بقلم : د.رائد العبادلة
قبل عقدين ويزيد من الزمن ، كانت إسرائيل معرضة لتهديد إستراتيجي من الشرق .وقد قاد البعث السوري والعراقي الدولتين القوميتين بإمتلاكهم جيشان يتمتعان بقوة بشرية ودبابات وصواريخ وأتساع جغرافي قادر علي حماية عمق الدولة الإستراتيجي. ،وفرض هذا التهديد علي الشرق و الشمال الشرقي لحدود إسرائيل أن يكون لها جيش قوي ،وأن تبقي علي تأهب دائم ،وأن تسيطر علي غور الأردن وهضبة الجولان .أضافة لأحتلال الجنوب اللبناني لعقدين من الزمن ، لكن الجبهة الشرقية تلاشت في العقود الأخيرة ، فقد ضرب بوش الأب العراق أولاً،وبعد ذلك أجهز بوش الأبن علي أسقاط نظام صدام حسين، وتوالي سقوط القوميين فتراجعت قوي الجيش السوري .وجاء الربيع العربي ومعه رياح التغيير والأمل فخيل لكثيرين أن إسرائيل لم تعد محتاجة إلي جيش كبير وإلي مناطق سيطرة ،وإلي حياة تأهب .
لَكِنَا إرهاصات أعوام ما بعد الثورات العربية من تغيرات حادة في الشرق الأوسط من أعادة تعزيز الدور الإيراني في كل من العراق وسوريا ولبنان وحركة حماس في فلسطين ،وذلك بعد سقوط نظام صدام حسين ،وهذا ما أنتج محوراً شيعياً متطرفاً قوياً وذو نفوذ وأنتشار جغرافي يستطيع التأثير علي المحور السياسي والأجتماعي والعسكري والثقافي .وفي المقابل شكل الظهور السريع لداعش في هذا المحيط قوة سنية متطرفة ، وبالتالي لا دولة قومية عربية في الشرق ولا جيش عربي قوي لكن توجد فوضي عارمة ومسرح مفتوح لجميع القوي والمخابرات العالمية ،ويعكس هذا الضعف الداخلي للقومية العربية وما أفرزته الأدارة الأمريكية في الشرق الأوسط إلي تغيير الجبهة الشرقية القديمة بإحلال جبهة شرقية جديدة يعمها عدم الأستقرار.
هذه القوي الجديدة الغير مستقرة كانت لفترة قريبه تشكل تهديداً علي الأمن القومي الإسرائيلي لعدم وجود رادع قانوني يحكم هذه الجماعات الإسلامية المتطرفة المنتشرة في العراق وسوريا ، أضافة إلي الأطماع الإيرانية بتعزيز موقعها ونطاق تأثيرها علي المنطقة عموماً ،وعلي الصراع العربي الإسرائيلي خصوصاً وهذا بدوره يشكل تهديداً حقيقياً ومباشراً علي أمن أسرائيل ،ونطاق مصالحها الممتدة والقائمة بالتعاون في مجالات متعددة مع الدول القومية في المنطقة. ولعل هذا الجمع بين سلاح يحكم وجيوش إسلامية متطرفة قد ينشئ زعزعات إقليمية تقترب من حدود إسرائيل .
ومع دخول الأتفاق النووي الإيراني حيز التنفيذ ،والتي سبقها حركة أرتدادية بالتدخل الروسي في الشئون العربية والتدخل المباشر في سوريا وتبني تفكيك القنابل الجرثومية في سوريا بمتابعة أمريكية إسرائيلية روسيا . أضافة إلي تنسيق روسي إسرائيلي في المجال الجوي السوري بشأن أضعاف المعارضة المعتدلة .ويعكس التدخل الروسي في سوريا تراجع لدور الإيراني وبالتالي قطع الدعم اللوجستي المباشر لحزب الله مع أبقاء العراق مفكك ،وقابل لإنفصال الأكراد . ومن جهة أخري يعول المثقفين الإسرائيليين علي تغير داخلي قد يطرأ علي دولة إيران قبل أنتهاء مدة الأتفاق النووي بأن يصبح المجتمع أقل تطرفاً ،وهذه العملية قد تحدث بشكل طبيعي في حال أنضم جيل من الشباب إلي قيادة إيران وأن يحِلْوا محل "الراديكالية المتطرفة" مثل أية الله خامنئي وأن يحل مكانة شخصيات أصلاحية أكثر لبيرالية وبالتالي ينمو في طهران حكم أقل عدائية وتهديداً لإسرائيل وللغرب مما هو عليه الأن
إن هذا التغييرالأقليمي يجعل من الصعب إحراز سلام إسرائيلي فلسطيني، لكنها توجب النخب الأسرائيلية وقيادة اليمين الإسرائيلي عن التخلي بشكل مؤقت عن الأفكار والخطوات المتشددة ،وذلك لسعي إسرائيل في هذا التغييرالأقليمي القائم لتقارب مع الدول السنية الأكثر وسطية ،وذلك لأضعاف التواجد الإيراني في المنطقة ، أضافة إلي أن الدول العربية التي تخشي التمدد الإيراني غير قادرة علي التصدي للمشروع الإيراني ، ليس خارجياً فحسب، بل أيضا علي مستوي تماسك مجتمعاتها وشعوبها ،بالجمع بين التنمية وحقوق المواطن . وبالتالي التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي بحاجة لتصور سياسي جديد يواجه ويتماشي مع التغييرات العميقة التي تحدث حولنا ، فهذا الشرق الذي يتشكل هو في الحقيقة شرق جديد ، يزداد فيه تلاشي الخطر علي إسرائيل بشكل سريع ،وتزداد فيه الحاجة لمزيد من التطبيع وتستحضرني مقولة الكاتب محمد الماغوط في كتاب سأخون وطني ،والتي يقول فيها : " الإذاعة : نؤكد مراراً وتكراراً أمام العالم أجمع أنه لا صلح ، لا أعتراف ، لا مفاوضات .
المستمع: لاتكذبي إني رأيتكما معاً .