معاريف : إسرائيل تفقد مكانتها الإقليمية

حجم الخط

بقلم: إسرائيل زيف

 

 




بينما فرح وزراء الحكومة ورقصوا في القدس لسيادتها منذ 56 سنة، بهدف قمع ما تبقى من الكيان الفلسطيني المتفكك على أي حال، تفقد إسرائيل مكانتها الإقليمية، وتسير القدس إلى شرك استراتيجي ينسج من حولها. صحيح أن الجيش الإسرائيلي ضرب "الجهاد" بشدة، ومنح لحظة من النشوى العسكرية، حين فشل الإيرانيون في أن يحققوا "وحدة الساحات"، حين بقيت "حماس" خارج القتال في القطاع. حسنت إسرائيل ردعها العسكري، وكسبت وقتا حتى الجولة التالية، لكن استراتيجية اللاشيء لم تتغير حقا.
الواقع هو أن طهران تقرأ جيدا الخريطة الدولية، وتفهم أن الأولوية الأميركية ليست للمنطقة. فهي تشخص الصدع بين البيت الأبيض والحكومة الحالية، وتفهم بأن هذه هي نقطة الضعف الإسرائيلية الكبرى، وهذه هي فرصتها لتحول الميزان الإقليمي لصالحها، للمبادرة إلى خطوات سياسية ذات مغزى تحشر إسرائيل في الزاوية.
صعد شعاع إيران جدا على خلفية وقوفها من خلف روسيا في حربها في أوكرانيا، بما في ذلك المساعدة التي قدمتها في الالتفاف على العقوبات.
جاء الاستفزاز الإيراني دون أي ردع ودون أن تدفع عليه أي ثمن ليجعلها بطل الحارة، وشجع السعوديين الغاضبين من الأميركيين على الارتباط بها بخلق جدول أعمال إقليمي جديد بقيادتهما. اتفاق العلاقات المتبادلة، الذي وقعتاه بوساطة صينية، بمثابة استفزاز فظ آخر لواشنطن تركها خارج الصورة تماما.
أما إسرائيل، التي فقدت سحرها في نظر الأميركيين، ونتيجة لذلك ضعف نفوذها في المنطقة فتسمح للسعوديين والإيرانيين أن يصمموا البيت العربي من جديد فيما يبقى العنصر الإسرائيلي خارج الباب، الذي في هذه المعطيات من المشكوك في إذا كان سيفتح مرة أخرى. فالسعودية تندفع بكل قوتها إلى ترسيخ مكانتها كزعيمة إقليمية ولقاء الجامعة العربية كان عرض بدء مبهرا لها مع زيلينسكي كـ"فنان ضيف". بعد دحر إسرائيل، فإن ترميم سورية هو هدف ممتاز لها. تحت رعايتها عاد الابن الضال الأسد مرة أخرى إلى حضن الجامعة العربية، وهدف اللقاء كان أن تعاد للجامعة العربية قامتها بعد سنوات طويلة. سيسمح الدعم المالي لانتخاب أردوغان لها بأن تطلب انسحابا تركيا وفرض السيادة السورية على كل أراضيها. وستحظى السعودية بالنقاط على إعادة تصميم سورية القديمة، في المكان الذي فشل فيه الأميركيون، الروس، بل الإيرانيون لتكييف سورية حسب أهدافهم.
وسرعان ما سيأتي أيضا الضغط على إسرائيل لشطب هجماتها في سورية لأجل السماح بإعادة بنائها. بالمقابل ستعطي السعودية ممرا لرحلات جوية إسرائيلية، بل ربما تعطي شيكا لإعادة بناء الدمار في قطاع غزة. وفي إطار التفاهمات الجديدة بين الرياض وطهران، فإنهما ستتقاسمان النفوذ في سورية الجديدة، ويبدو أن هذا أيضا ليس مجانا. في المقابل تتوقع السعودية أن تتوقف الهجمات عليها من اليمن.
لكن الضربة الاستراتيجية الكبرى في إسرائيل ستأتي بالذات من تطبيع العلاقات المقتربة بين القاهرة وطهران. فالمصريون يقرؤون الخريطة جيدا. وهم خائبو الأمل من فك الارتباط الأميركي عن المنطقة ومن القطيعة المتشكلة بين البيت الأبيض والقدس. إن دور بطانة الامتصاص للضربات المتكررة بين إسرائيل و"حماس" بدأ المصريون يملونه، وفي وضع غياب أميركي منظور للعيان، فإن مصلحة القاهرة في مواصلة الدفاع عن غزة ستخبو. فما لك ان مصالح جديدة مع الإيرانيين قد تحدث تغييرا في نهجهم؟
في زمن حرج جدا حولنا، إسرائيل منقطعة عن الواقع ومنشغلة بذاتها. ثمن رؤيا سموتريتش لمليون مستوطن في الضفة، ومسار العنصرية والاستفزاز لبن غفير، وتحطم التكافل الداخلي، والضعف العام الذي تبثه الحكومة التي لا يقلقها إلا بقاؤها، تمس بشدة بصورة إسرائيل وتضعف جدا مكانتها الدولية. بدون الارتباط الأميركي القوي، تفقد إسرائيل من قوتها ومن مكانتها.
في غضون أربعة اشهر، تحولت إسرائيل من مبادرة إقليمية للمحور المضاد لإيران إلى لاعب احتياط عديم التأثير. تواصل إيران التقدم إلى القنبلة وذاكرة نصر الله تضعف حيال أفكاره للمبادرة إلى الهجوم.
في الوضع الحالي، يشكل سلوك الحكومة خطرا ذا مغزى على مكانة وامن إسرائيل القومي. من المشكوك فيه أن يكون بوسع نتنياهو أن يغير الوضع ويتغلب على ألعاب القوة لشركائه، لكن المفتاح لتحويل الاتجاه يمكن بالذات أن يكون في غزة، حيث لتركيبة الحكومة الحالية إشكالية سياسية اقل، فقد أثبتت "حماس" لجما وتحكما، والمصريون سيفضلون أن تطبق هناك سياسة تسهيل وإعطاء تسويات اقتصادية، كما أن تسوية وقف نار بعيدة المدى ستشكل كبحا للنفوذ الإيراني في القطاع.
كل مبادرة ستكون افضل من سياسة سلبية أو جمود يمكنها أن تؤدي بإسرائيل إلى عزلة إقليمية وشلل سياسي واسع.

عن "معاريف"