في الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة التي سبق احياؤها قبل أيام في الخامس عشر من أيار الماضي، وعشية الذكرى السادسة والخمسين لنكسة عام 1967 واحتلال ما تبقى من فلسطين في الخامس من حزيران عام 1967 والتي تحل ذكراها الشهر القادم، ما زال شعبنا يواجه حربا شعواء مستمرة منذ عام 1948، بأشكال مختلفة ولكن بهدف واحد هو طمس هويته الوطنية والسياسية والتفافيه وبعثرة وجوده واقتلاعه وطرده من أرض وطنه.
يتعرض شعبنا الى هجمة شرسة من المستوطنين التي كانت الأساس لإقامة إسرائيل على أرضه، وما زالت تتمثل في استمرار التوسع الاستيطاني وتنغيص حياة الفلسطينيين، ومحاولة بث الخوف والرعب في نفوسهم من خلال الاعتداءات الممنهجة ضدهم كما حدث في حوارة وفي برقة مؤخرا، وفي استمرار إحراق سياراتهم أو قذفها بالحجارة وإقامة العوائق والحواجز الاستيطانية على الطرق وأعمال الزعرنة ، والاعتداء على الممتلكات وتجريف الأراضي وسرقة المحاصيل الزراعية عنوة أو تحت جنح الظلام واقتلاع الأشجار المثمرة أو احراقها، أمام أعين جيش الاحتلال الذي يوفر لهم الأمن والحماية.
عنف وزعرنة المستوطنين
وعلى سبيل المثال وليس الحصر، فقد قام المستوطنون مؤخرا ً بإحراق خمس مركبات و270 بالة قش في قرية المغير شمال شرق رام الله والمحاصرة والمغلقة طرق الدخول أو الخروج منها منذ 14 يوما ً، كما قاموا بالاعتداء على المزارعين من بلدة سنجل على الطريق بين رام الله ونابلس ومنعوهم من العمل في أراضيهم الزراعية، كما قاموا بإطلاق النار على السيارات المسافرة بين بلدة قصره وقرية جالود بمنطقة نابلس.
ناهيك عن الاعتداءات اليومية ضد المواطنين في شمال ووسط الضفة والأغوار وقرى جبل الخليل وخاصة في مسافر يطا حيث تسعى سلطات الاحتلال الى طرد حوالي 1100 مواطن فلسطيني ومواشيهم من أراضيهم وبيوتهم، وقد أدت الهجمات اليومية للمستوطنين ضد القرى والتجمعات السكانية الفلسطينية الى اضطرار 78 عائلة بدوية في عين سامية الى الرحيل عنها هروبا ً من هجمات المستوطنين التي كانت تداهمهم بشكل شبه يومي ويجري الآن الاعداد لهدم المدرسة التي قدمها الاتحاد الأوروبي لأطفالهم استكمالا ً للهجمة الشرسة التي يشنها الاحتلال ضد المدارس الفلسطينية حيث تم هدم مدرسة جب الذيب بمنطقة الخليل ويجري الاعداد لهدم مدرسة خشم الدم بمنطقة الخليل أيضا إضافة الى 57 مدرسة أخرى مهددة بالهدم في مناطق مختلفة من الأراضي المحتلة.
والهدف الإرهابي من هذه الاعتداءات هو الاستيلاء على المزيد من الأراضي وتخصيصها للاستيطان، وإغلاق المراعي أمام المزارعين الفلسطينيين الذين يعتاشون على تربية المواشي كما هو الحال في مسافر يطا وتخصيص هذه المراعي للاستيطان الرعوي الذي يُحظى بالدعم الحكومي، وتهجير التجمعات البدوية كما هو الحال بالنسبة لقرية الخان الأحمر التي تضم أكثر من 48 عائلة بدوية مهددة بالترحيل في أي لحظة. كما أن من المتوقع اليوم أن تصدر هذه الحكومة قرارات بالاستيلاء على ما يزيد عن نصف مليون دونم من الأراضي في الضفة كان قد تم تصنيفها في الماضي كمحميات ومناطق حفظ طبيعة، وسيتم تخصيصها للاستيطان.
نحن أمام حكومة عنصرية متطرفة تدعم استخدام القوة ضد الفلسطينيين لترحيلهم والاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم وتخصص لذلك الهدف مئات الملايين من الشواكل لتوسيع المستوطنات القائمة وشرعنة وتوسيع البؤر الاستيطانية الموجودة، واصدار القوانين العنصرية للاستيلاء على الأراضي الخاصة المملوكة للفلسطينيين ووضعها في خدمة الاستيطان والمستوطنين، وتعمل على إضافة نصف مليون مستوطن جديد في الضفة الغربية إلى السبعمائة الف ونيف مستوطن الموجودون حاليا ً في الضفة الغربية بما في ذلك القدس.
ولا شك بأن وجود هذه الحكومة المتطرفة يشكل وازعا ً ومشجعا ً للمستوطنين لممارسة العنف الاجرامي ضد الفلسطينيين العزل من السلاح لإرهابهم وجعل حياتهم جحيما ً لا يُطاق على أمل أن يؤدي ذلك الى إرغامهم على ترك أراضيهم وبيوتهم والرحيل عنها استمرارا ً لنكبة 1948.
خياراتنا لمواجهة العنف والزعرنة
ونحن أمام هذه الهجمة الإرهابية الشرسة أمامنا خيارات ثلاث. الأول هو الرضوخ والاستسلام والرحيل الى المنافي. والثاني هو أن نستجمع قوانا ونحشد كل طاقاتنا للدفاع عن أنفسنا أمام هذا الجنون العنصري ونظل نعيش في حالة من الخوف والترقب خشية من المستوطنين، والخيار الثالث هو عدم الوقوف عند حد الدفاع عن النفس وإنما أخذ زمام المبادرة ونقل حالة الخوف والترقب الى ملعب الطرف الآخر.
ومن المؤكد أن شعبنا الذي قدم مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى على مدى أكثر من قرن من الزمن ولم يستسلم، وظل صامدا ً وشوكة في حلق أعدائه، لن يكون خياره هو الخيار الأول. ويبقى أمامه الخيارين الثاني والثالث: فإما أن يعيش على سن الرمح والتحفز في ظل الخوف الدائم من هجمات المستوطنين في عقر داره أو عند التنقل على الطرق ويقف على أهبة الاستعداد للدفاع عن نفسه اذا ما هوجم، وإما أن يأخذ زمام المبادرة وينقل الخوف والرعب الى ملعبهم ليحيل وجودهم فوق أرضه الى حالة من الذعر والقلق والخوف الدائم.
لقد وقف الرئيس محمود عباس قبل أسابيع على منصة الجمعية العمومية للأمم المتحدة وخاطب ضمير العالم بقوله: "احمونا... احمونا.." وبقية الخطاب معروفة للجميع.
وإذا كان البعض قد حوّل ذلك النداء المنبعث من عمق الجرح الفلسطيني الذي يتوق الى الأمن القائم على العدل والسلام، الى مادة للتندر والسخرية تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع ٍ يأسا ً حينا ً وشماتة أحيانا، فإن بالإمكان النظر إليه كآخر صرخة إنذار قبل أن ينفد صبر الفلسطيني ويفقد بشكل نهائي ثقته في عدالة المجتمع الدولي ومؤسساته ومنظماته، ويعود الى بدايات مسيرته الكفاحية قائلا ً للعالم بأنه عالم عاهر منافق يكيل بمكيالين ولا يحترم إلا القوي، وأنه هو الذي أسقط غصن الزيتون من يد الفلسطيني وأعاده الى شرعية استخدام البندقية..