صدر عن منتدى الشرق الأوسط وهو أحد بنوك التفكير الامريكية المحسوبة على الصقور في الولايات المتحدة، ورقة سياسية بعنوان "نزع سلاح غزة" كتبها أحد جنرالات الجيش الاسرائيلي "يوسي كوبرواسر" الرئيس السابق لقسم الابحاث في شعبة المخابرات العسكرية في جيش الكيان الاسرائيلي، يستعرض فيها عيوب النهج الاسرائيلي في التعامل مع غزة، وهو الأمر الذي سمح بتطوير قدرات حماس العسكرية في القطاع وزيادة سيطرتها، مما يشكّل بالتالي تهديدا دائما لأمن اسرائيل يجب على هذه الاخيرة التخلص منه مهما كلف الثمن . هذا يقترح "كوبرواسر" في الورقة استراتيجية حاسمة ووقائية تتضمن عددا من السياسات على عدة أصعدة يتوجب على تل ابيب اتباعها لضمان تحقيق النصر والتخلص من التهديد حسب قوله.
والحقيقة أن الرغبة في عرض ملخص قصير جدا (بناء على ما يتسع له المقال) عن هذه الورقة السياسية التي صدرت قبل يومين تكمن في اهمية استكشاف التحول الجاري في منهجية الفكر السياسي والعسكري الاسرائيلي إزاء التعامل مع الفلسطينيين بشكل عام ومع غزة تحديدا ، ومن ثم امكانية الاستعداد فلسطينيا لمثل هذه الطروحات المستقبلية والجادة اسرائيليا والتي اعتقد انها ستلقى صدى في ظل حالة التعصب لدى المجتمع الاسرائيلي والضعف في المجتمع الدولي.
موضوعان رئيسيان تتحدث عنهما الورقة:
الأول عيوب سياسة "جز العشب" : وهو المسمّى الذي أطلقه كاتب الورقة الجنرال "كوبرواسر" على جولات التصعيد الاسرائيلية ضد غزة أو /حسب ما يقول/ ضد حركة حماس في (2008 -2009، 2012 ، 2014 ، 2021،) والتي انتهت جميعها بإلحاق اضرار بالغة بقدرات حماس العسكرية لكنها فشلت في منع إعادة حماس من تسليح نفسها . ويقول "كوبرواسر" أن أبرز عيوب سياسة جز العشب هو أنها سمحت لحماس بالتفكير بأن شرعيتها ووجودها لا يمكن المساس به، فضلا عن منحها ثقة بالنفس لتطوير قدراتها العسكرية وزيادة قوتها في الساحة السياسية الفلسطينية. وذلك بسبب مجموعة من القواعد الاسرائيلية مثل : الامتناع عن امكانية شن عملية برية ، وعدم استخدام العقوبات الاقتصادية على غزة لفترة طويلة ، وعدم استهداف لشخصيات قيادية في حماس ، وعدم وجود ردود على عمليات حماس خارج قطاع غزة ، وحتى الرد الاسرائيلي على حماس غالبا ما يكون محسوبا وضمن دائرة الردع . اضافة الى التزام اسرائيل اثناء العمليات العسكرية بالقانون الدولي الانساني والحد من الأضرار الجانبية حسب وجهة نظره !!
الموضوع الثاني الذي تتحدث عنه الورقه هو : صياغة استراتيجية حاسمة واستباقية لإجبار حماس على قبول قواعد جديدة تخلّص اسرائيل من التهديد الذي يلاحقها من جهة، وتبرز قوتها امام الفلسطينيين ككل من جهة اخرى، كما تشكل رسالة ردع قوية لحزب الله وايران وحلفائهم من جهة ثالثة .
استراتيجية "كوبرواسر" تتضمن سياقات عسكرية واقتصادية ودبلوماسية وقانونية، إضافة الى تغيير قواعد اللعبة وتغيير في الخطاب السياسي وفي مفهوم النصر الاسرائيلي والذي يجب أن يتمحور حول نزع سلاح حماس كليا ومنع اعادة تسليحها.
