بقلم: سميح خلف

من اللجوء إلى الثورة

سميح خلف
حجم الخط

غزّة - وكالة خبر

هو ذاك الطفل الذي شهدت عينية مشاهد النكبة الأولى ومن قرية بشيت في الساحل الاوسط لفلسطين، وليكون شاهدا منذ صغرة على تصفية عرقية قامت بها عصابات الهاجناه، ومن بشيت إلى مخيم إلى مخيم عين السلطان في رفح جنوب غزة، دروب ودروب ومعاناة ولجوء، ولكي تكبر احلامه مع الأيام وسنوات عمرة الى الصبا الى النضوج الواعي بمأساته ومأساة شعبه، كان متأملا صامتا حادا في مخزونه الفكري بعمق الجرح واللجوء، لم تكن الحياه في المخيمات هي الحياه، بل كانت تجسد ابشع جريمة ارتكبت بحق الانسانية، والفارق شاسع بين حياة السيد على ارضه وفي قريته، وبين حياة المخيم ووكالة الغوث والانتظار، نعم انه الانتظار المؤرق والصعب

حدود الأرض المحتلة لم تكن بعيدة عن ناظريه ، فهي حالة صباحا ومساء، ومن هو الذي ينسى الواقع ومؤثراته التي نسجت خلايا ابو على شاهين وهذا الجيل من العمالقة، الذين اخذوا على عاتقهم عملية التغيير للواقع، وبكل خطورته، انه الوطن بالنسبة لابوعلي شاهين انها القرى الفلسطينية المحتلة التي وطأت فيها قدميه في مسيرة الرعب والقتل التي مارستها العصابات الصهيونية الى ان وصل واستقر في مخيم عين السلطان.

هذه النبتة وهذا النسيج، الذي صنع القائد وصنع الملهم لحركة تحرر وثورة، لم يكن رجلا عاديا، ولم تكن خلاياه مطاطية بل نسيج صلب من العطاء والارادة.

هم كثر من تناولوا السيرة الذاتية لهذا القائد، من رفح الى الخليج الى المعتقل الى الاقامة الجبرية ثم النفي الى جنوب لبنان ثم العودة الى ارض الوطن بوجب اتفاقية اوسلو، ولكن لم يتغير ابو علي شاهين ولم تمحى صورة قريته بشيت من ذاكرته، في ذاكرة الوطن وهو احد عناصر هذه الذاكرة المهمة في تجربة فلسطينية ومسيرة حركة، قادت شعبها عقود من الزمن وما زالت المسيرة مستمرة، وبعمق حلم ابو علي شاهين في العودة الى مسقط رأسه.

ابو علي شاهين ثائرا بكل مواصفات الثائر الملتصق بالجماهير ، وببساطة الاداء وعمقه، كان هو المعلم في دروب الكفاح المسلح وأديباته واخلاقه التي تستقطب ولا تستفز، تبني ولا تفرق، زاهدا غير لاهثا لموقع او فائدة او تمحور او كبرياء وغرور محطم.

ابو علي شاهين هو من النواة الصلبة لحركة التحرر الوطني، النواة المبدعة ، وهو رجل المهام، ورجل المواجهة ، ورجل البناء الذي جعل من معتقلة مركزا ثوريا للبناء، فكان المعلم والمنظر، للأجيال وهو الجامع لكل التيارات الفكرية والنضالية في الساحة الفلسطينية، ولذلك ابو علي شاهين فوق كل المسميات والاوصاف.
- أبو علي شاهين ...ثائرا ..ومفكرا.. ومعلما
هذا القائد من الكنوز الفكرية والتنظيمية لمدرسة الثورة، فأن استرشدنا بالعطاء ،فهاهم ابناء ابو علي شاهين من الشبيبة وهو مؤسس مدرستها، ينتشرون في كل المواقع والمهمات ، هذا البناء والصرح الخالد الذي لم يتوقف، والمتجدد مع الاجيال من حركة الشبيبة، والتي تتسع قواعدها انتشارا في كل ارجاء الوطن، معلمها قائدها ابو علي شاهين، وهي الولادة منجبة القادة والكوادر.

لامعنى للكلمات امام هذا القائد ولا للجمل ومهما كان حجم معجمها، فهو فوق الكلمات، وهل تصاغ تجربة وطن وتجربة قائد في جمل وكلمات...؟؟!! فمن صاغ دروب الثورة ومن اعطى لها عمره هو في حد ذاته ملحمة من العطاء والوفاء لا تقف عند حد ، فهي مستمرة عند تلامذته في التجربة الثورية ركيزتها ابو علي شاهين وامتداداتها مستمرة مع الاجيال ، ولانه يمثل ذاكرة الثورة ، وذاكرة الضمير ، وذاكرة الوطن في خريطة امتدت من فلسطين شرقا وغربا وشمالا وجنوبا في الاقليم العربي، لتحمل هذه الذاكرة باستمرار حلم العودة الى رض القرية فهي انشودة ولحن الارادة والصمود على درب الثورة.

قالوا عن الرحيل، ومهما قالوا، فهل يرحل العظماء؟! انهم خلايا متجددة في مع الاجيال وابو علي شاهين واحدا من هؤلاء العظماء الذي لعب دورا مهما ونشطا في تجربة حركة التحرر الوطني الفلسطيني وحتى في اخر ما تلفظ به وقبل ان تصعد روحه الى بارئها، قال بإرادة وعزم " انني سأهزم المرض"، كان يقصد ابو علي شاهين انه باق في عمق ثقافتنا الثورية وباق مع الاجيال، فهو لم يتعود على الهزيمة ولم يعرفها، فكان منتصرا دائما، مؤمنا بان الطريق صعب ومليء بالأشواك.

فعهدا وقسما يا أبا علي شاهين، إن ذهبت كجسد مادي فإن روحك وعطائك وتاريخك سيبقى في خلايا أدمغتنا فكرا وعملا وممارسة وآليات وأكثر من رسالة حملتها لنا يا أبو علي شاهين أن نهتم بجيل الشباب والشبيبة وندعم ثقافتهم الوطنية ضد المغيبات وتشوية التاريخ والتجربة، فعهدا وقسما لن نتنازل عنه لو انطبقت السماء على الأرض ومهما عانينا وقاسينا كما عانيت وقاسيت ليس من عدوك فقط بل من التيار الفئوي في الضفة الغربية، هؤلاء الحاقدين، عهدا وقسماً على الطريق يا أبو علي شاهين فإلى المجد والخلود، إلى الجنة التي وعد الله بها المجاهدين والمناضلين من أجل الله والوطن ومع من وقفوا مع المستضعفين من شعبهم أبناء المخيمات، أبناء اللجوء فأنت واحد منهم فإلى جنة الخلد فأنت الخالد في تجربة حركتنا، لك المجد.. لك المجد.. لك المجد.
سميح خلف