هارتس : الاحتلال مشروع إسرائيل الأكبر !

حجم الخط

بقلم: زهافا غلئون

 

 



لسنا دولة محتلة. نحن احتلال له دولة. الاحتلال هو مشروعنا الوطني الأكبر، وهو يستمر منذ فترة طويلة جداً، حيث لم يعد باستطاعتنا تخيل أنفسنا بدونه. لقد أعطوه كل ما كان لنا وما يوجد لدينا مع معرفتنا بأنه دائماً يريد المزيد. لقد سلبنا روحنا؛ ليس الآن فقط، عندما أراد أيضا ضم ما تبقى من الديمقراطية التي احتفظنا بها لأنفسنا، بل منذ بدايته كرسوم دخول. عرفنا الثمن. كان يمكننا أن نعرف. كان هناك من حذروا. وقد دفعناه مع ذلك بقلوب مرتاحة وطواعية ونحن نغمض عيوننا.
أعطيناه دماء أبنائنا من اجل الأمن، هكذا قلنا، عندما وقعت عملية تلو الأخرى، وكان أولادنا يقومون بأعمال الدورية في أزقة وحقول أجنبية، وكانت حياتهم مستباحة. قمنا بتسمية ذلك "إدارة النزاع" وقص العشب. وقلنا إن هذا هو افضل ما لدينا. بشكل ما كان هذا دائماً أفضل الموجود. ودائماً قمنا "بتغيير المعادلة". نحب تغيير معادلات القوة. نقوم بتغييرها في قطاع غزة منذ عقود. جولات قتال، نسمي ذلك، ونفرض على سكاننا وسكان غزة عيد أضحى سنوياً خاصاً بنا. أيضا المستوطنات نبررها بمبررات أمنية؛ وكأن هناك منطقاً أمنياً في إرسال المدنيين الى داخل منطقة معادية، وكأنه يمكن الحديث بعد ذلك بضمير طاهر بأن الطرف الثاني "يختبئ خلف المدنيين"، وكأن رياض الأطفال أدوات قتالية. هي ليست هكذا، لكن في الأصل نحن الذين تنازلنا أولاً عن المعايير.
قمنا بتجنيد أدمغة قانونية لامعة للاحتلال، خدعت نفسها في التنقيب في قوانين الطوارئ الانتدابية لتبرير السلب وتشريع سرقة كيرم نبوت وتبرير التعذيب والعقاب الجماعي والتفجيرات التي لا تميز. كان القانونيون هناك عندما رقصنا حول السلب من أجل شوارع لليهود فقط، ومعاقبة قرى ومدن بالكامل. وكانوا هناك من أجلنا عندما فحصنا كم سعراً حرارياً للشخص يجب إدخالها الى غزة كي نحافظ عليها دائماً على شفا أزمة إنسانية (بعد ذلك، بالمناسبة، لم نعد بحاجة الى صيغة، فنحن نعرف ذلك تقريباً بالحدس).
لم يكن هناك أي شر لم يتمرغ فيه القانونيون والسياسيون. فماذا إذا قمنا بتوسيخ ايدينا بشكل قليل عندما يكون ذلك من اجل الدولة اليهودية النامية؟!
"جلبت الحكومة اليمينية الكاملة بشكل قانوني تصريحا بأن كل الاستيطان في يهودا والسامرة لا يعتبر جزءاً من دولة إسرائيل، وهو أمر معقد قانونياً"، قالت بسذاجة عضو الكنيست شيرين هسكل (المعسكر الرسمي) في جلسة لجنة المالية التابعة للكنيست. تعرف هسكل الوضع القانوني، لكنها تثق بمصوتيها الذين لا يعرفون. عدد قليل يعرفون، كيف سيعرفون؟ لقد أنتجنا قانونا هو بمثابة ستارة ضبابية. مبنى قوي ومحامون يفعلون فيه ما يشاؤون. يوجد لنا أسطول من المحامين. هم يفعلون كل شيء. من المحاكمة الإدارية وحتى المحاكمة الدولية. هم سيبررون كل شيء. لديهم القوة. عملهم سهل. القضاة لا يقسون قلوبهم أمامهم. صادق قضاة المحكمة العليا على اخلاء تجمعات فلسطينية كاملة من بيوتها في مسافر يطا؛ لأن الجيش بحاجة ماسة الى منطقة تدريب جديدة، يجب أن تكون بالضبط مكان بيوتهم. هكذا هو الأمر. شخص ما دافع عن هذا الموقف في المحكمة، وللأسف وافق قضاة المحكمة العليا على ذلك. وعلى هذا الانغلاق نحن مجندون الآن من اجل الدفاع عن المحكمة العليا التي هي الحاجز الأخير الذي بقي والذي يدافع عن حقوقنا.
