يوم الخامس من يونيو 2023 شيعت رام الله الطفل محمد التميمي "عامين"، الذي اغتالته رصاصات من جيش "الفاشية اليهودية"، وداعه الأول من مشفى الى بلدته، ليكون اليوم التالي وداعه الأخير في مقبرة بلدة النبي صالح بالمحافظة، حيث خرجت البلدة ومحيطها في موكب تأكيدي أن الموت برصاص العدو هو حياة لقضية شعب.
المفارقة، أنه في الوداعين الأول والثاني، غابت الرسمية الفلسطينية بكل مؤسساتها، سوى محافظ رام الله في الأول، عن المشاركة، ولم يفكر لا "الرئيس الشمولي" لكل المؤسسات، أو التنفيذية بكل المسميات، والحكومة بكل المكونات، وبالطبع ممثلي الفصائل الذين لا يتركون مناسبة للتصوير لا يذهبون اليها، تأكيدا انهم "باقون".
غيابهم عن واحدة من جرائم حرب كان لها أن تمنح "الرسميات المتشعبة" مكانة خاصة بعدما اهتزت سمعتها الى درجة ربما بات النيل منها غير مجد (الضرب في الميت حرام)، جريمة حرب لو أنها حدثت في دولة العدو، مستوطنين أو غيرهم، لفتحت كل مؤسساتهم نيران لم تتوقف، مستندة الى إدارة مصابة بمرض "الكراهية" للفلسطيني في واشنطن.
غياب الرسميات والمسميات الفصائلية عن تشييع الطفل الشهيد محمد التميمي، كشف أنهم فقدوا حتى قدرتهم على "المتاجرة" بالوطنية الفلسطينية، ربما خوفا وهلعا أن يتحدث أحدهم بكلمة تخرج عن السياق المرسوم لهم من غير أهل فلسطين.
جريمة حرب، ما كان لها أن تمر مرورا عابرا كما الذي كان، وكأن الطفل الفلسطيني قتل برصاص طائشة بيد صديق، وليس بيد جيش غازي محتل، لو أن تلك المسميات المتعددة المناصب والمهام أدركت عمق الحدث والجرم.
لنتخيل أن الطفل التميمي، كان قريبا لأحد أركان الرسميات القائمة، ما الذي يمكن ان يكون بالحد الأدنى جنازة يشارك بها غالبية تلك المكونات، حكما وحكومة ومنظمة وفصائل، وبالحد الأعلى يمكن ان يكون وداعه "رسميا"، حرس شرف ونشيد ومشاركة رئيس ورئيس حكومة والى ما يليهم قائمة من مسميات لا يجب ذكرها.
وكي تنكشف عورتهم بيدهم، كان التلفزيون الرسمي ينقل في ذات اللحظة الزمنية جنازة الطفل الشهيد، وجنازة مناضل رحل...ولا يحتاج الأمر للمقارنة بين جناز غاب عنها أي تمثيل، وجنازة شارك بها رأس الحكم بذاته وفريقه بكامل عدته، فربما لو كان اسمه "محمد رمضان" لكان حاله غير الحال.
المقارنة ليس مساسا بحق مناضل لتكريمه برحيل مفاجئ، ولكنه تذكيرا بمدى علاقة تلك المكونات بقضايا الناس وجوهر الحقيقة الوطنية..أسياد في الشكليات وأقزام في الحقيقة السياسية.
ربما حاول رئيس الحكومة الفلسطينية أن يقوم بـ "حركة تعويضية" للفضحية الوطنية بغياب الحكم والحكومة والمنظمة والفصائل عن الوداعين للطفل محمد، فذهب دون وفد حكومي لتقديم التعزية بعد الوداع، والحقيقة أن تلك "شجاعة" منه الذهاب بعد عار الغياب عن الوداعين.
رحل الطفل محمد التميمي، بعد وداع من ناس حرارة الانتماء الوطني خالية من "الألقاب" و"المناصب" التي أصابها سواد كلي بما فعل حامليها..ذهب محمد بوداع ناس من طينة فلسطينية، تشبه أهلها وشعبها.
وداع الطفل محمد التميمي غاب عنه "الدسم الرسمي والحكومة" فخسروا شرف المشاركة في مسيرة فخر للفلسطينية...مشهد سيبقى في الذاكرة الوطنية ولكل أجل حساب قبل الكتاب!
ملاحظة: في 7 يونيو 1995، غادرنا الشيخ إمام الذي صنع مع كلمات أحمد فؤاد نجم رصاصة ثورة ومقاومة وعشق الحياة..فنان كسر قواعد التقليد والرتابة..كانت الأغنية سلاحا بيد كل غاضب وثائر..ولا زال صوته المحرض الأول للثورة والتغيير..سلاما لك ولرفيق مسارك نجم يا نجم التحريض الأول!
تنويه خاص: مع ذهاب آلاف طلبة من فلسطين لتقديم امتحان الثانوية العامة..وبعد التمنيات لهم بالنجاح لخدمة وطن..لا تنسوا رفاقكم الأربعة الذي أعدمتهم قوات الاحتلال منذ بداية العام.. ذهبوا دفاعا عن قضية ومشروع..لهم خلودا ولكم نجاحا!