مسمار أخير في نعش "حلّ الدولتين"؟

image_processing20230227-291924-izeami.jpg
حجم الخط

بقلم أنطوان شلحت

 

لا ينبغي أن نملّ من تكرار التذكير بأنه في خضمّ انشغال الجميع بخطّة الحكومة الإسرائيلية الحالية الرامية إلى إضعاف الجهاز القضائي، وتفكيك ما تُعرف بالضوابط والتوازنات بين سلطات الحُكم الثلاث، بما يفضي إلى سيطرةٍ شبه مطلقة للسلطة التنفيذية على السلطتين الأخريين، اتّخذت هذه الحكومة خطوة وصفت، حتى إسرائيليًا، بأنها دراماتيكية من شأنها أن تؤشّر إلى وجهة إسرائيل الحالية في ما يتعلق بملف الاحتلال في أراضي 1967 والقضية الفلسطينية عمومًا.

 

والقصد، مثلما أشار الكاتب في مقالاتٍ سابقة، مصادقة الهيئة العامة للكنيست في أواخر مارس/ آذار الفائت بالقراءتين الثانية والثالثة على تعديلٍ ينصّ على إلغاء أجزاء من "قانون فكّ الارتباط" من عام 2005، ما يسمح للمستوطنين الإسرائيليين بالوجود في مناطق في شمال الضفة الغربية تم إخلاؤها قبل 18 عامًا، في إطار تلك الخطّة التي انطوت، في حينه، على إخلاء مستوطنات غوش قطيف في قطاع غزة وأربع مستوطنات في شمال الضفة.

 

وقد تمّ الاتفاق على هذا الإلغاء من خلال الاتفاقيات الائتلافية، وتمثّل الهدف المباشر منه في أن يقنّن بالأساس مكانة تلاميذ مدرسة دينيّة في البؤرة الاستيطانية العشوائية "حومش" التي أخليت في 2005. وأقيمت هذه المدرسة في إطار تصميم المستوطنين على التلويح بـ"عالمٍ مجازي" في الظاهر، يدلّ على ما يعتبرونه عبث تفكيك المستوطنات في أراضي 1967، فجاء هذا التعديل القانونيّ المُقرّ ليجعله وجودًا واقعيًا غير مؤقّت.

 

وعلى مدى الفترة القصيرة منذ هذا التعديل، رسّخ أكثر فأكثر التقدير الذاهب إلى أن الغاية الأبعد منه أن تدقّ الحكومة الراهنة مسمارًا أخيرًا في نعش ما يُعرف باسم "حلّ الدولتين"، من خلال إعلان أن تفكيك أي مستوطنةٍ في الأراضي المحتلة، على غرار ما كان وفقًا لخطّة فك الارتباط، لن يتكرّر أبدًا.

 

وهذا ما أكّده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في مقابلة أدلى بها إلى شبكة فوكس نيوز قبل عدة أيام، حيث طُلب منه التعقيب على بيان لوزارة الخارجية الأميركية اعتبر قضية بؤرة "حومش" بمثابة انتهاك لتعهّدات قطعتها إسرائيل على نفسها في مقابل إدارة الرئيس السابق جورج بوش، إذ قال: "هذا بمثابة تأييد لتطهير عرقي إزاء اليهود في وطنهم التاريخي". وكان نتنياهو وصف، عام 2016، إمكان إخلاء مستوطنين يهود من الأراضي المحتلة منذ 1967 بأنه بمثابة "تطهير عرقي"!

 

وعلى سيرة خطّة فك الارتباط، لوحظ أنه إثرها تعزّز توجّه اليمين الإسرائيلي نحو استملاك خطاب حقوق الإنسان بغية تحقيق عدة أهداف، أبرزها: إنهاء احتكار أيّ جهة يسارية مسألة حقوق الإنسان في إسرائيل؛ تحسين صورة دولة الاحتلال. وأخذت منظمّات يمينية تلجأ إلى ادّعاء فحواه أن إخلاء المستوطنين اليهود من بيوتهم بالقوة يُعدّ مخالفًا لخطاب حقوق الإنسان. وفي الأعوام الأخيرة، استخدم معارضو حلّ الدولتين خطاب حقوق الإنسان ضد إخلاء مستوطنين يهود من منطقة محدّدة كي تُقام عليها دولة فلسطينية متجانسة سكانيًا.

 

بالتوازي مع إيراد هذه الوقائع التي بالإمكان أن نعدّها مستجدّة في الفترة الراهنة، ثمّة حاجة إلى التنويه بأن إسرائيل تستخدم المستوطنات في الضفة الغربية منذ احتلال 1967 لتحقيق هدف كبح قيام دولة فلسطينية. وهو هدفٌ وقف وراء كل مشاريع التسوية التي جرى تداولها، ولم تتجاوز كلّها غاية تقطيع أوصال الحيّز العام في الضفة الغربية تحديدًا، لجعل مثل هذه الدولة بمثابة جيوبٍ منفصلة، يكون الحكم الذاتي لها محدود الصلاحيات والموارد الرئيسية، سيما الأرض والمياه.

 

وفي تقرير جديد لإحدى منظمّات حقوق الإنسان ورد توصيفٌ دقيق لتوزيع الأدوار بهذا الشأن بين دولة الاحتلال والمستوطنين على النحو التالي: الدولة هي من تُبادر وتخطّط وتسرق الأرض الفلسطينية وتتولى مهمّات البناء والتوطين، والمستوطنون يمضون عدة خطوات إلى الأمام، فيما يبدو أنه مخالفٌ للخطة الرسمية ولعدّة قوانين. وسرعان ما تغفر الدولة وتصادق بأثر رجعي، وتبادر إلى خططٍ جديدة، والمستوطنون بدورهم يسرقون المزيد من أراضي الفلسطينيين... وهكذا دواليك.