هارتس : الانقلاب النظامي يهدف إلى طرد الفلسطينيين وتحقيق "الضم الكامل"

حجم الخط

بقلم: يهوديت اوفنهايمر

 

 



عندما يصبح السيئ أسوأ يجب علينا أن نفحص، مرة أخرى، أساليب عملنا. هكذا هي السنة الـ 56 عاماً من الاحتلال التي تكتمل، اليوم. في كل سنة، وطوال السنة، نشير إلى الظلم المستمر، "الأبرتهايد"، العنف، والطرد. ولكن السنة الأخيرة عكست انحدارات جديدة: العنف المتزايد، ضما متسرعا، طردا، ومهاجمة منظمات حقوق الإنسان. بين قرارات جديدة وواقع فوضوي أدركنا أنه لم يعد بالإمكان الاستمرار في روتين التوثيق ونضال كل جمعية، وأن هناك إلحاحية لجمع النقاط وفحص سياسة الحكومة في تحليل شامل. لذلك فإننا تجمعنا للمرة الأولى، الـ 17 منظمة الرائدة في حقوق الإنسان في إسرائيل، كي نقدم للجمهور، في البلاد وفي الخارج، تحليلا شاملا للواقع في "المناطق"، والدعوة بصوت واحد إلى العمل على الفور.
أمام الاحتلال و"الأبرتهايد" اللذين يضران بكل مجالات حياة الفلسطينيين يوجد لكل جمعية تأكيد مهني خاص بها. يربط عملنا معاً بين نظرة قانونية وجيوسياسية وبين نضال من اجل الصحة والأراضي ومرافقة لمحام دولي على الأرض. توجد للجمعيات تجربة متراكمة طويلة في محاربة الاحتلال وتوثيق أضراره الشديدة بالحقوق وحياة الإنسان. معا نقود اكثر من 200 موظف يخرجون إلى الميدان. يرسمون الخرائط، يجرون المقابلات، يجمعون الشهادات، يصورون، يقدمون العلاج والمساعدة القانونية، ويكتبون ويحررون كل شيء من اجل أن يصل إلى كل شخص مستعد لأن يسمع. الحقيقة المتراكمة التي قادتنا إلى استنتاج قاطع هي أننا شهود على زيادة دراماتيكية للخطورة. في التقرير المشترك الذي سينشر، اليوم، ركزنا على اربعة مواضيع إلحاحية جدا.
عملية الضم تم تسريعها: شكلت هذه السنة الانتقال من الضم الفعلي، الذي تدفع به إسرائيل قدماً خلال سنوات الاحتلال، إلى عملية ضم كاملة. تجنبت الحكومة في الحقيقة تصريحات شاملة عن ضم "المناطق"، لكن نقل الصلاحيات المدنية لبتسلئيل سموتريتش، الوزير في وزارة الدفاع، وضع فعلياً جهة مدنية تحكم في الضفة الغربية. هذه الخطوة وعمليات تشريع أخرى تجمع بصورة بيروقراطية توسيع السيطرة في "المناطق" فقط للمواطنين الإسرائيليين (ما زال الفلسطينيون يخضعون لنظام عسكري)، والمعنى هو تسريع الضم الكامل. من خلال ذلك فإن الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية والقدس وتدمير منظمات المجتمع الفلسطيني، كل ذلك يقسم المجتمع الفلسطيني إلى أجزاء صغيرة تكون خاضعة للسيطرة والإدارة المدنية. تصريح الحكومة، الذي يهدف إلى مضاعفة عدد المستوطنين في الضفة الغربية، وحّد التعبير فوراً في مجالات التخطيط والبناء وتحويل الميزانيات. ثمة استثمارات ضخمة، بوساطة وزارة الاستيطان والمهمات الوطنية وتخصيص ربع ميزانية وزارة المواصلات للبنى التحتية في "المناطق" والدفع قدما بمشاريع كبيرة للسكن في عشرات المستوطنات وشق الطرق (الشارع الدائري الشرقي) والبناء في منطقة "إي1" بشكل خاص، كل ذلك يظهر أن ما اعتبر لسنوات "ضما زاحفا" تعلم المشي وبسرعة.
ازدادت عمليات الطرد والاجتثاث، حيث إن هدف الاحتلال هو ضم اكبر قدر من الأراضي وتقليص عدد السكان الفلسطينيين إلى الحد الأدنى. الصورة المكملة للاحتلال هي الطرد. تركزت جهود الطرد في السنة الماضية على شرقي القدس ومناطق "ج". في القدس فإن منع حقوق التخطيط والبناء وهدم البيوت وإجراء "تسوية الأراضي" في المدينة تستخدم لطرد وإبعاد السكان العرب ووضعهم أمام خطر متزايد لسحب إقامتهم وطردهم من المدينة. في مناطق "ج" يتم الإعلان بأن نصف المكان هو منطقة عسكرية مغلقة لا يمكن الحركة أو الزراعة أو الرعي فيها. وهكذا يتم إبعاد الفلسطينيين عن أراضيهم.
