غادر قطار السلام الإسرائيلي – السعودي لتوه المحطة، وانطلق في طريقه، لكنه يتقدم بوتيرة سعودية: خطوتين إلى الأمام وخطوة إلى الوراء، ولا يزال غير واضح متى بالضبط سيصل إلى غايته.
السعوديون حذرون، على عادتهم، ويتحدثون بصوتين: يعبرون عن التأييد وعن الأمل في تطبيع علاقاتهم مع إسرائيل كونها حجر زاوية في الجهد لضمان الاستقرار في المنطقة، لكن في الوقت ذاته يطرحون رسمياً شروطاً تجعل تقدم العلاقات بين الدولتين صعباً، إن لم يكن متعذرا.
إلى جانب ذلك، يمنحون عناقاً حاراً لأعضاء "محور الشر" الشرق أوسطي ابتداء من سورية وانتهاء بإيران، اللتين استأنفوا معهما مؤخراً العلاقات الدبلوماسية بعد قطيعة طويلة.
لكن رغم الضباب والغموض، السؤال على جدول الأعمال ليس إذا كان السلام الإسرائيلي السعودي ممكناً أو حتى مرغوباً فيه. فهذا الروبيكون اجتازه السعوديون منذ الآن.
السؤال هو كم سريعاً سيحصل الأمر. تتقدم علاقات الدولتين ببطء لكن مع ذلك يتواصل الزخم.
هكذا، مثلاً، يسمح السعوديون لشركات طيران إسرائيلية بالتحليق في سماء المملكة وقريباً سيتم تفعيل خط طيران مباشر بين الدولتين بنقل الحجاج إلى مكة في موسم الحج.
وما هو مهم بقدر لا يقل أن التعاون والحوار في مجالات الأمن مستمران في مسارهما والمنقطع عن الدبلوماسية العالمية المتعثرة.
حقاً إن الأمل في اختراق سريع في العلاقات بين الدولتين خاب، وبدلاً من سفارة إسرائيلية فتحت في العاصمة السعودية سفارة إيرانية. ومع ذلك، من ناحية السعوديين ليس في هذا أي تناقض؛ إذ إن استئناف العلاقات مع إيران لا ينبغي له أن يأتي على حساب استئناف العلاقات مع إسرائيل بل العكس، فهو قد يسهل خطوة في هذا الاتجاه.
يواصل السعوديون رؤية إيران بمثابة تهديد وجودي ولا يثقون بها. لكنهم يفضلون إدارة الخصومة معها بينما تقيم الدولتان علاقات دبلوماسية بينهما وليس ثمة وضع مواجهة جبهوية وعلنية. فبعد كل شيء، حين هاجم الإيرانيون في السنوات الأخيرة ناقلات ومنشآت نفط سعودية بقي السعوديون وحدهم. فقد امتنعت واشنطن عن المجيء لنجدتهم، وليس للسعوديين أي رغبة في العودة للانجرار وحدهم إلى مواجهة مع طهران.
لكن مثل الإمارات، التي تقيم علاقات صداقة مع بشار الأسد ومع الإيرانيين وفي الوقت ذاته تتقدم في العلاقات مع إسرائيل، فإن السعودية أيضاً لا ترى أي تناقض بين الأمرين.
غير أنه يجدر بالذكر أنه لا توجد في الشرق الأوسط وجبات مجانية، والسعوديون يتوقعون مقابلاً لها.
المشكلة هي أن الولايات المتحدة هي التي يفترض أن تدفع، قسما على الأقل، من المقابل، لكن واشنطن لا تبدي حماساً لعمل ذلك. يواصل الأميركيون انتقاد النظام السعودي على خرق حقوق الإنسان، وليسوا متحمسين ليزودوا السعوديين بسلاح متطور، أو أن يتقدموا في برنامج نووي سعودي.
الأمور متعبة، وحقيقة أن إسرائيل آخذة في الغرق في مشاكلها الداخلية لا تساعد. لكن من المحظور علينا أن نتخلى عن السعودية. فهذه دولة محور مهمة، بل لعلها الدولة العربية الاهم اليوم في العالم العربي. سلام إسرائيلي سعودي سيبشر بنهاية النزاع الإسرائيلي – العربي وفي الوقت ذاته سيوجه ضربة قاضية لصراع الفلسطينيين ضد إسرائيل.
السعوديون، مثل باقي الدول العربية، ملّوا الفلسطينيين. لكن للسعودية طموحات قيادية للعالم الإسلامي، وحكامها ملتزمون بالانصات للأصوات الداخلية من الرأي العام ومن المؤسسة الدينية السعودية التي تشكل مدماكاً مهماً في مبنى هذه الدولة.
من هنا يأتي الحذر الزائد، بل الخوف من الاقتحام إلى الأمام. وفضلاً عن هذا، بخلاف الأردن أو المغرب اللذين يقيمان علاقات وحواراً أمنياً حميماً مع إسرائيل منذ عشرات السنين لا توجد في الحالة السعودية تقاليد علاقات بين الدولتين للاستناد إليها.
لا حاجة لنكون متفاجئين إذا ما بشرنا مع ذلك باختراق بين القدس والرياض، ولكن من المعقول أكثر توقع التقدم الحذر في أفضل الأحوال. وبعد كل هذا حتى لو تلبث، فان السلام بين إسرائيل والسعودية لا بد سيأتي.
عن "إسرائيل اليوم"