حديث المعدومين...!!

عيسى قراقع
حجم الخط

* اطلق الجنود الإسرائيليون رصاصة على قدمي، وقعت على الأرض، احاط بي المستوطنون ورقصوا حولي، هتفوا: اقتلوه...اقتلوه ، الموت للعرب، توقعت ان تصل سيارة إسعاف وان انقل الى العلاج بعد ان أصبحت غير قادر على الوقوف والحركة، انزف الدماء، وفجأة استجاب احد الجنود للهتاف، واقترب مني، ومن مسافة صفر اطلق الرصاص بغزارة على رأسي وصدري حتى سقطت شهيدا وسط الابتهاج الهستيري والاحتفال بموتي.

انا الشهيدة هديل الهشلمون، قتلوني عندما حاولت عبور الحاجز العسكري للدخول الى البلدة القديمة في الخليل يوم 22/9/2015، اوقفني الجنود، لا شيء معي، ارادوا ان اخلع النقاب فرفضت، ودون نقاش اطلقوا عليّ عشر رصاصات وعن مسافة 3 أمتار، سبعة منها في الجزء العلوي من جسمي، وثلاثة في الجزء السفلي ، أعدموني واقفا مندهشا مطرزا بالرصاص والموت.

القتل من اجل القتل، القتل العمد وبدون أسباب، لمجرد الاشتباه او عدم الاشتباه، القتل دون تمييز على نساء ورجال وأطفال، الضغط السهل على الزناد، القتل حتى لو لم يكن هناك خطرا على الجنود ، فكل جندي على هذا الحاجز او ذاك صار محكمة وجلاد في آن واحد، هناك نزعة انتقام ومقصلة متحركة تلاحق الفلسطينيين.

انا الشهيد محمد عطا ابو لطيفة، سكان مخيم قلنديا للاجئين، أعدمني جنود الاحتلال يوم 27/11/2015 من مسافة صفر، عندما لاحقوني والقوا القبض عليّ مصابا بثلاث رصاصات انزف الدماء، وقعت في إحدى زوايا المخيم في تلك الليلة الموحشة، اقترب جندي مني، اطلق الرصاص على صدري، توقعت انه سوف يكلبشني ويعتقلني، لكنه أعدمني في ذلك البرد الشديد.

القتل بدل الاعتقال، سياسة إسرائيلية ممنهجة، ووفق تعليمات إسرائيلية رسمية، استباحة للدماء، استجابة لقرار قائد شرطة لواء القدس ( موسى إدري) الذي اصدره و يقضي بحكم القتل على اي فلسطيني حتى لو كان بالإمكان تحييده او السيطرة عليه، واستجابة لقرار وزير الأمن الداخلي (جلعاد اردان) الذي هدد ان كل فلسطيني لن ينجو من القتل سواء حمل مفكا او سكينا او اصدر اي حركة معينة، فيجب اطلاق النار عليه وقتله.

انا الشهيد فادي علون، أعدموني يوم 4/10/2015 في القدس المحتلة، طوقني الجنود والشرطة والمستوطنون، وكانت هناك جوقة متطرفة تطالب وتحث على قتلي، رقصوا حولي مشهرين أسلحتهم، كان بإمكانهم القبض عليّ بسهولة ، وقد استجابت الشرطة لنداء و هتاف المستوطنين المتطرفين، فأطلقوا النار عليّ وقتلوني دون رحمة، سبع رصاصات اطلقت عليّ، لم يكتفوا بواحدة، شنّوا حربا على جسدي.

الإعدام الميداني التعسفي ، القتل خارج نطاق القضاء، هي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين تحت حجج وذرائع واهية، جعلت من كل مسلح اسرائيلي محكمة متنقلة، تصدر قرار الإعدام الميداني بحق اي فلسطيني بمجرد الشك.

انا الشهيد طارق زياد النتشة ، سكان الخليل، أعدمني الجنود الإسرائيليون يوم 17/10/2015 عند مدخل شارع الشهداء في الخليل، تركوني انزف الدماء بعد إصابتي ولمدة (40) دقيقة دون علاج او السماح لسيارات الإسعاف بالاقتراب مني، كنت حيا وصاحيا، وبقيت انزف الدماء حتى سقطت شهيدا، ورأيت المستوطنين يوزعون الحلوى مبتهجين بموتي البطيء أمامهم قطرة قطرة، حتى آخر شهقة صعدت مني.

