موقع "N12": رياح حرب: ما الذي دفع رئيس الأركان ورئيس الاستخبارات الإسرائيلييْن إلى إصدار تحذيرهما؟

عاموس يادلين.jpeg
حجم الخط

بقلم: عاموس يادلين وأودي أفينطال*

 

 



في الميدان، وفي الساحات المختلفة، يكشف سلوك أعداء إسرائيل في الأشهر الأخيرة، وخصوصاً في شهر رمضان وفي الأعياد اليهودية، جرأةً واستعداداً متزايداً للمخاطرة، بالاستناد إلى التقدير أن إسرائيل تتخوف من الانجرار إلى الحرب: "الجهاد الإسلامي" و"حماس" التي تسمح له بالعمل من غزة وتقوم بنفسها بالدفع قدماً بهجمات في الضفة الغربية، وإطلاق صواريخ على إسرائيل من 3 جبهات في عيد الفصح، واشتباك شبان مسلحين مع الجيش الإسرائيلي في كل مرة يدخل الجيش ويقوم باعتقالات في جنين ونابلس، و"حزب الله" يُظهر ثقة بنفسه وجرأةً واستعداداً للمضي على حافة الحرب، وإيران التي تسلّح الجميع، تتقدم في برنامجها النووي، وتبادر إلى هجمات "إرهابية" في شتى أنحاء العالم.
يبرز التآكل في الردع بصورة خاصة في مواجهة "حزب الله". هدد نصر الله، علناً، بحرب خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، وأطلق مسيّرة نحو منصة الغاز، وأعلن مسؤوليته، وبادر بصورة غير مسبوقة إلى شن هجوم في عمق إسرائيل، بوساطة "مخرب" جاء من لبنان، ويهدد إسرائيل بالرد على هجماتها في سورية، ويعزز وجوده العسكري العلني، ويقيم استعراضات قوة استفزازية على طول الحدود، خارقاً قرار مجلس الأمن، ويشكل تهديداً لحرية تحليق الجيش الإسرائيلي في لبنان وغيره.
استعداد أعداء إسرائيل لزيادة المخاطرة في ساحات مختلفة، والتي يمكن أن تؤدي في نهاية الأمر إلى سوء حسابات، وتجرّ كل الأطراف إلى حرب لم يرغبوا فيها. هذه هي تماماً خلفية تقدير "أمان"، الذي نُشر في نيسان، والذي تحدث عن ارتفاع معقولية حدوث تصعيد واسع في السنة المقبلة. مؤخراً، قدّر رئيس "أمان" أن الهجوم الذي شنّه "حزب الله" من لبنان في مجدو "قد يتكرر... ويوشك نصر الله على ارتكاب خطأ يمكن أن يدهور المنطقة إلى حرب واسعة". كما قال رئيس الأركان، هرتسي هليفي، إن "حزب الله" "يعتقد أنه يفهمنا، وهو يتجرأ على تحدّينا، على الرغم من ثقته بأن هذا سيؤدي إلى حرب." مغزى هذا الكلام أن الجيش الإسرائيلي يرى شهية نصر الله المتزايدة لتحدّي إسرائيل من خلال هجمات إضافية في منطقة هي، في تقديره، على حافة حرب. تدل التجربة على أنه عندما يكون الطرفان غير معنيين بالحرب فإن الاستعداد للمخاطرة بعمليات محدودة، أو بـ"أيام قتال" محدود، وهو بمثابة اختبار مفتوح لتصعيد سريع، نهايته الحرب. تصريحات كبار المسؤولين هي تحذير لنصر الله، وهي أيضاً تذكير للجمهور بمدى حساسية الوضع الأمني وخطورة التهديدات الخارجية لإسرائيل.

سيناريو تعدُّد الساحات
خلال عملية "حارس الأسوار" قبل عامين، نشب في غزة تصعيد واسع، رداً على الأحداث في القدس، وهو ما أشعل، لاحقاً، اضطرابات غير مسبوقة في المدن المختلطة داخل تخوم الخط الأخضر. ومنذ ذلك الحين، تحول سيناريو توحيد الساحات المختلفة - الذي برز في أحداث رمضان الأخيرة والمواجهات في حرم المسجد الأقصى، والتي أدت إلى إطلاق صواريخ من غزة ولبنان وسورية - إلى جزء لا يتجزأ من سيناريو استعداد الجيش الإسرائيلي والقوى الأمنية والمستوى السياسي.
يفرض هذا الواقع نشر قوات كبيرة في القدس و"المناطق" ويقظة عالية ومستمرة في منظومات الدفاع الجوية وقوات الجيش و"الشاباك". رفع درجة التأهب والجهوزية، والذي سُجّل في يوم القدس الأخير، والتصعيد في ساحات مختلفة بوتيرة متزايدة، يأتي على حساب قدرة المؤسسة الأمنية على توظيف الوقت والاهتمام لمواجهة التهديدات الأكثر خطراً والأبعد، وفي طليعتها النووي الإيراني وتعاظُم القوة العسكرية لـ"حزب الله"، بما في ذلك الصواريخ الدقيقة.
على الرغم من ذلك فإنه من المهم أن نرى أن لا أحد من أعداء إسرائيل يريد تجربتها والدخول في مواجهة واسعة النطاق معها، أو في حرب. وكلٌّ منهم يريد إثارة تصعيد في ساحات بعيدة عن أراضيه؛ "حماس" في غزة تريد إشعال الضفة الغربية. وعندما خاض "الجهاد الإسلامي" قتالاً في مواجهة إسرائيل في عملية "درع وسهم"، توحّد شركاؤه في الساحات المختلفة في التصريحات والدعاية، وامتنعوا من استخدام القوة، في آن معاً، ضد إسرائيل من ساحاتهم.

