منذ أن عاد نتنياهو الى رئاسة حكومة تحالف جديد، بشراكة تقريرية من حزبي الإرهاب بقيادة سموتريتش وبن غفير، وهو يعيش في "دوامة سياسية" لم يعرفها كثيرا في مسيرته الحزبية، بل أنها الأصعب بما فيها خسارته الانتخابات التي سبقت فوزه الأخير.
الفوز الانتخابي وتشكيل تحالف حكومي ملامحه تكريس مفاهيم خطيرة، فتح جبهة رفض واسعة، بعدما اعتبر غالبية متقاعدي المؤسسة الأمنية، بمختلف مصنفاتها، قبل الساسة المعارضين، بأنه تحالف يحمل صفات فاشية، تهدد مستقبل دولتهم وكيانهم، وتطرح إمكانية خيار "حرب أهلية"، وكأنه قادم لا راد له سوى ذهاب ذلك التشكيل الغريب، نقاش ما كان يمكن أن تسمع أي من مفرداته بذلك الوضوح الكامل قبل ذلك التكوين الغريب.
ورغم "الصدمة الجماهيرية الواسعة" رفضا لتحالف هو الأخطر سياسيا على دولة الكيان، جاءت صفعات متتالية دون ضجيج عام، من الولايات المتحدة الأمريكية، في رسائل حملت "كود الرفض العملي" للتحالف الحكومي، بدأت بترجمة تلك الرسائل بخطوات محددة، تجسدت في عدم استقبال بن غفير وسموتريتش رسميا، رغم قيامهما بزيارة أمريكا، وتلك كانت مفاجأة أولى.
ولكن المفاجأة التالية، الامتناع عن استقبال نتنياهو في البيت الأبيض، وتلك مثلت "صفعة مفاجئة" ونادرة تحدث، وأصابته بصداع سياسي فتح باب الارتباك، أكملته تصريحات غالبية قادة المؤسسة الأمريكية برفض صريح لخطة تحالف الحكم في الكيان، حول ما يعرف بـ " إصلاح القضاء"، وكان آخر المتحدثين نائب الرئيس الأمريكي كاميلا هاريس، بطلبها وقف تلك الخطة، ما اثار غضب حكومي إسرائيلي، خاصة من قبل وزير خارجية الكيان كوهين، فخلق "ازمة ديبلوماسية" حاول لاحقا التراجع توضيحا.
رفض استقبال البيت الأبيض لرأس التحالف الحاكم، لم يقف عن حدود "الغضب والتذمر"، لكنه انعكس سلوكا وممارسة بمنع لقاء وزير جيش الكيان بنظيره الأمريكي في بلد أوروبي وليس بواشنطن، تأكيدا أن طريق تل أبيب – واشنطن لا زال مغلقا الى حين.
مقابلها، دعا الرئيس الأمريكي بايدن رئيس الكيان هرتسوغ لزيارة البيت الأبيض، كـ "صفعة ناعمة" لمن يقف منتظرا هاتف الدعوة.
ولكن، الصفعة الأكبر، جاءت من خلال نسج "مؤامرة" تقزيم نتنياهو من خلال "أدوات ذاتية"، لا تبدو واشنطن طرفا مباشرا فيها، عندما قام بعض من كبار أعضاء الليكود في الكنيست بالتصويت، للجنة اختيار القضاة، لصالح ممثلة المعارضة كارين الهرار من حزب "هناك مستقبل" برئاسة يائير لابيد، تصويت اعتبره البعض "قنبلة سياسية"، وتمرد بصوت عال من البيت الداخلي وكأنها جرس إنذار مبكر جدا، بأن نتنياهو لم يعد ملك مستقبل التكوين الحكومي، بل البقاء أصبح في منطقة أخرى.
رسالة انتخاب الهرار، توقيتا، توافقت مع تطورات متسارعة تتعاكس مع "طموح نتنياهو"، الذي بناه كثيرا جدا على عودته الأخيرة، ومن أبزرها، تأجيل "ملتقي النقب" للمرة الرابعة خلال فترة زمنية قصيرة، وقبلها تراجع دولة الإمارات عن استقباله في أبو ظبي، رغم أن حركة التطبيع بمختلف المجالات تسير بسرعة واضحة بين الطرفين، دون ان يكون شخص نتنياهو حاصدا لـ "الذهب الشخصي".
فيما الرهان على التطبيع مع العربية السعودية تراجع كثيرا، رغم التودد غير المسبوق من قبل رأس التحالف في الكيان، بل ان الرياض بدأت تضع "شروطها الخاصة" لإتمام ذلك، شروط لن يستطيع نتنياهو قبولها، وخاصة ملفي "القضية الفلسطينية" و "النووي السعودي".
وبالتوازي، تسير المحادثات الأمريكية – الإيرانية نحو صناعة "اتفاق محدود"، ما يمثل ضغطا مضافا على حكومة التحالف الفاشي ورئيسها نتنياهو، ورغم تصريحات وزير خارجية الولايات المتحدة "اليهودي" بلينكن، حول فرملة مسار الحركة الإخبارية عن الاتفاق، لكن المشهد يختلف عن النفي، ما دفع بعض أركان دولة الكيان للحديث بالانتقال من لغة الرفض الى لغة "التشريط"، ما يمثل أيضا خطوة حصار جديدة لنتنياهو.
مجمل المؤشرات العلنية، مع عشرات صغيرة داخلية لا تعلن تحدث داخل الكيان، وتحالف الحكم وبالتحديد حزب الليكود، توضح أن الولايات المتحدة، تسير بخطى غير "متصربعة" نحو محاصرة نتنياهو، ولن تقف منتظرة انعكاسات مسار تحالفه الفاشي على دولة الكيان وأثره على المحيط الإقليمي.
هل وصلت الرسالة الأمريكية الى نتنياهو..بالتأكيد نعم..ولكن هل يمكنه التعايش معها، فتلك معقدة جدا وخاصة أن خياره لم يعد ملكا لقراره بل لقرار تحالف لا يرى سوى تحت قدميه..ما سيفرض شكلا من اشكال "الانفجار الذاتي"..والذي قد لا يطول.
ملاحظة: تقارير واشنطن بوست وسي إن إن حول هدم منازل الفلسطينيين وحماية جيش الاحتلال للمستوطنين الإرهابيين خطوات مهمة وشهادات ميدانية من إعلام ليس منحازا لفلسطين...مش غلط ارفاقها في ملف مطاردة دولة العدو في الجنائية الدولية.
تنويه خاص: خبر مضيفة الطيران على رحلة إيرلندية وهي بتعلن للركاب ..أهلا بكم في فلسطين المحتلة، وما احدثه من حالة تفاعلية داخل الكيان وإعلاميا دوليا خدم فلسطين أضعاف من كلام البرم الفصائلي.