نحن جئنا بكم إلى الحكم

image_processing20220918-3459076-v0xtvh.jpeg
حجم الخط

بقلم تيسير خالد

 

 

 عنف المستوطنين يجول الضفة الغربية ، بما فيها القدس ،  من شمالها الى جنوبها ومن غربها الى شرقها ضد البلدات والقرى والتجمعات البدوية في الريف الفلسطيني ، بمسيرات في شوارعها وطرقاتها الخارجية وباعتداءات لا تتوقف وإرهاب تجاوز الحدود والخطوط الحمراء . هو عنف تحميه حاضنة سياسية في الكنيست والحكومة وأخرى عسكرية في جيش وشرطة الاحتلال وأذرعه الأمنية المختلفة ، ما بات يتطلب إعادة النظر في جدول أعمال أولوياتنا الوطنية . 

هذا العنف يجري تشجيعه من المستوى السياسي في اسرائيل ، حيث الشواهد على ذلك كثيرة . عودة قليلة الى الوراء القريب توضح الصورة أكثر . عندما اثار عومر بار - ليف ، وزير الأمن الداخلي  السابق في حكومة نفتالي بينيت ، بلغة ناقدة عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في محادثة مع شخصية رفيعة في الادارة الأميركية تصدى له رئيس الوزراء ، بينيت ،  مدعيا إن " الامر يتعلق بظاهرة هامشية " . بهذا التضليل حاول بينيت في حينه امتصاص غضب المستوطنين وردود أفعالهم وامتصاص الانتقادات الدولية الخجولة في آن ، وخاصة من دول الاتحاد الاوروبي ومن الادارة الأميركية ، غير أنه أخفق في ذلك ، لأن الأمر لم يقف عند حدود موقف رئيس الحكومة آنذاك ،  فقد كان هناك هياج في اوساط المعارضة الاسرائيلية ( التي أصبحت الآن في الحكم ) ضد اعترافات بارليف ، حيث هب عضو الكنيست، بتسلئيل سموتريتش ، ووزيرة الداخلية أيليت شاكيد ، ووزير الأديان نتان كهانا ، هبة رجل واحد ضد تصريح  بار – ليف، ودافعوا بقوة عن ممارسات وإرهاب المستوطنين . وفي الكنيست الراهن هناك على أي حال حاضنة سياسية قوية لعنف المستوطنين ، هناك أكثر من 78 عضو كنيست من اليمين واليمين المتطرف يعتبرون المستوطنين " طلائع المشروع الصهيوني "، ويدعمون بالتالي بقوة ممارساتهم وعنفهم وإرهابهم ، علما ان بيانات عدد من منظمات المجتمع المدني الاسرائيلية ، التي توثق اعتداءات المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين كانت توضح أنه في السنوات الثلاث الأخيرة وقعت 540 حالة عنف نفذها المستوطنون ضد المواطنين الفلسطينيين ، وفقط في 238 حالة منها اختار الفلسطينيون تقديم شكوى بشأنها في الشرطة الاسرائيلية عبر تلك المنظمات ومن بين جميع تلك الشكاوى تم تقديم 12 لائحة اتهام فقط

ومع الزيادة المضطردة لأعداد المستوطنين في الضفة الغربية وزيادة نفوذهم السياسي وخاصة بعد انتخابات الكنيست الأخيرة ، نمت وتطورت في أوساطهم في السنوات العشر الأخيرة ؛ برضى حكوميٍ كامل ، منظمات يمينية متطرفة وإرهابية وتشكيلات أخرى منظمة أقرب للمليشيات المدعومة بشبكة واسعة من المنظمات والجمعيات الأهلية والمؤسسات الإعلامية ، خاصة بعد أن استوعب جيش الاحتلال في صفوفه تشكيلات صممت خصيصاً لاستيعاب الفئات المتدينة ، مثل وحدات دراسة التوراة المعروفة باسم "ييشيفوت سيدر"، وكتائب " نيتسح يهودا "، ولواء كفير . وقد ساءت الاوضاع بعد الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة وتشكيل نتنياهو حكومته الجديدة مع الفاشيين والنازيين الجدد أمثال سموتريتش وبن غفير . وأصبحت الأمور تجري على المكشوف دون إضاعة وقت لحسم الاوضاع على الأرض في ظل صمت عربي وانتقادات خجولة من المجتمع الدولي وملهاة ما يسمى حل الدولتين ، التي تتردد على السنة المسئولين في الادارة الأميركية .

عنف المستوطنين أصبح الآن على المكشوف . وقد بدأوا يتحلون بجرأة أكبر في اعتداءاتهم على اراضي وممتلكات الفلسطينيين وفي استعراض قوتهم . " ليلة الكرستال " أو " بوغروم " حواره في شهر آذار الماضي كانت كما يبدو بروفة او تمرين او تدريب في الميدان ، اشمأز العالم من أحداث تلك الليلة ، التي أعادت لذاكرته " ليلة كرستال " برلين ضد المواطنين الألمان اليهود على أيدي عصابات الرايخ الثالث الألماني ، غير أن الحدث كان بالنسبة للمستوطنين وحاضنتهم السياسية رسالة للداخل الاسرائيلي بتوازنات قواه ، نحن جئنا بكم الى الحكم ، ورسالة في الاتجاه الخاطئ للمواطنين الفلسطينيين تحت الاحتلال .

