الإخفاق في تعيين القضاة والانهيار الداخلي الإقليمي والدولي

حجم الخط

بقلم خالد خليفة

 

انتخابات مثيرة وسرّية في الكنيست الإسرائيلي، يوم الأربعاء 14\6\2023، استطاعت المعارضة المناوئة لبنيامين نتنياهو انتخاب النائبة كارين الهرار كعضو من حزب من ييش عتيد في لجنة تعيين القضاة .


حيث وجهت ضربة قاسية للائتلاف الحكومي، المتمثل بأربعة وستين عضوًا في الوقت الذي أخفق فيه حزب نتنياهو في انتخاب مندوب له في تلك اللجنة.


ويُعتبر هذا التعيين جزءًا هامًا ضمن الإصلاحات الدستورية التي ينوي حزب الليكود تنفيذها، إضافة إلى إصلاحات أخرى، وتتكون لجنة تعيين القضاة من وزيرين في الحكومة القائمة والمحسوبة على نتنياهو بالطبع، إضافة إلى نائبين الأول من المعارضة حيث انتخبت الهرار مندوبة عنها والآخر من الائتلاف الذي لم يستطع انتخاب عضوٍ له.


حيث لم يتمّ الاتفاق على التصويت للنائب كرويزلر من حزب بن غفير، كون النائبة غوطليف من حزب الليكود نافسته على نفس المنصب، إضافة إلى اثنين من أعضاء نقابة المحامين، وهما عضوان في لجنة تعيين القضاة إضافة إلى ثلاثة قضاة آخرين.


وينتظر العديد من المراقبين انتخابات نقابة المحامين في العشرين من هذا الشهر والى أين تتجه الرياح، وهل ستكون في تأييد الحكومة أو ضد اصلاحاتها، كما ينتظر الجميع شهر أكتوبر/ تشرين الاول المُقبل، عندما تستقيل رئيسة المحكمة العليا ايستر حيوت، وينتخب قاض آخر للمحكمة العليا، ويمكن القول إن بنيامين نتنياهو قد أصبح بخططه وبإصلاحاته الدستورية تحت المجهر في الرأي العام المحلي والدولي، ففي الخامس عشر من يوليو/ تموز المُقبل سوف تذهب الكنيست إلى عطلة صيفية طويلة حتى منتصف أكتوبر/ تشرين الاول المُقبلُ الامر الذي ستعاد فيه التحديات السياسية الداخلية القيمية والدولية لحكومة نتنياهو المأزومة.


فعلى صعيد الاحتجاجات التي باتت عاملًا هامًّا في مواجهة سياسته، فقد بات من المؤكد أن المعارضة ستستمر في هذه الاحتجاجات ضد سياسة الحكومة، الامر الذي يؤرق منامه ويشتت باله.


هذا وقد بدأت هذه الاحتجاجات تأخذ طابعًا منظمًا وتعطي الانطباع بأنها تحقّق أهدافها السياسية ضد حكومة نتنياهو وسياستها، بحيث انضما إليها أجزاء كبيرة من المجتمع المدني الإسرائيلي، إضافة إلى القوى الأمنية واقسام عديدة ومختلفة من قوات الجيش، على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي ما زال منظومة متكاملة وغير منقسمة ومنشقة، وفق رأي بعض المحللين وعلى رأسهم الجنرال المتقاعد عاموس جيلعاد، وهنالك من لا يوافقه الرأي ويقول إن الانقسام في المؤسسة الأمنية بات أيضًا وشيكا لازدواجية القرارات العسكرية، سواء كان ذلك في الضفة الغربية أو تجاه دول أخرى.


أما عدم الاستقرار السياسي في المجتمع الإسرائيلي، فقد بات مؤكّدًا، ولا يعلم أحدٌ كيف يمكن أن يحل أمر هذا الانقسام.
وكان الرئيس الإسرائيلي السابق رؤوفين ريفلين، الذي أنهى مَهام منصبهِ قبل عامين، قد ركّز خلال سبع سنوات من منصبه على خطاب الاسباط، بحيث نادى أبناء المجتمع الإسرائيلي بالتعاون والمشاركة ما بينهما كأسباط وفئات مختلفة.

 

أمّا ما نراه اليوم فهو انقسام وانشقاق واسع النطاق في هذا المجتمع الإسرائيلي، الذي يقوده نتنياهو وإصلاحاته والذي عمل على جمع اجزائه العديدة من السياسيين الإسرائيليين على مدى عشرات السنين.

