معاريف : التصعيد في التصريحات ضد "حزب الله" وإيران: رسائل إلى الحكومة الإسرائيلية

حجم الخط

بقلم: تل ليف رام


 

 

بعد ذروة الاحتجاج الجماهيري على خلفية الإصلاح القضائي، الذي هزّ الجيش، مع التركيز على منظومة الاحتياط، والتوتر المتواصل في الضفة، والحملة الأخيرة في غزة، يسعون في جهاز الأمن للعودة والتركيز على التحديات المهمة: ايران، و"حزب الله"، وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، بعد أن تميزت هذه في الأشهر الأولى من ولاية الحكومة بتوترات كثيرة مع الإدارة الأميركية. إلى هذه التحديات الثلاثة يمكن أن تضاف أيضا محاولة استئناف الجهود للتطبيع مع السعودية، فيما من المبكر لأوانه في هذه المرحلة الحديث عن تطورات دراماتيكية. لكن مجرد الخطاب يشير إلى تحديد الاتجاه من جانب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، لمحاولة العودة لاستنفاد هذا الجهد مع الأميركيين، ما قد يفتح أمامه في الفترة القريبة القادمة أبواب البيت الأبيض التي كانت حتى الآن مغلقة في وجهه.
استغل مسؤولو جهاز الأمن المهلة المؤقتة (إذ لم تعد في إسرائيل لحظات هدوء) كي يبسطوا فكرهم في مؤتمر هرتسيليا الذي انعقد، هذا الأسبوع، في معهد السياسة والاستراتيجية في جامعة رايخمن.
كانت الرسائل التي رفعت حادة؛ حين اختار رئيس الأركان ورئيس شعبة الاستخبارات إطلاق عناوين رئيسة ذات مغزى. رسائلهما كانت موجهة ليس فقط إلى نظام آيات الله في ايران، ومنظمات "الإرهاب" في غزة وفي الضفة، أو أمين عام "حزب الله"، حسن نصر الله.
يخيل هذه المرة أن الجمهور المستهدف هو أيضا الجمهور الإسرائيلي، بل أكثر من هذا حكومة إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو، بهدف أن يعلم أصحاب القرار ما هي التحديات المهمة حقاً، وان يعودوا لينشغلوا بها بدلاً من مواضيع مثل الإصلاح القضائي التي بأقل تقدير لم تساهم في امن الدولة.
ثمة موضوع آخر لم يضف تماما نقاط استحقاق هو الجدالات الداخلية في الحكومة فيما يتعلق بالسلوك في الضفة. حزبا "قوة يهودية" و"الصهيونية الدينية" لم يوفرا انتقاد وزير الدفاع، يوآف غالانت، في هذا الموضوع، والموجه بشكل غير مباشر لرئيس الوزراء نتنياهو أيضا.
في كلمته في المؤتمر، قدم رئيس شعبة الاستخبارات، اللواء أهرون حليوة، إخطارا استراتيجيا بأن إمكانية المواجهة مع "حزب الله "هي سيناريو معقول في ضوء أحداث الأشهر الأخيرة. "لدى نصر الله منذ الخطأ في 2006 بداية فهم بأنه يمكن شد المعادلات مع إسرائيل. وقصة المخرب في مجدو ليست موضعية، ونصر الله قريب من خطأ يمكنه أن يدهورنا إلى معركة كبرى".
سجلت عملية مجدو في جهاز الأمن نقطة انعطافة مهمة، ليس في شدة نتائجها بل في استعداد "حزب الله" لأن يفحص رد إسرائيل، الذي وان لم يكن حطم الأواني، إذ ردت بشكل معتدل، لكن لو كان هذا الحديث انتهى بقتلى يحتمل أن تكون الأمور تطورت بشكل مختلف.
منطلق جهاز الأمن هو أن استمرار التهديدات من جانب نصر الله والرسائل التي انتقلت، هذا الأسبوع، من خلال المناورة الكبرى التي أجراها "حزب الله"، ترسم الخط لاستمرار محاولات العمليات في أراضي إسرائيل.
سعى رئيس "أمان" في كلمته ليحذر "حزب الله" ولبنان من آثار عملية كهذه. لم يكن واضحا من خطابه إذا كان يستند إلى معلومات استخبارية موضعية أو إلى تقدير عام وهكذا ساهم في انه كان هناك من فسر خطابه وكأن حرب تقف على الأبواب.
إمكانية تصعيد في الساحة الشمالية مع "حزب الله" معقولة ومحاولة عملية أخرى هي سيناريو معقول، لكن ما هو معروف تبعا للتحفظات بأنه لا يوجد أنبياء في الشرق الأوسط، فإن احتمال الحرب في الشمال ليس عاليا في هذه المرحلة.


