فازت الكتلة الإسلامية، الذراع الطلابي لحركة حماس، بانتخابات جامعة بيرزيت، أمس للعام الدراسي 2023-2024، بعد حصولها على 25 مقعدًا، مقابل 20 مقعدًا لحركة الشبيبة الطلابية الذراع الطلابي لحركة فتح، وستة مقاعد للقطب الطلابي الذراع الطلابي للجبهة الشعبية.
أثر السلوك السياسي الرسمي
ربما لم يكن فوز الكتلة مفاجئاً للوسط السياسي والاجتماعي والشعبي الفلسطيني الذي تابع باهتمام المناظرة الطلابية، التي ارتكزت على تسليط الضوء على التصريحات الإعلامية للرئيس الفلسطيني محمود عباس، من جانب الكتلة الإسلامية. وتلخيص فتح التي توصف بأم الجماهير حيث تضم العلماني والإسلامي واليساري، وكثيراً ما يُشار إلى حالة الديمقراطية الواسعة بها بـ"غابة البنادق". فقط بـ"شخص الرئيس عباس"، الذي يستجدي السلام من المجتمع الدولي بكلمتة المشهورة "احمونا".
فيما رفعت الكتلة، شعار التمسك بخيار المقاومة وتناولت ما وصفته بـ"مظلومية" تتعرض لها من السلطة باعتقال طلابها وتعرضهم للمضايقات، بينما لم تستثمر حركة الشبيبة الإرث المقاوم لها تاريخياً منذ عام 1965 وحتى يومنا هذا، حيث تُعرف نفسها بأنّها "أول الرصاص" و"معركة الكرامة" وخليل الوزير والكمالين. وقادتها الذين يقبعون في السجون ومن أبرزهم مروان البرغوثي، وليس أخيراً بإحياء المقاومة في الضفة الغربية بعد حالة الشلل التي فرضتها اتفاقيات السلطة مع الاحتلال بعد الانتفاضة الثانية، من خلال ظاهرة "عرين الأسود" وشهدائها من فتح أمثال الشهيد إبراهيم النابلسي ووديع الحوح وغيرهم من الشهداء والجرحى والأسرى الذين تقدمهم على مدار الساعة.
اللافت هو أنَّ مجلس طلبة جامعة بيرزيت هو معقل حركة فتح وشبيبتها الفتحاوية التي كانت تحصد أعلى الأصوات على مدار سنوات طويلة، لكِن هذا التراجع يعود بحسب آراء محليين سياسيين إلى ترهل مؤسسات الحركة وارتباطها بالسلطة التي تُبرم اتفاقات مع الاحتلال "الإسرائيلي"، وهو بالتالي ما ينعكس سلباً على مكونات فتح.
هل أدى الخطاب السياسي الرسمي وأداء السلطة الفلسطينية لخسارة الشبيبة الفتحاوية انتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت؟!
بدوره، رأى الكاتب والمحلل السياسي، جهاد حرب، أنَّ "المناظرة الانتخابية التي جرت في بيرزيت، تم فيها استخدام بعض التصريحات سواء من الرئيس أو بعض المسؤولين الفلسطينيين من حركتي فتح وحماس، من أجل الحصول على أصوات معارضين للتصريحات من الأطراف المختلفة".
وأضاف حرب، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "هناك تأثير واضح لمدى أداء السلطة الفلسطينية في الضفة على عملية التصويت لصالح الكتلة الإسلامية، وبالتالي تأثر كتلة فتح الطلابية بالمزاج العام الذي في أغلبه للشباب المعارض للتوجهات السياسية للسلطة".
وبالحديث عن عدم استثمار الشبيبة لخطاب "المقاومة" كما تفعل الكتلة، للتأثير على الكتلة الانتخابية في بيرزيت، أوضح حرب، أنَّ المناظرة الانتخابية، تركزت على أمور سياسية وليس الجوانب النقابية والخدماتية، مُردفاً: "المطلوب أصلاً من الانتخابات، هو انتخاب مجلس طلبة ليس من أجل تحرير فلسطين أو إنتاج تشريعات لتحليل هوية المجتمع؛ إنّما من أجل تقديم خدمات للطلاب والدفاع عن حقوقهم في مواجهة إدارة الجامعة".
وتابع: "لكِن عملية التسييس الكبيرة، للمجتمع الفلسطيني وغياب الانتخابات العامة المنتظمة، أدى لزيادة وتيرة تأثير السياسة على الانتخابات النقابية بما فيها انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات، الأمر الذي أدى لاستخدام القوة الإعلامية والخطابية لأفراد وأشخاص للدفاع عن مواقف سياسية قد لا يكون جزء منها".
وأردف: "بالتالي كتلة الشهيد ياسر عرفات، لم تستفد من التحولات التي جرت في العامين الماضيين فيما يتعلق بالمقاومة التي بشكل رئيسي تقودها حركة فتح وأبنائها".
