هارتس : إسرائيل تدقّ طبول الحرب للحفاظ على الردع: فزع إقليمي

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

 

 



بعد استراحة قصيرة، عادت إسرائيل و"حزب الله" إلى تبادل التهديدات العلنية. في الخلفية تقف العملية التي بادر إليها "حزب الله" قرب مفترق مجدو في آذار الماضي، إلى جانب الشعور في إسرائيل بأن "حزب الله" أصبح لا يخشى من مواجهة عسكرية محدودة مثلما كان في السابق. انطلق التهديد الأول من لبنان نحو إسرائيل، الأحد الماضي. في خطوة استثنائية في السنوات الأخيرة استدعى "حزب الله" مراسلي وسائل إعلام أجنبية لحضور مناورة عسكرية قام بها مقاتلوه في جنوب لبنان. وكان في قائمة ما سيشاهدونه: محاكاة لاقتحام الحدود واحتلال بلدة إسرائيلية مع اختطاف جنود.
يستعد "حزب الله" منذ فترة طويلة لاحتمالية تنفيذ هجوم محدود يبادر إليه على الحدود في حالة اندلاع الحرب مع إسرائيل. يتحدث رئيس "حزب الله"، حسن نصر الله، منذ عشر سنوات تقريبا عن "احتلال الجليل". في بداية السنة الماضية، نشر "حزب الله" عددا كبيرا من وحدات القوة الخاصة به "الرضوان" قرب الحدود مع إسرائيل. في الوقت ذاته، أقيمت عشرات المواقع ومواقع مراقبة جديدة على الحدود، على الأغلب بتمويه غير مقنع كمواقع لحماية الطبيعة (منظمة "اخضر بدون حدود"). عمليا، إسرائيل على قناعة بأن الأمر يتعلق بجمعية جبهوية يستخدمها "حزب الله"، ولكنها تلاحظ وجود مقاتلي "الرضوان" في هذه المواقع. على الأغلب يقوم هؤلاء النشطاء باستفزاز جنود الجيش الإسرائيلي على طول الجدار، وأحيانا يرافقون دوريات قوات الأمم المتحدة "اليونفيل".
المراسلون الأجانب، الذين حضروا المناورة، تولد لديهم الانطباع بأن "حزب الله" يحاول إرسال رسالة مركبة للاعبين الآخرين في الساحة: الحفاظ على مستوى من الردع تجاه إسرائيل، وتهدئة الراعية ايران من خلال القول لها إنه عند الحاجة سيتجند لمساعدتها وترسيخ صورته في أوساط الشعب اللبناني على اعتبار أنه المدافع الحقيقي الوحيد عن الدولة من عدوان محتمل من قبل إسرائيل.
جاء الرد على التهديدات من الشمال في اليوم التالي في مؤتمر عقد في جامعة رايخمان. قال رئيس الاستخبارات العسكرية في الجيش، الجنرال أهارون حليوه، في المؤتمر، "هناك أماكن يمكن للعدو أن يسيء فهمنا فيها، وأن يتحدى جزءا من نظريتنا الأمنية. ونشاطات مثل نشاطات نصر الله والأسد هي كذلك. يجب عليهم عدم إساءة فهمنا. استخدام القوة من لبنان أو من سورية ضد إسرائيل يمكن أن يؤدي إلى التصعيد والى التصادم على نطاق واسع بين إسرائيل و"حزب الله" ولبنان. لدى نصر الله منذ خطأ 2006 بداية للفهم أنه يمكن مط المعادلة أمام إسرائيل. قصة "المخرب" في مجدو ليست قصة محددة، وحسن نصر الله قريب من ارتكاب خطأ يمكن أن يجرنا إلى معركة كبيرة".
وقال رئيس الأركان، هرتسي هليفي، في المؤتمر بأن "(حزب الله) يخاف جدا من حرب مع إسرائيل. وهو يعتقد بأنه يعرف كيف نفكر. هذا التفكير يجعله يتجرأ ويتحدانا على ثقة بأن هذا لن يؤدي إلى حرب".
ما أراد حليوه فعله هنا، بصورة مخالفة للفترة الأخيرة، هو إحباط وقائي ومسبق وعلني: إعطاء إشارات لحسن نصر الله بأن إسرائيل تعرف الخطوات العسكرية التي ربما يفكرون فيها في الحزب، وأنها سترد عليها بشدة إذا تحققت. في السابق قبل الانسحاب من جنوب لبنان في أيار 2000 (أمس الذكرى الـ 23 للانسحاب)، وفي السنوات التي تلتها اعتاد الجيش الإسرائيلي على الإعلان عن حالة تأهب قصوى على طول الحدود والإبلاغ عن ذلك لوسائل الإعلام في الحالات التي عرفت فيها مسبقا نوايا "حزب الله". هذا الأمر على الأغلب كان كافيا كي يلغي "حزب الله" خططه.
في هذه المرة، لم يتم نشر تحذير ملموس. ولكن إدخال "المخرب" عبر الحدود حتى مجدو وتفجير عبوة كبيرة أصابت مواطنا إسرائيليا، وبعد ثلاثة أسابيع يتم إطلاق كثيف للصواريخ من جنوب لبنان (الذي تنسبه الاستخبارات العسكرية لـ"حماس")، كل ذلك يدل على أن هناك شيئا معينا تغير على طول الحدود. يبدو أن نصر الله بعد سنوات على السلوك الحذر يعتقد أنه يستطيع مط حدود المعركة وأن يفحص ردود فعل إسرائيل. يحدث هذا، مثلما قال هو نفسه في عدة مناسبات، أيضا على خلفية الأزمة الداخلية في إسرائيل حول الانقلاب النظامي الذي يفسره حسن نصر الله كعلامة ضعف التي تؤثر على هامش المناورة لحكومة نتنياهو.