"مجالات أخرى"
نجح رئيس الأركان، هرتسي هليفي، هو الآخر في أن يخلق عنوانا كبيرا جدا. كان هذا عندما تطرق إلى النووي في ايران إذ قال، "تقدمت ايران في السنوات الأخيرة في تخصيب اليورانيوم اكثر من أي وقت مضى. نفحص عن كثب المجالات الأخرى في الطريق إلى قدرة نووية. توجد تطورات سلبية محتملة في الأفق يمكنها أن تقود إلى العمل، ولنا توجد القدرة".
ليس صدفة أن صيغة هليفي كانت غامضة، إذ إن اختيار كلمتي "مجالات أخرى" ليس صدفة وفيها عمليا يكمن العنوان. فقد ألمح رئيس الأركان إلى أنه توجد مؤشرات قد ترتبط بحراك في ايران فيما يسمى في اللغة المهنية "مجموعة السلاح". بمعنى تنمية القدرة على بناء القنبلة النووية نفسها، وتركيبها على صاروخ بعيد المدى. يدور الحديث عن قدرة خاصة، قليل من دول العالم تحوزها.
لغرض الفهم، حتى لو كانت إيران ملكت، صباح غد، يورانيوم مخصبا إلى مستوى عسكري 90 في المئة فإن آخر التقديرات في شعبة الاستخبارات هي أن الإيرانيين لا يزال يحتاجون إلى سنتين كي يصلوا إلى سلاح نووي فاعل.
التقدير السائد في السنوات الأخيرة هو أن ايران انطلاقا من فهم المعاني التي يمكنها أن تنشأ عن ذلك، لم تعنَ بمجموعة السلاح منذ 2003.
يبدو أن رئيس الأركان ألمح في كلامه إلى مؤشرات إلى تقدم إيراني في هذا المجال حين قال، "توجد تطورات سلبية محتملة في الميدان يمكنها أن تؤدي إلى عمل". الصيغة حذرة جدا، وكما اسلفنا حسب ما هو معروف فإن مؤشرات العمل في مجال مجموعة السلاح في ايران لا تزال غير واضحة، لكن من ناحية إسرائيل فإن الانشغال في تطوير القنبلة نفسها وليس فقط في تخصيب اليورانيوم هو نوع من الخط الأحمر.
من المعقول الافتراض بأن تلميحات رئيس الأركان للانشغال بمجموعة السلاح تناولت في هذه المرحلة مؤشرات أولية وضعيفة، لكن تجدر الإشارة إلى أنه حتى وقت قريب كانت تقديرات الاستخبارات في إسرائيل وفي الغرب بأن ايران تحذر في العمل في هذا المجال الذي من الصعب إخفاؤه على مدى الزمن. فالانشغال بمجموعة السلاح يشكل دليلا قاطعا على أن ايران تسعى إلى قنبلة نووية، بخلاف ادعاءاتها الرسمية بأنها لا تسعى للوصول إلى مثل هذا السلاح.
ونذكر انه توجد لإيران منصات السلاح المناسبة لحمل رأس متفجر نووي، والاختراق التكنولوجي في كل ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم سبق أن حققته. الآن من ناحيتها فإنها ليست سوى مسألة قرار وليس مسألة قدرة.
هذا الأسبوع، نشرت في وكالة أنباء "أيه. بي" الدولية صور قمر اصطناعي مقلقة لأعمال هندسية في الموقع النووي في نتناز، تجرى في منطقة الجبل، وحسب التقديرات تستهدف تثبيت أجزاء أخرى من المشروع النووي الإيراني في الأرض، ما سيجعل من الصعب حتى على الأميركيين العمل ضده. هذا النبأ هو الآخر لا يضيف رضا في إسرائيل حول البرنامج النووي في ايران، حين لا يكون في الأفق أي تقدم نحو الاتفاق، وتستخدم ايران هذا لصالحها.
ولا يزال، حتى لو فسرت أقوال هليفي بشكل مختلف، ليس لإسرائيل حتى الآن مخططات للهجوم في ايران، صباح غد، فرئيس الأركان نفسه أيضا تحدث عن جاهزية مستقبلية وليس عن جاهزية فورية.
في السطر الأخير ارتفع جهاز الأمن، هذا الأسبوع، درجة تصريحية في الحملة العلنية الجارية ضد ايران و"حزب الله". في الأقوال التي قيلت يوجد ما يشهد على التوتر الأمني الذي سيبقى يرافقنا في الفترة القادمة والذي تلقى الآن دفعة أخرى على خلفية الأقوال الأخيرة.
حتى لو لم تكن هذه هي النية الواعية والمنسقة بين وزير الدفاع، الذي تحدث هو الآخر في أمور مهمة في مؤتمر هرتسيليا وبين رئيس الأركان ورئيس "أمان" يبدو أنه كحجم العناوين الرئيسة التي وفروها، هكذا هي أيضا تعقيدات الوضع الأمني. فضلا عن الرسائل تجاه أعداء إسرائيل تكمن على ما يبدو رسالة أخرى لأصحاب القرار عندنا: هذه المسائل يجب أن تقف على رأس جدول الأولويات.

عن "معاريف"