وعن المطوب لاستخلاص العبر من نتائج الانتخابات، قال حرب: "إنّه يجب التوقف عن تسييس الانتخابات النقابية، وأنّ تبقى في إطار الخدمات والحقوق النقابية أو الحقوق الطلابية لصناعة برامج انتخابية تتعلق بعملهم، لكِن الأهم هو استمرار العملية الانتخابية من أجل أنّ يكون لدينا قاعدة أساس لعملية التنافس المستقبلي وتأهل الشبان ليكونوا قادة في المستقبل؛ باعتبار الجامعات أحد الروافد الأساسية للقيادات المجتمعية".
وأكمل: "الانتخابات في الجامعات، تُوفر أساس للعمل المشترك في المجتمع، بغض النظر عن الانتماء السياسي أو الأيدلوجي".
وخلص حرب، إلى ضرورة أنّ تعمل الشبيبة على تصويب الجبهة الداخلية، من خلال الانتخابات الداخلية وفرز طلاب من نفس المستوى العمري، وتحسين أداء الخدمات التي تُقدمها الشبيبة خلال السنة الدراسية، واتباع مفهوم الحوار الداخلي والحفاظ على السلم داخل الجامعة، دون أنّ يكون هناك إشكاليات تؤدي لمشاكل بين الأفراد، وإبعاد المؤسسة الرسمية الفلسطينية عن الدخول للجامعة وإبقاء مساحة الحرية في الجامعة بين كل الأطياف، وهو ما يُحسن صورة الشبيبة ويُساعدها على تجاوز حجم المقاعد خلال السنتين الماضيتين".
خسارة الشبيبة.. غير مفاجئة
من جهته، رأى المحلل السياسي، عمر عساف، أنَّ نتائج انتخابات جامعة بيرزيت لم تكن مفاجئة؛ لأنَّ الرأي العام في الضفة الغربية، لا يذهب نحو خيار السلطة التي تقترب منها حركة الشبيبة للأسف، ولا تستطيع الفصل بينها وبين السلطة سواء في الممارسات اليومية من حيث القمع والموضوع السياسي ونظرتها للمقاومة.
واستدرك عساف، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "الكتلة حصلت على حوالي 50% من المقاعد، ما يعكس التعاطف الشعبي معها؛ نظراً لتعرضها للملاحقة، أو لأنّها محسوبة على خيار المقاومة وتأييد الناس لهذا الخيار، ويبقى الجانب الأهم هو استخلاص العبر من النتائج".
لماذا لا تنفصل الشبيبة عن السلطة؟
وحول كيفية استخلاص السلطة العبر من نتائج الانتخابات، أشار عساف، إلى أنَّه من الصعب استخلاص العبر لحزب السلطة؛ لأنّه حزب "شمولي" ومن الصعب أنّ تتراجع عن ممارستها، مُعتقداً أنَّ الصراع الداخلي داخل الشبيبة وحركة فتح، هو كيف تنأى بنفسها عن ممارسات السلطة وسلوكها، حتى لا يُصبح حزب السلطة عماده حركة فتح وأوساط المحسوبين والمنتفعين منها.
وأضاف: "كما أنَّ تقدم جبهة العمل التابعة للجبهة الشعبية بمقعد أيّ نحو 200 صوت، مؤشر على أنّ الخط الذي تسلكه يُكسبها تأييد شعبي؛ لكِن الشق الأهم هو أنّ تستخلص القوى الأخرى المحسوبة على اليسار العبر، وأنّ تكون مشاركة في كتلة واحدة، وربما تُشكل تياراً ثالثاً".
واستطرد: "الكتلة الإسلامية قادرة على استخلاص العبر؛ وذلك بإضافة ما جرى في بيرزيت إلى النجاح، والتمسك بتوجهها كخط سياسي يؤيد المقاومة، وتستخلص كيفية تجنب مواجهة تضييقات السلطة وهذا يكمن بقوتها ونزولها للشارع".
وقال: "إنّ البعض لا يُريد للشبيبة أنّ تستثمر العمل المقاوم لحركة فتح وكتائب الأقصى التي لها جيل من الشهداء والأسرى، فهناك جبال بين فتح الشهداء والمقاومة وفتح التنسيق الأمني"، وفق وصفه.
ولفت عساف، في ختام حديثه، إلى أنَّ "مشاركة شباب فتح في المقاومة، ينبغي أنّ تكون مرئية للناس، لكِن هناك من يُخرب كذلك، بخطاب الاستجداء، فالخطاب الأخير للرئيس كان بائساً، حيث لا يحق له الحديث عن الشعب بهذه الطريقة التي فيها إساءة للشعب الذي يعمق التنسيق الأمني واللهاث وراء أسراب الحلول مع الإسرائيليين؛ لكِن فريق السلطة ليس لديه النية لمغادرة هذا النهج"، وفق تعبيره.