حراك سياسي نشط: غزة مركز الأحداث

thumb (1).jpg
حجم الخط

بقلم أشرف العجرمي

 

 

 

نشرت القناة الإسرائيلية الرسمية الناطقة بالعربية «مكان»، قبل أيام، معلومات مفادها أن اتفاقاً بين حركة «حماس» طبعاً والفصائل في غزة وبين إسرائيل حول هدنة طويلة الأمد قيد الإنجاز بوساطة مصرية. وحسب القناة المذكورة، فإن «حماس» وافقت على هدنة طويلة تشمل وقف إطلاق نار كاملاً من قطاع غزة مقابل شروط معيّنة وافقت عليها إسرائيل، منها: تسهيلات اقتصادية، كالسماح بصيد الأسماك بحرية ودون قيود حتى 20 ميلاً، وإدخال بعض السلع والبضائع الممنوعة بحجة الاستخدام المزدوج.
من ناحيتها مصر ستقدم كذلك تسهيلات اقتصادية كبيرة، بالسماح للفلسطينيين باستخدام ميناء العريش للاستيراد والتصدير ليكون صلة وصل مع العالم. وأيضاً فتح معبر رفح على مصراعَيه لتسهيل عبور البضائع بشكل واسع ومتدفق من وإلى قطاع غزة. كما وافقت إسرائيل على فترة هدوء في الضفة الغربية، وتتوقف إسرائيل عن اقتحام المدن والتجمعات السكانية الفلسطينية على أن تتولى الأجهزة الأمنية الفلسطينية مسؤولية حفظ الأمن، كما توقف عمليات استهداف قيادات الفصائل إلا في حالات الضرورة القصوى أو وجود ما تسميه إسرائيل «قنبلة موقوتة». وهذا الاتفاق تم برعاية مصرية وأيضاً بضمانات مصرية. ويبدو أن الولايات المتحدة ضالعة في تفاصيل هذا الاتفاق.
«حماس» نفت صحة الأنباء عن هذا الاتفاق، ولكن يبدو أن هذه الأخبار عنه فيها شيء من الحقيقة؛ لأن عملية تثبيت وقف إطلاق النار كانت تبحث قبل الجولة الأخيرة في أعقاب المعركة التي سبقت هذه. ومعنى هذا الاتفاق في الواقع تثبيت الفصل وإنشاء كيان غزة المستقل الذي لا علاقة له بمآلات المشروع الاستيطاني في الضفة وعملية تهويد القدس إلا من باب الشعارات والمواقف المعلنة.
الملاحظ في هذا الاتفاق غياب دور السلطة والقيادة الفلسطينية؛ فالاتصالات دارت بين «حماس» و»الجهاد الإسلامي» وكذلك تيار محمد دحلان مع القيادة المصرية، وبالتحديد جهاز المخابرات، الذي بدوره أدار المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي. كما أن واشنطن كانت على الخط ولاعباً مشاركاً. وهكذا تصبح السلطة خارج إطار التأثير في مجريات الأمور في غزة. وهذا الوضع يجب البحث فيه معمقاً، لماذا يغيب دور القيادة التي لم تنجح في معالجة الوضع الناشئ عن انقلاب «حماس» وستة عشر عاماً من الانقسام. وقد كانت الانتخابات فرصة ذهبية لبدء عملية إنهاء الانقسام وتم تفويتها. وأيضاً هناك غياب واضح لقيادة منظمة التحرير عن الفعل السياسي الجدي فيما يتعلق برأب الصدع الداخلي، وكذلك في اتخاذ مواقف وقرارات جدية تجاه العدوان الإسرائيلي المستمر، وهي عملياً تترك فراغاً سياسياً يملؤه من يملك القوة على الأرض، والفصائل في غزة وعلى رأسها «حماس»، أصبحت لاعباً رئيساً بحكم امتلاك السلاح والفعل. وحتى عدم مشاركة «حماس» في آخر معركتين مع «الجهاد الإسلامي» في غزة كان أيضاً فعلاً سياسياً بامتياز.
مع ذلك، هناك أحاديث عن مشروع مصري جديد مرتبط بالاتفاق على الهدنة طويلة الأمد التي يتحدثون عنها، والتي يمكن أن ترى النور خلال أيام أو أسابيع قليلة. وهو يتعلق بتشكيل حكومة وحدة وطنية لفترة محدودة تنظم خلالها انتخابات عامة، وعلى ضوئها يعاد تشكيل المؤسسات الفلسطينية التشريعية والتنفيذية، وتحلّ مشكلة الموظفين وغيرها في إطار اتفاق شامل ينهي الانقسام بشكل كامل ويعيد بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية. وليس معروفاً ما هو رد مختلف الأطراف، خاصة «حماس» والقيادة على هذه الأفكار. وإذا صحّت الأنباء حول هذا المشروع لا يجوز بأي حال إفشاله. نحن في أمسّ الحاجة للوحدة لمواجهة مشروع الضم الإسرائيلي الذي يتسارع بشكل كبير جداً بعد انقضاء الشهور التي تم الاتفاق عليها في اجتماع العقبة، وإعلان إسرائيل عن بناء أكثر من 4000 وحدة استيطانية يثبت عدم جدوى هذه الاجتماعات مع الحكومة العنصرية المتطرفة في إسرائيل.
لا ينبغي أن تتخلى القيادة عن دورها المبادر في لملمة الصف الوطني، وعلى الأقل الاستجابة لأي مبادرة من شأنها المساعدة في حل الأزمة الفلسطينية التي تلقي بظلالها ليس فقط على الأوضاع الكارثية التي يعيشها أبناء شعبنا، خاصة في قطاع غزة المحاصر، بل وعلى مستقبل القضية. فلن نستطيع مواجهة المشروع الاستيطاني الإسرائيلي ونحن منقسمون. كما أننا لن نستطيع إقناع العالم بما يشمل الأصدقاء وغير الأصدقاء بأننا مؤهلون لحكم أنفسنا بأنفسنا، وأننا جاهزون لإدارة دولة في ظل الانقسام. فالموضوع خطير جداً ولا يحظى بالاهتمام الذي يليق به. والقادة منشغلون بأنفسهم أكثر من أي شيء آخر. ويفقدون القدرة على التأثير مع الزمن؛ بسبب وقوفهم موقف المتفرج والاكتفاء بالنداءات والمطالبات وتكرار الشكوى.
ينبغي ألا تسمح القيادة بتكريس الانقسام في كيانين منفصلَين، لكل واحد نظام حكمه الخاص وهمومه ومشكلاته. فدولة غزة ستصبح لها إيراداتها التي ستجبى من البضائع التي ستدخل عبر مصر ولا تمر بالمقاصة الإسرائيلية، وسيقلّ بشكل كبير تدخل الفصائل بما يجري في باقي الأراضي المحتلة. والسلطة ستبقى فقط في الضفة الغربية في حالة ضعيفة تعاني من مشكلات كبيرة اقتصادية وأمنية، وتتدهور مكانتها في أوساط الشعب الفلسطيني بصورة تفقد فيها التأييد الشعبي لأنها عاجزة، ولأن القيادة تعيش حالة انتظار طويلة تتلاشى فيها قدرتها على التأثير بسبب التخلي عن دورها القيادي في مرحلة بالغة الحساسية.