خلال ذلك، نشرت وكالة الأنباء "إي.بي"، أول من أمس، تحليلا لصور أقمار صناعية تشير إلى وقائع استثنائية تنفذها ايران في أعماق الجبل في المنشأة النووية في نتناز. يُفسر هذا دليلاً على أن ايران تريد تحصين المنشآت الرئيسة للمشروع النووي والدفاع عنها بشكل افضل كلما اقتربت من الخط الأحمر الأخير وهو إنتاج اليورانيوم المخصب بمستوى عال وبكمية كافية لإنتاج قنبلة نووية واحدة. وحسب المخابرات الأميركية فإنه في حالة اتخاذ القرار فإنهم سيحتاجون إلى 12 يوما من اجل جمع الكمية المطلوبة. هناك تقديرات مختلفة حول الجدول الزمني المطلوب لتركيب القنبلة على رأس حربي متفجر لصاروخ باليستي، أي تحويلها إلى سلاح. يمكن أن تمتد العملية الاستكمالية سنتين كما يبدو.
نشرت وكالة "إي.بي" بأن الحفريات في عمق الجبل في نتناز ستبلغ 80 – 100 متر تحت الأرض، وهو العمق الذي سيحافظ على أجهزة الطرد المركزي حتى من القنابل الاختراقية الأعمق التي توجد لدى سلاح الجو الأميركي (ولا نريد التحدث عن سلاح الجو الإسرائيلي). الحفريات في نتناز جزء من عملية إيرانية واسعة من اجل تحصين المنشآت الحساسة. في حزيران 2020 نشر عن انفجار في نتناز أدى إلى أضرار شديدة للمشروع. التقدير السائد في وسائل الإعلام الأجنبية هو أن الأمر يتعلق بعملية تخريب إسرائيلية بعد أن تم وضع عبوة في كومة داخل المنشأة.
وقال رئيس الاستخبارات العسكرية في مؤتمر هرتسليا، أول من أمس، إن "ايران توجد في نقطة زمنية في برنامجها النووي، سواء في مجال التخصيب أو في مجال السلاح، ومن هذه النقطة تحرز التقدم. حسب تقديرها لم يتم اتخاذ أي قرار بعد في ايران للإسراع نحو السلاح النووي، سواء في التخصيب أو في الحصول على السلاح. ولكنّ هناك استعداداً لدى الزعيم الإيراني أو من سيحل محله لاتخاذ قرار حول السلاح.
في اليوم التالي، قال رئيس الأركان في المؤتمر، إن "ايران تقدمت في تخصيب اليورانيوم اكثر من أي وقت مضى. نفحص عن قرب أيضا المجالات الأخرى في طريق الوصول إلى القدرة النووية. بدون الدخول إلى التفاصيل هناك تطورات سلبية محتملة في الأفق يمكن أن تؤدي إلى عملية. توجد لنا قدرات والآخرون توجد لهم قدرات".
أثارت التصريحات الهجومية الإسرائيلية الاهتمام في وسائل الإعلام الأجنبية، وأدت إلى ارتفاع حاد في سعر الدولار في إسرائيل. ولكن في الجيش الإسرائيلي يقومون بالتهدئة ويقولون إن الأمر يتعلق بتشخيص بعيد المدى وأنه لا تهب عندنا رياح حرب جديدة في المنطقة.
تقدم ايران وتهديدات "حزب الله"، بدرجة معينة، يقفان في بؤرة الانشغال الأمني في إسرائيل والعلاقة الوثيقة مع الإدارة الأميركية. ورغم التأخير البارز الذي يقوم به البيت الأبيض في مسألة دعوة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، لزيارة رسمية في البيت الأبيض على خلفية خطوات الانقلاب النظامي فإن المحادثات السياسية والأمنية تستمر كالعادة. حسب مصادر سياسية في إسرائيل وفي الولايات المتحدة فإن نتنياهو أيضا منشغل جدا في الجهود كي يحرك من جديد محادثات التطبيع مع السعودية بوساطة أميركية. مؤخرا، حدثت انعطافة في موقف الإدارة الأميركية، التي عادت وزادت الانشغال في الوساطة بين إسرائيل والسعودية. وكما نشر في "هآرتس" في كانون الأول الماضي فإن السعودية عرضت على الأميركيين قائمة طلبات، لا تتعلق في أساسها حقا بإسرائيل.
قبل نحو ثلاث سنوات، عندما قادت إدارة ترامب إلى التوقيع على اتفاقات إبراهيم بين إسرائيل والإمارات، ثارت عاصفة عامة في البلاد عندما تبين أن نتنياهو أخفى حقيقة أنه ألغى معارضته لبيع طائرات "اف 35" الأميركية لدولة الإمارات. ولكن حتى الآن هذه الطائرات لم يتم تزويد الإمارات بها، وتبين أن التأخير لا يتعلق بإسرائيل بل بسبب غضب الولايات المتحدة من الإمارات. في واشنطن يشكون بأن إسرائيل تشغل قاعدة استخبارات سرية في الإمارات دون موافقة الولايات المتحدة، لذلك فقد قرروا تأخير الدفع قدما بتنفيذ صفقة الطائرات.

عن "هآرتس"