هو تقديس الموت، غياب النزعة الأخلاقية والإنسانية، التدني والفساد في كل المعايير والقيم القانونية والثقافية والإنسانية في السلوك والفكر الإسرائيلي، الخوف والجزع والتطرف العنصري، وعدم رؤية الحياة.

انا الشهيدة مهدية محمد إبراهيم حماد، سكان قرية سلواد قضاء رام الله، أعدمني جنود الاحتلال يوم 15/12/2015، وابل كالمطر من الرصاص اطلق على سيارتي التي اقودها على مدخل البلدة ، ودون سابق انذار، وعن بعد 30 مترا قتلوني، وتركوني اتجرع الموت دون السماح لطواقم الإسعاف من الوصول والاقتراب ، صارت مركبتي قبرا غارقا في الدماء.

القتلة تحولوا الى أبطال إسرائيليين، تمجيدا للبربرية الاسرائيلية بعد ان فقد المجتمع الإسرائيلي إحساسه الإنساني، التعطش للدماء، قناصة مقنعون ينتشرون على الحواجز والمداخل يصطادون قتلاهم وأهدافهم بدقة مميتة ، والأكثر خطورة ان الضمير الثقافي لا يرتجف في إسرائيل امام مشاهد الإعدام المستمرة.

انا الشهيد عبد الله عزام شلالدة، سكان قرية سعير قضاء الخليل، أعدمتني وحدات المستعربين الاسرائيلية (فرق الموت) يوم 12/11/2015 بعد ان اقتحمت المستشفى الأهلي في الخليل ، وداخل غرفة المستشفى اطلقوا عليّ خمس رصاصات قاتلة، تركوا جثتي مضرجة بالدماء واختطفوا ابن عمي الجريح عزام. كان فجرا داميا وطويلا وبلا نهار.

مؤسسات حقوق الإنسان مصدومة مما يجري بحق الفلسطينيين، وقد اتهمت الحكومة الاسرائيلية بالتشجيع على الإعدام والاستهانة بحياة البشر ، وان عمليات الإعدام تأتي ضمن سياق الخطاب المتوافق لقادة إسرائيل وأعضاء الكنيست الداعية الى قتل الفلسطينيين ، والأكثر ان اتفاقيات جنيف مصدومة ايضا من اغتيال أحكامها ونصوصها التي تعتبر الإعدام خارج نطاق القضاء جرائم حرب وتدعوا الى حماية السكان المدنيين.

انا الشهيدة الطفلة أشرقت طه قطاني- 16 سنة-، سكان مخيم عسكر قضاء نابلس ، أعدمني جنود الاحتلال يوم 22/11/ 2015 بعد ان قام رئيس المجلس الاستيطاني المدعو (غرشون مسيكا) بدهسي بسيارته ، وبعد إصابتي بجروح خطيرة اطلق الجنود الرصاص عليّ ومن مسافة قريبة، وظلوا يطلقون الرصاص حتى تأكدوا من موتي.

إطلاق الرصاص على الأطفال، على الأجزاء العلوية من الجسد، استخدام أسلحة محظورة دوليا، رصاص روجر، رصاص الدمدم المتفجر ضد راشقي الحجارة، يسقط الأطفال كالفراشات، هناك صمت، هناك الطفلة هديل عواد تركض في شوارع القدس خائفة يصطادها الموت، وهناك الطفل احمد مناصرة يهشمون راسه علنا امام الكاميرا حتى تنفجر الصورة غضبا.

انا الشهيد الطفل عبد الرحمن عبيد الله، 13 سنة، سكان مخيم عايدة للاجئين، أعدمني قناص اسرائيلي بإطلاق رصاصة من نوع دمدم على قلبي، سقطت تحت علم الامم المتحدة المرفوع فوق مركز وكالة غوث اللاجئين، حقيبتي المدرسية وكتبي امتقعت بالدماء... شاهدت القناص واحتفظت بصورته في بؤبؤ عيني.

حديث المعدومين يطول ويطول، فالموت مستمر في كل البلدات الفلسطينية، صوت الدماء والأرواح تدوي على الأرض وفي أعالي السماء، شهداء يسقطون ويسقطون ، كتبوا وصاياهم على التراب وعلى الأرصفة ، ويتساءلون اين المحكمة الجنائية الدولية؟؟؟

حديث المعدومين

مطرا مطرا..

على ارض النبوءات والحياة..

لغة العائدين شهودا..

على الجناية والجناة..