يجب الإشارة بشكل خاص إلى عملية الطرد في تجمعات مسافر يطا، التي تمت شرعنتها في هذه السنة في المحكمة العليا، وتم القيام بخطوات متشددة ضدها في محاولة لطرد اكثر من ألف شخص. الحرمان المطلق للفلسطينيين من حقوق التخطيط في مناطق "ج" يضع البيوت تحت تهديد عملية الهدم، ويضع التجمعات تحت خطر الطرد، مثلما حدث في قرية الخان الأحمر. إضافة إلى ذلك فإن أعمالاً مخططاً لها وممأسسة للعنف، تجري بدعم قوات الأم، أصبحت أعمالا متكررة واكثر تدميرا. عنف المستوطنين هو وسيلة ناجعة لإبعاد التجمعات الفلسطينية عن أراضيها والى تطهير عرقي لمناطق واسعة في مناطق "ج"، مثل تجمع عين سامية. تبدو هذه العمليات في إطار تاريخي للنضال من اجل "ارض الآباء"، وضمن ذلك استخدام مواقع ومبان وطنية لمصادرة الرواية والأراضي.
ازداد عنف قوات الأمن تجاه الفلسطينيين، ووصل عدد القتلى الفلسطينيين في الضفة إلى الذروة منذ الانتفاضة الثانية، ويعترف الجيش بأن نصفهم تقريباً لم يكونوا من المسلحين، وأن ربعهم من الأطفال. اقتحام البيوت في الليل والاعتقال العنيف للأطفال ووجود رقم قياسي من المعتقلين الإداريين في العشرين سنة الأخيرة، والتعذيب أثناء التحقيق في "الشاباك" والمس بحقوق السجناء، كل ذلك دليل على العنف المتزايد في "منظومة العقاب" تجاه الفلسطينيين.
في قطاع غزة العنف هو اللغة الوحيدة، هجمات من الجو تقتل بشكل متعمد أطفالا وسكانا. وحصار ضار في كل مجالات الحياة، يجبي ثمنا باهظا بالدماء، وأزمة إنسانية، وقيود على حركة المرضى. كل ذلك في الوقت الذي تتمتع فيه قوات الأمن بحصانة فعلية من القانون، اقل من 1 في المئة من الشكاوى ضد عنف الجنود يصل إلى لائحة اتهام. لم يتم تقديم أي لائحة اتهام في أعقاب 1400 شكوى على عنف "الشاباك"، التي تم تقديمها في العشرين سنة الأخيرة، وكذلك الصعود درجة في الهجوم على منظمات حقوق الإنسان. من اجل مواصلة المظالم بدون أي عقاب فإن الحكومة تعمل على إسكات منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والفلسطينية. زملاؤنا في منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية اعتبروا مؤيدين لـ"الإرهاب" من قبل وزير الدفاع السابق، بني غانتس، ولم تنجح دولة إسرائيل في تقديم أي أدلة مقنعة على هذا الادعاء، وبعد فحص شامل رفضت دول الاتحاد الأوروبي الأمر. رغم ذلك ما زال لهذا التعريف تداعيات شديدة، حيث إن مكاتب المنظمات والموظفين فيها يتعرضون لهجمات متواصلة، وقدرتهم على أداء عملهم تضررت جدا.
ضد المنظمات الإسرائيلية شاهدنا في السابق حملات تشهير ونزع للشرعية استهدفت المس بنشاطاتنا، ففي هذه السنة ظهر ارتفاع في محاولات التضييق علينا بوساطة القوانين. وهناك عمليات تشريع في مراحل مختلفة موجهة لتقييد قدرتها على تجنيد الموارد وعلى الاستمرار في عملنا وتقييد الأدوات التي يمكننا استخدامها من اجل الحفاظ على حقوق الإنسان الفلسطيني تحت الاحتلال.
أصبح قسم كبير من الجمهور الإسرائيلي يدرك، الآن، بشكل أكبر أن الانقلاب النظامي يستهدف خدمة سياسة الطرد والضم، وأن النضال من اجل الديمقراطية والمساواة حيوي من اجل دمج القوى والتجمعات في البلاد وفي الخارج. نجاح النضال المشترك بين كل منظمات المجتمع المدني لوقف قوانين الضرائب غير الديمقراطية يدل على أنه عندما نعمل معا نستطيع التغلب على قوة اليمين المفترسة.
يجب أن نوحد قوتنا لأن الوضع يحتاج إلى نضال مشترك، إلى حين الموافقة على طلب المساواة في الحقوق. يدل التاريخ على أن الإسكات غير ممكن، وطوال الوقت. والى جانب ازدياد العنف والضم والطرد والملاحقة ستكون هنا دائما جماعة، آخذة في الازدياد، ستواصل المطالبة بإنهاء الظلم الفظيع للاحتلال و"الأبرتهايد"، ومن الأفضل أن يكون ذلك في أسرع وقت ممكن.

عن "هآرتس"