قمنا بتجنيد افضل رجال الدعاية لدينا. هذه الوصمة يجب إزالتها. وقد صاغوا من اجلنا نسيجاً من الادعاءات، "هذا معقد" و"وماذا عن سورية"، التي قمنا بتغطية أنفسنا بها بفرح وورع. يوجد لنا أسطول من المفسرين الذين نرسلهم الى المعارك الدولية على كل خارطة تميز بين الضفة الغربية وإسرائيل، لكنهم لا يعرفون كيفية العثور على الخارطة على الأمر الصغير الذي من أجله يحاربون: حدود هذه الدولة. ولأنه ليس بالإمكان بيع الأكاذيب لمواطني العالم وفي الوقت ذاته قول الحقيقة في بيتنا، فقد اضطررنا الى الكذب عليهم أيضا وعلى انفسنا. من السهل أن نصدق. قمنا بتجنيد جميع إنجازاتنا لهذه الحملة، كل إنجاز ليبرالي تحقق هنا بالدم والعرق تم سحبه كي نظهر بأننا على ما يرام، دولة متقدمة، وأن هناك دمجاً للنساء في الجيش، وأنه توجد وجبات حربية نباتية. لذلك، لا حاجة للتحدث أكثر من اللازم عن الجنود الذين يقتحمون البيوت في كل ليلة وعن الاعتقالات الخيالية وعن الاغلاقات والحصار والدماء. لقد قمنا بتسمية هذه الحملة في البداية "إعلام": ألم تفهموا، هذا ليس ما حدث؛ واذا حدث فهذا غير فظيع. هكذا هو الأمر. ولكن في مرحلة معينة قررنا إعادة تصنيف الحملة كـ "نضال ضد نزع الشرعية". وقد استثمرنا الأموال في هذا النضال. وسرعان ما نبتت الزروع في وزارة الخارجية وفي الجيش وفي مكتب رئيس الحكومة. وبعد ذلك بالطبع تم توجيه هذا النضال نحو الداخل. باسمه مثلا، قمنا باستجواب نشطاء من اليسار في مطار بن غوريون، أو "محادثات ودية" مع نشطاء "الشاباك". وقد حولنا مجرد معارضة سياسة للحكومة الى امر غير شرعي، بل لم نفكر لحظة بخطورة ذلك. هناك غسيل وسخ، لكن من المحظور علينا أن نغسله في الخارج، أو حتى في الداخل. ببساطة، يجب عليكم إغلاق الأنف أو التنفس بحرية لأنكم ستتعودون بسرعة على الرائحة.
بالإجمال، نحن جيدون في التعوّد. أخرجت المذبحة في حوارة الإسرائيليين الى الشوارع. شاهدوا يهودا جيدين يقومون بالصلاة أمام اشتعال قرية محترقة ويلحق بها الدمار. في الأسبوع الماضي خرج مستوطنون لإحراق بيوت في جالود. وكالعادة وصلت الشرطة بعد الحادثة. وكالعادة لم يتم اعتقال أي شخص. وصلت قوات الجيش وحرس الحدود. وكالعادة انتهى هذا بإصابة ثلاثة فلسطينيين. قبل ذلك بسنة قام المستوطنون بإحراق خمس سيارات في قرية جالود انتقاماً لعملية اطلاق النار في الخضيرة التي اطلقت النار فيها على جنديين من حرس الحدود وقتلهما. ولكن لا حاجة الى الذهاب الى هناك. قبل أسبوعين غادر نحو 200 بدوي فلسطيني من سكان عين سامية بيوتهم. وقد قالوا بأن سبب المغادرة هو الأولاد. لم يعد بإمكانهم السماح لهم بالعيش في خوف. كانت الهجمات لا تتوقف، وكانت محمية من قبل رجال الشرطة الذين كانوا ينظرون الى الطرف الآخر، وتتم حمايتها من قبل افضل أبنائنا. بعد يومين قام المستوطنون بإحراق كرفان وعدة بيوت في برقة، هذه المرة لم يكن الانتقام بسبب عملية. سكان القرية ارتكبوا ذنباً في استضافة بعثة الاتحاد الأوروبي، عدونا القديم. كل ذلك لم يخرج أي أحد الى الشوارع. نُشر هذا بصعوبة. أيضاً لم يكلف السياسيون أنفسهم عناء التطرق لذلك. أجروا حساباتهم ووجدوا أن هذا ليس الوقت المناسب. ولن يكون ليس الوقت مناسباً في أي وقت.
عندما سار آلاف الشباب الجيدين في مسيرة الأعلام وصرخوا "لتحرق قريتكم" في الحي الإسلامي في شرقي القدس، وعندما تم ضرب الفلسطينيين، قال السياسيون الإسرائيليون لنا كم هذا اليوم مثير لهم. وكم هي مهمة لهم هذه المدينة منذ الطفولة. "هبطت عشرة اقسام من الجمال، أخذ العالم منها واحداً، وأخذت القدس تسعة"، كتب نير بركات في صفحته في الفيس بوك، وتمنى عيداً للقدس وسبتاً سعيداً لكل بيت في إسرائيل، ولم ينبس ببنت شفة عن الضرب والبصق واغنيات الانتقام.
خلقنا لأنفسنا واقعاً بديلاً، وعالماً خيالياً خاصاً بنا. نحن نخلقه من جديد في كل يوم، بالأكاذيب أو التجاهل. نجري لأنفسنا اختبارات الإخلاص الدورية ونعاقب من لا ينجح فيها. تعلمنا جباية ثمن عن كل تقرير عن الاحتلال، كل تطرق اليه أو إشارة الى أن دماء الفلسطينيين هي حمراء مثل دمائنا. يعرف السياسيون والمراسلون ويعملون طبقاً له. هكذا أيضا تبدو وسائل الإعلام لدينا وسياستنا. عندما تتعود على السير بانحناء، وهنا تعودوا على كل شيء، فان الظهر في نهاية المطاف ينحني بشكل تلقائي. الاحتلال هو ابن 56 سنة. حظاً سعيداً.

عن "هآرتس"