في السياق العسكري والعملياتي يقترح "كوبرواسر" الوصول الى هيمنة استخباراتية شاملة وفعالة على غزة لمنع أية محاولة لاطلاق الصواريخ قبل حدوثها والقضاء على نشطاء حماس من أي مستوى كان . كذلك يقول ان على اسرائيل اكتساب الثقة بالنفس لشن عمليات جوية وبحرية وبرية /من خلال بيئة امنة/ ضد البنية التحتية "للارهاب" في غزة كما تفعل في الضفة الغربية والجبهة السورية. ويتم ذلك من خلال قدرة طوّرتها اسرائيل حديثا في مجال تسخير قدرات مجتمع الاستخبارات بأكمله للجنود على ارض المعركة، وتحسين الحماية المقدمة لهم من خلال تعزيز الأدوات العسكرية كناقلات الجند والذخائر والاسلحة المضادة للصواريخ . تشمل خطة "كوبرواسر" العسكرية أيضاً اجراء المزيد من العمليات التدريبية على الحدود مع غزة وحشد جنود الاحتياط والعمليات السرية لإيصال رسالة لا لبس فيها لحماس وباقي الفصائل بأن اسرائيل مستعدة لتبنّي موقف استباقي وهجومي جديد وشديد .
على صعيد السياق الدبلوماسي، يقول الكاتب بأنه يتوجب على اسرائيل استغلال علاقاتها الاقليمية وتعاونها الأمني لبلورة جهد مشترك مع مصر وتركيا ودول التطبيع الاخيرة للضغط على حماس واجبارها على اعادة تقييم الوضع، مثلما نجحت اسرائيل في فك ارتباط حماس مع السودان . كذلك مطالبة الأونروا بإزالة جميع الكتب التي تحتوي على الكراهية والتوقف عن الدفاع عن موظفيها المنتمين لحماس حسب قوله.
على الصعيد الاقتصادي يجب منع تدفق للاموال او المساعدات الاقتصادية يمكن ان تفيد حماس بشكل مباشر او غير مباشر . واشتراط تدفق الاموال والمساعدات الخارجية بوقف بناء حماس لترسانتها العسكرية .
نجاح هذه الاستراتيجية يتطلب تغييراً في قواعد اللعبة بناء على وجهة نظر الجنرال الكاتب . هذه القواعد التي يتوجب تغييرها تشمل:
1. قاعدة الخطاب حول غزة في المجتمع الاسرائيلي : يجب بث القناعة لدى المجتمع بأن على اسرائيل ليس الرد والانتقام من الهجمات الصاروخية فقط، بل اختيار الوقت والمكان والمبادرة لاجبار حماس على نزع سلاحها ووقف التهديد.
2. قاعدة الفصل بين القيادة العسكرية والسياسية في حماس.
3. قاعدة الضغط على غزة باتخاذ عقوبات اقتصادية طويلة الامد.
4. قاعدة الفصل بين عمليات حماس خارج غزة والهجوم من غزة.
5. قاعدة الرد الدبلوماسي على التحريض العلني لحماس.
6. قاعدة التعامل مع الاونروا نحو اعتبارها جزء من المشكلة وليس الحل.
7. أما القاعدة التي لا يجب اعادة النظر بها هي قاعدة الالتزام بالقانون الدولي لأن اسرائيل دولة "اخلاقية" حسب مزاعمه !! فالجهود الاسرائيلية لمنع ونزع سلاح حماس لن تقابل بدون نقد لكن رغم ذلك من المهم للغاية ان يعرف الاسرائيليون أنهم يقومون بالعمل الصحيح .
ما سبق ذكره ملخص مختصر جدا لما تحدث عنه "يوسي كوبرواسر" في ورقته السياسية ، لكن يمكن استنتاج هدفها ببساطة شديدة وهو الدعوة لشن حرب مدمرة على غزة مع تهيئة فكرية للمجتمع في الداخل الاسرائيلي والمجتمع الدولي للتكلفة البشرية والسياسية لهذه الدعوة ! أدعوكم لقراءة الورقة بعناية..