السلطة الفلسطينية - الحاضر الغائب
أظهرت الأزمات الأخيرة في الساحة الفلسطينية الغياب الكامل للسلطة الفلسطينية كعامل مؤثر بأي صورة من الصور في الأحداث. السلطة تتلاشى، كمنظومة حُكم شرعية وعاملة وفعالة، بمرور الزمن، وتخسر السيطرة والحوكمة في شمال الضفة، وخصوصاً في مخيمات اللاجئين في نابلس وجنين. كما تضررت فعالية وشرعية أجهزتها، ولا سيما مسعى إضعاف "حماس" وكبح تحركاتها للسيطرة على الضفة الغربية، ما يشكل مصلحة مشتركة بين السلطة وبين إسرائيل.
يشكل تفكُّك السلطة الفلسطينية تهديداً استراتيجياً متعدد الأبعاد لإسرائيل. وبالإضافة إلى الحاجة إلى ملء الفراغ الأمني بوساطة نشر واستخدام واسع لقوات الجيش الإسرائيلي، فعملياً، كلما تبددت السلطة فإن المسؤولية عن جميع نواحي الحياة اليومية لملايين الفلسطينيين ستنتقل إلى إسرائيل بالتدريج. وتُقدَّر تكلفة هذا العبء بالكثير من المليارات، وهذا سيقع على كاهل دافع الضرائب الإسرائيلي، بعد التقليص المتوقع في المساعدة الدولية للسلطة. وهذا التوجه يترسخ مع ضغوط أعضاء الصهيونية الدينية في الحكومة الذين يسعون لإسقاط السلطة وضم معظم مناطق الضفة إلى إسرائيل.

ما الذي ينبغي على إسرائيل فعله؟
في البيئة الاستراتيجية الصعبة والمعقدة لإسرائيل تحدث عمليات تغيير تتطلب زعامة وسياسة ملائمتين من أجل التصدي للتهديدات وخلق الفرص.
الخطوة الفورية المطلوبة هي تعزيز الردع الإسرائيلي. وأول خطوة من أجل ذلك، هي الوقف الفوري للانقلاب القضائي، ما سيوحي للخارج والداخل بعودة وحدة المجتمع والجيش. تجدُّد مساعي التشريع القضائي، بعد تمرير الميزانية سيزيد في الأزمة الداخلية، وسيقوض ردع إسرائيل في كل الجبهات، ويشجع على خطوات استفزازية أُخرى من جانب أعداء إسرائيل في الإقليم.
في المقابل، يتعين على إسرائيل إعادة الاستقرار إلى الساحة الفلسطينية، والامتناع عن المواجهات المتكررة التي تهدد بالتمدد إلى ساحات أُخرى، وتعرقل التركيز على لجم التهديد الإيراني وإيجاد فرص في مجال التطبيع. والمطلوب من إسرائيل تهدئة الوضع في القدس، وخصوصاً في حرم المسجد الأقصى والضفة الغربية، والعمل على تعزيز قوة السلطة الفلسطينية، لا إضعافها. ثمة إجماع بين صنّاع القرار في إسرائيل على أن السبيل الأفضل لاستقرار الميدان هو عودة الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى القيام بعملياتها الأمنية بصورة فعالة في المدن. القدس وحرم المسجد الأقصى والأسرى والقتلى الفلسطينيون هي مشكلات حساسة يمكن أن تفجّر تصعيداً من الصعب السيطرة عليه.
إن التغيرات التي يشهدها الشرق الأوسط تشكل فرصة لإسرائيل، كما ثبت ذلك من خلال عودة الحرارة إلى العلاقات بين تركيا وإسرائيل. جوهرة التاج في هذا السياق هي السعودية التي من المتوقع أن يؤدي التطبيع معها إلى تسوية العلاقات مع دول أُخرى في العالمين العربي والإسلامي. وإسرائيل بحاجة إلى سياسة مركّبة للقيام بهذه العملية. ويجب أن تتأكد مسبقاً من الثمن الذي ستحصل عليه من السعودية، ومن الولايات المتحدة، وضمان ذلك من خلال طاقم عمل منظّم من المؤسسة الأمنية بأنها ستحافظ، في المقابل، على مصالح عميقة أُخرى، وعلى رأسها منع السباق على التسلح النووي في الشرق الأوسط، والمحافظة على التفوق العسكري والنوعي في المنطقة.
في مواجهة إيران، المطلوب تهديد عسكري ذو صدقية، بالأساس أميركي، وضغط اقتصادي دولي يثني إيران عن التخصيب على درجة 90%، وعن الاستمرار في توسيع برنامجها النووي، ويدفع قدماً نحو اتفاق "أطول وأقوى" كما طالبت الولايات المتحدة منذ البداية. التدريب العسكري المشترك، الذي أجرته إسرائيل والولايات المتحدة في كانون الثاني الماضي، كان غير مسبوق من حيث حجمه، وخطوة في الاتجاه الصحيح في كل ما له علاقة بوضع تهديد عسكري ذي صدقية في مواجهة إيران.


عن موقع "N12"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عاموس يادلين رئيس سابق للاستخبارات العسكرية، وأودي أفينطال خبير في الاستراتيجية والتخطيط السياسي.