ثمة خصلة مميزة للسياسيين الشعبويين، القومجيين وغيرهم، وهي أنهم عديمو القدرة على التنفيذ. فقد تشكلت حياتهم المهنية من خلال التصريحات، الخطابات، الوعود، المبالغات، التحريض بكميات كبيرة أو صغيرة، وقصص وأكاذيب. أما الخطط الحقيقية، المرتبطة بالواقع، فلا تعنيهم أبداً
لقد جعلتهم الشبكات الاجتماعية سطحيين. اقتنعوا حقاً بأن مهنة الحكم نفسها موضوع طبيعي وسهل، فقط إذا ما امتلكوا القوة.
لشدة الأسف، هم يصلون أحياناً إلى القوة ولا تكون لديهم أي فكرة حول ما يفعلونه بها. فالوعود الخيالية تتحطم أمام اضطرارات الواقع. فالأكاذيب لا يمكنها أن تعيد خلق الواقع.
لا يعرف الشعبويون روحهم. كما أنهم لا يعرفون أنهم لا يعرفون. وهم يلوحون المرة تلو الأخرى بذيل الطاووس الملون لديهم، يصرخون بالشعارات، ولسبب ما لا يتغير العالم. بهذا المفهوم فإن إيتمار بن غفير هو ملحق آخر فقط، ملاحظة هامشية، في ظاهرة دولية معروفة.
هذه مواساة محدودة. فإسرائيل تواجه فقدان سيطرة عنيفاً، إجرامياً وجنائياً. المعطيات لا لبس فيها، وليست مفاجئة: عندما عنيت الحكومة السابقة بهذه المواضيع من خلال شخصيات جدية ومجربة، هبطت حالات القتل في الجمهور العربي. السلطات المحلية، أفراد الشرطة، الوزارات الحكومية، أثنوا على المعالجة المكثفة، التي قام بها عومر بارليف ويوآف سغلوبتس في مواجهة الجريمة في البلدات العربية. أما بالنسبة لاستفزازيين مثل بن غفير فيكاد هذا لا يكون مقبولاً. العالم الحقيقي ليس فقط سياسة، ومحاولة لكسب بضع نقاط أخرى في التك توك أو التشهير بوسائل الأعلام.
الناس مع التجربة والقدرات المثبتة يحققون في الغالب نتائج أفضل ممن تنقصهم التجربة تماماً.
لا يصدق أنه ينبغي أن يكتب هذا: من اصطدم في قسم واسع من حياته بسلطات القانون ليس الاختيار الناجح ليكون وزير الأمن الداخلي. رب البيت؟ بن غفير هو رب بيت انهيار استثنائي. ليس رب البيت الحصري بالطبع؛ بنيامين نتنياهو هو المسؤول الأعلى عن الوضع الصادم الذي نشأ في مجال الأمن الشخصي. فقد ترك رئيس الوزراء مصير وزارة مهمة، ذات مغزى، في فترة حرجة، في يدي شخص أُدين المرة تلو الأخرى في المحكمة واختص بالتحريض. لقد فعل نتنياهو هذا إهمالاً، دون أن يفكر بالنتائج.
عززته وأيدته كل أنواع الأبواق في وسائل الإعلام التي تشكل جوقة علاقات عامة لبن غفير.
بن غفير ملزم بالرحيل. الموضوع ليس انعدام تجربته. الساحة السياسية الإسرائيلية لا تعين الوزراء حسب تجربتهم في مجالات معينة. يرتبط الموضوع عنده بما هو طبيعي – نعم، طبيعي – لشخص عمل كل حياته، بشكل عملي تماماً، في تدمير نسيج الحياة المشتركة بين اليهود والعرب، في تحدي سلطات القانون وفي نشر الخطاب العنيف.
مع تسلمه منصبه، كان يمكن لبن غفير أن يختار التمهن، التمركز، الصفحة الجديدة، هو لم يرغب في ذلك، وانشغل بخبز السجناء الأمنيين، وأضاع زمناً على الحماسة، ولم يواصل المشاريع الحرجة التي بدأت بها الحكومة السابقة.
إن إقالة وزير بسبب أدائه موضوع يكاد لا يكون حصل في أي مرة في إسرائيل، من قبل لجنة تحقيق رسمية. فهل دولة إسرائيل، في وضعها الحالي، يتعين عليها أن تنتظر لجنة كهذه؟ مصيبة تجلبها؟ هل يريد نتنياهو أن يحقق معه هناك، وأن يستجوب المرة تلو الأخرى، بأساليب مختلفة ومتنوعة، فما الذي فكرت به بحق الجحيم حين عينته؟
بن غفير ما كان ينبغي له أبداً أن يحصل على بطاقة الدخول إلى الحكومة. هذا بالطبع قول سيقع على آذان صماء في القدس. يمكن الحديث بلغتهم: لعله من الأفضل ترفيع بن غفير. مثلاً، كوزير خارجية سيشكل شخصية تمثيلية دقيقة لهذه الحكومة.
كوزير مالية، من المشكوك فيه أن يتصرف بشكل مختلف عن بتسلئيل سموتريتش. كوزير مواصلات، يمكن لبن غفير أن يتجول في المفترقات وأن يقص الأشرطة وأن يقول إنه رب البيت.
أما على رأس وزارة الأمن الداخلي – وأنا أستخدم عن قصد هذا التعريف، وليس اللقب المنتفخ الذي وجدوه له – فقد جسد انعدام قدرة خطيرة للغاية. يا رئيس الوزراء نتنياهو، المسؤولية هي عليك وفقط عليك.
عن "يديعوت"