر فأكثر وضع الأبرتهايد.
إزاء التعصب الديني القومي الجديد، الذي قوته في أوساط المجموعتين السكانيتين آخذة في النمو، أفترض أنه عندما سنمر بالمزيد من الكوارث قبل أن يبدأ الاعتراف، في النضوج وببطء، بأنه لا يوجد للشعبين أي خيار، إما الحرب المستمرة وسفك أبدي للدماء أو جهود للبدء وإقامة جسور سياسية وثقافية تكون نقطة انطلاقها المساواة السياسية – المدنية.
جميعنا نعرف، حتى الأكثر تشاؤماً بيننا، أن رحلة الألف كيلومتر تبدأ في نهاية المطاف بخطوة واحدة صغيرة.

عن "هآرتس"