لم يعد المستوطنون يقيمون وزنا لما نطق به عومر يار – ليف ، فهم يواصلون مسيرتهم ليس بأعداد قليلة العدد ، بل بحشود جماهيرية . هذه الأيام تجري الاستعدادات للزحف من جديد إلى بؤرة " جفعات أفيتار " ، على جبل صبيح في اراضي بلدة بيتا الى الجنوب من نابلس ، وهو زحف احتلال جديد هذه المرة وليس مسيرة كما كان الحال قبل أسابيع . في حينه بدت الخطوة حدثا مثيرا حين نظم مئات المستوطنين ، بمشاركة 20 من نواب الكنيست الإسرائيليين و7 وزراء في حكومة الاحتلال اليمينية ، مسيرة حاشدة نحو البؤرة الاستيطانية ، في رسالة واضحة بأن الحكومة تقف وراء منظمات الارهاب اليهودي ، الذي يتخذ من المستوطنات والبؤر الاستيطانية ملاذات آمنة بحماية قوات الاحتلال ولغيرها من حركات الاستيطان كحركة " نحلاه "  التي كانت قد دعت في وقت مبكر الى تنظيم مسيرة للعودة إلى جعفات أفيتار ، وهو ما استجاب له وزير جيش الاحتلال وسمح في حينه لنحو 30 ألف مستوطن بالمشاركة في المسيرة يتزعمهم وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش ورئيس مجلس المستوطنات في شمال الضفة الغربية يوسي داغان ، الذي وجه رسالة تحذيرية للحكومة ( لم يكن لها ضرورة على أي حال ) ، قال فيها "نحن من جعلناكم في الحكم ، وننتظر منكم أن تحكموا كحكومة يمين ، وتقيموا مستوطنة أفيتار بشكل دائم . هكذا خاطب داغان حكومته ، وفي الحقيقة ، هو لم يخطئ التعبير ، فالمستوطنون أصبحوا يعملون علنا كذراع تنفيذي للحكومة .

حوارة وعلى مقربة منها بؤرة " جفعات أفيتار " ليس المثال الوحيد في المشهد ، الذي تدور أحداثه في وضح النهار وليس في عتمة الليل . مؤخرا غادر حوالي 200 فلسطيني يسكنون في الخيام والمباني المؤقتة في قرية " عين سامية " المكان الذي يعيشون فيه منذ الثمانينيات بسبب عنف المستوطنين ، فقد بدأت معاناتهم من ممارسات المستوطنين قبل نحو خمس سنوات ، وتفاقم الوضع العام الماضي حتى أصبح لا يطاق مع تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو . هذه القرية البدوية تقع بالقرب من مستوطنة “كوخاف هشاحر” والبؤرة الاستيطانية “بلاديم” التي تعتبر المصدر الرئيس للعنف في تلك المنطقة  . وغير بعيد عن " عين سامية " تقع قرية المغير في محافظة رام الله كذلك ، التي يغلق جيش الاحتلال مداخلها منذ عدة اسابيع . هي الأخرى تتعرض كما القرى المجاورة لهجمات مستمرة من قبل المستوطنين ، تتمثل في إرهاب منظم ذهب ضحيته عدد من شبان القرية ، وفي الاعتداء على المزارعين ، وقلع الأشجار ، وإحراق المحاصيل ، وتخريب خطوط المياه . هي قرية باسلة محاصرة ، يتحداها ضابط مخابرات الاحتلال بأن حصارها سيستمر لشهر كامل ، أو حتى يقوم أهالي القرية بالاعتذار من المستوطنين ويتعهدون بعدم المساس بأمنهم وأمن مستوطنيهم ، على حد تعبيره.

بات عنف المستوطنين ظاهرة يومية تجاوزت كل الحدود وكل الخطوط الحمراء وهو يتمدد في جميع ارجاء الريف الفلسطيني بدءا ببلدات حواره وبرقه وبيت دجن وعصيره القبلية وبيتا وقريوت وقصره وجالود في محافظة نابلس والنبي صالح والمغير وعين ساميا في محافظة رام الله والخضر ونحالين في محلفظة بيت لحم وبيت أمر ومسافر يطا  في محافظة الخليل ، التي وضع المستوطنون وحاضنتهم السياسية تهجير سكانها ، في عملية تطهير عرقي يجري التخطيط لها ، على جدول الأعمال ،  الى جانب ما يجري في محافظة سلفيت وفي الاغوار الفلسطينية وخاصة الأغوار الشمالية ، الأمر الذي بات يتطلب من قيادة المقاومة الشعبية الشروع دون تردد في تشكيل لجان الحماية الذاتية والحراسة في جميع هذه البلدات والمناطق ويتطلب من الحكومة نشر قواتها العسكرية والأمنية بلباسها الرسمي في الريف الفلسطيني المستهدف للمشاركة الفعالة في توفير الحماية المطلوبة والضرورية  للمواطنين الفلسطينيين في الريف الفلسطيني .

نطلب الحماية من المجتمع الدولي لم لا ، دون مفاربات غير مفيدة ، وقد طلبناها ذات مرة من الأمم المتحدة بعد أن ارتكب باروخ جولدشتاين عمله الارهابي ضد المواطنين الفلسطينيين الركع السجود في المسجد الابراهيمي الشريف في العام 1995 ، وحصلنا على بعثة مراقبة دولية في الخليل ولم تكن التجربة مشجعة فقد ماتت دون إشهار ودون ان يسير أحد في جنازتها وطواها الزمن والنسيان . نحن أولى بحماية مواطنينا ، وفي ظني ان تحركا جادا ومسئولا في هذا الاتجاه أجدى وأنفع ، وقد حان وقته الآن .