تعب الناس جميعا من بعض المصطلحات السياسية التي فقدت مضمونها فعلا منذ زمن، وما يزال البعض يرددها وهم يعرفون ان لا قيمة ولا مفعول لها! وكان آخر هذه المظاهر وليس اخيرها مطالبة مجموعة كبيرة وشاملة وهي تمثل جميع الدول الاوروبية تقريبا وذلك في بيان صادر عن اعضاء القنصليات العامة للدول التالية : بلجيكا، فرنسا ، ايطاليا ، اسبانيا ، السويد والمملكة المتحدة ، والمكاتب التمثيلية لكل من الدانمارك وفنلندا والمانيا، وايرلندا اضافة لممثل مكتب الاتحاد الاوروبي بالضفة والقطاع .
هذه الدول والمؤسسات طالبت في بيان مشترك بوقف جميع عمليات الاستيلاء على الاراضي واعمال الهدم ، ودعت الاحتلال الى وقف كل ذلك ودفع التعويض لمن تضرروا.
وهذا كلام ايجابي وسليم ولكن القضية مختلفة، اسرائيل لا تستمع لكل هذا الكلام وانما على العكس تماما فانها تواصل اعمال الهدم ومصادرة الارض وتشريد السكان ولا تحسب اي حساب لمنتقد او رافض لهذه السياسة ، لانها تدرك ان هذا الرفض مجرد كلام وتعبير عن موقف سياسي بلا قيمة .
منذ عشرات السنين ونحن نستمع لمثل هذه الاقوال والتأكيد ان الاستيطان غير قانوني ومصادرة الارض مخالفة لكل المفاهيم الانسانية ولكنهم في اسرائيل لا يستمعون لذلك ويعيرونه اي اهتمام ويرون فيه مجرد كلام في الهواء.
والمشكلة ليست في اسرائيل ولكن فينا نحن اصحاب الحق والارض والتاريخ والمستقبل ، لأن المثل يقول «القوي عايب والضعيف خايب» وما دامت اسرائيل هي الاقوى فمن المتوقع ان تقوم بكل ما هو غلط وغير قانوني تنفيذا لمصالحها الخاصة وبدون اي اعتبار للاخر او اي خوف من ردود الفعل التي باتت معروفة ولا تزيد عن مجرد بيانات لفظية في الهواء.
العالم العربي لو كان يملك ذرة من المسؤولية القومية لأوقف اسرائيل عند حدها وحافظ على الارض الفلسطينية والمستقبل الوطني ، ولكنهم يقفون عاجزين قليلي الحيلة والعمل ولا يقولون شيئا الا كما يقول المثل «بعد خراب مالطة»
لو العالم العربي اتحد ووقف موقفا جديا واحدا لاجبر اسرائيل على القبول بالحقوق الوطنية الفلسطينية وعدم التمادي في غطرستها وتوسعها، ان كل يهود العالم لا يزيدون عن سكان القاهرة وحدها، وكل اليهود الذين يتحكمون في بلادنا اقلية بسيطة ولكنها تمتلىء بالدعم والتأييد والقوة من قوى خارجية خاصة في اميركا.
مصالح اميركا في العالم العربي من المحيط الى الخليج بكل الثروات النفطية والموقع الجغرافي والامكانات العسكرية ، هي اكثر من اية مصلحة اخرى وكان الاجدر بالولايات المتحدة ان تكون معنا لا مع اسرائيل لولا الفعل والعمل واختراق المواقع الاميركية التأثير فيها.
العالم العربي بموقعه الاستراتيجي من المغرب حتى الخليج مرورا بمصر وثرواته النفطية وغيرها وكثافة سكانه وثقافتنا التاريخية قادرة على التأثير في كل القضايا، ولكننا وللأسف الشديد نقف ليس مجرد عاجزين ولكن كالمتفرجين ايضا وكاللعبة في ايدي الاخرين.
لقد طالبت بعثات دبلوماسية كثيرة ، اوروبية في غالبيتها، الحكومة الاسرائيلية بوقف عمليات الهدم والاستيلاء على الاراضي بالضفة، وكان الرد غير المباشر، ان الحكومة الاسرائيلية خصصت ميزانيات كبيرة لتشجيع السكن في المستوطنات.
خلاصة القول :«ان القوي عايب .. والضعيف خايب» وهذه قاعدة سياسية قديمة ومستعملة في عصور مختلفة ونحن اليوم ورغم قوة العالم العربي السكانية والجغرافية والثروات الطبيعية الهائلة، فهي تقف كالمتفرج عما يدور ولا تبادر الى العمل وانما تحاول التجاوب مع ما يفعله الاخرون، للاسف الشديد.