 

وعلى الصعيد الداخلي أيضًا هنالك الانهيار الاقتصادي واسع النطاق الذي جاء نتيجةً حتميةً للإصلاحات وعدم الثقة الدولية بالمخططات الدستورية الإسرائيلية، فعلى نطاق الاستثمارات في الهايتك فقد تراجعت تلك الاستثمارات التي وصلت في عام 2021 الى 42 مليار دولار، حيث تراجعت اليوم إلى أقل من 8 مليارات دولار، وهنالك جمود كبير في أي استثمارات كبيرة في الهايتك الإسرائيلي من الخارج.


حيث بدأت كافة الشركات تسحب استثماراتها إلى دول أوروبية وآسيوية مختلفة، ولا تأتي إلى هنا أي استثمارات جديدة، وتساور الإدارة الامريكية شكوك كبيرة في نوايا نتنياهو حيث تعتبر أيضًا عاملًا مساعدًا في سحب مثل هذه الاستثمارات من اسرائيل إلى الخارج.


ويسود العلاقات الامريكية الإسرائيلية أيضا فتور دبلوماسي واسع النطاق، , بحيث أبلغت تلك الإدارة عبر الناطق في البيت الأبيض بأن زيارة نتنياهو هناك غير مرغوبة في هذه الظروف.

 

وكان رئيس مجلس الامن القومي الأمريكي جاك ساليبان ووزي الخارجية انطوني بلينكن ورئيس الـ CIA قد زاروا إسرائيل في مطلع انتخابه، حيث تأكدوا أن نتنياهو ماضٍ في الإصلاحات الدستورية، وكان تركيزهم على علاقاتهم مع إسرائيل مبالغ فيه، بحيث نسوا الطرف السعودي الذي نسج في غفلة منهم علاقات مع إيران بوساطة صينية.


الامر الذي أدى أيضًا إلى تعميق الازمة وسياسة الانعزال الامريكية في الشرق الأوسط.


حيث تحول هؤلاء السياسيون الأمريكيون إلى مهزلة عندما زاروا قبل شهر العاصمة السعودية الرياض، وكان مطلبهم إرساء تطبيع سعودي مع إسرائيل، في الوقت الذي تعمّقت فيه العلاقات السعودية الإيرانية وأصبح الهامش الأمريكي والاسرائيلي في الخليج ضعيفًا أيضًا.


أما على الصعيد الإيراني فقد أصبحت سياسة نتنياهو هي أيضًا خاوية اليدين وبدون أي رصيد.

 

حيث أن تهديداته طويلة الأمد بضرب إيران ومفاعلها النووي، باتت بدون أي رصيد، حيث كانت تهدف في الماضي إلى الهيمنة الإقليمية أما اليوم فإنها تهدف إلى التواجد الإقليمي وبقاء إسرائيل لاعبًا إقليميًا في المنطقة في الوقت الذي تتصاعد فيه قوة إيران الاستراتيجية.


وقد بات من المؤكد في هذه الأيام أن الإدارة الامريكية تتجه نحو تفاهمات مؤكدة مع الحكومة الإيرانية لمنعها من تخصيب الأورانيوم حتى نسبة 60% .

 

وجاء ذلك بعد ثماني سنوات من إبرام اتفاقية GCPO بين إيران وإدارة أوباما الذي قام بإلغائها الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018 ، والتي كانت تنص على الحفاظ على تخصيب أقل من 20% من الأورانيوم، على عكس ما هو اليوم والذي وصل إلى 60% حيث وعدت الولايات المتحدة بتحرير 15 مليار دولار، من أصول إيرانية مجمدة في البنوك الامريكية والأوروبية وتخفيف سياسة العقوبات ضد إيران وعدم التحريض عليها في المؤسسات الدولية، أما إيران فقد وعدت بعدم الهجوم على القواعد الامريكية في سوريا والعراق، واطلاق سراح ثلاثة أمريكيين من أصول إيرانية اتهموا بالتجسس وإرسالهم إلى الولايات المتحدة.


ويضع هذا الاتفاق الأمريكي الإيراني حكومة نتنياهو في مأزق كبير حيث تبدو تهديداته هزلية للغاية، وقد استنكر وزير الدفاع الإسرائيلي يوأف غالانت، الاتفاق الأمريكي الإيراني في لقائه مع وزير الدفاع الامريكي لويد اوستن في بروكل في 15\6\2023، بحيث بدأت تبدو تهديدات غالانت ونتنياهو فارغة من مضمونها بعد هذا الاتفاق الأمريكي الإيراني.