الفشل الأمني الإسرائيلي في الضفة يساوي الحرب

D2EE8231-76C0-4BE1-866C-C276BEEBC922-e1601304572733.jpeg
حجم الخط

بقلم عبد المجيد سويلم

 

 

 

إذا «استنتجت» إسرائيل أنه لم يعد أمامها سوى شن عملية اجتياح كبيرة لشمال الضفة الغربية، وإذا اعتقدت أو زُيِّنَ لها أن بالإمكان عزل «المعركة» هناك عن معارك أخرى في الضفة، أو عن قطاع غزة تكون قد ارتكبت واحدةً من أكبر خطاياها القاتلة، والتي ستجرّها حتماً إلى الدخول في معركةٍ قد لا تكون في حسبانها بالقدر الكافي.
اللعبة الإسرائيلية، ومنذ سنوات ظلّت تقوم على فصل «التوتّر» في الضفة عن القطاع، وفصل حرب التهويد في القدس عن الضفة، وفصل حروب الاستيطان عن التهويد، وفصل الداخل الفلسطيني عن كل معارك الضفة والقدس والقطاع.
وفي سبيل ذلك «صمّمت» إسرائيل نظريات إدارة الصراع، وأعادت تصميم نظريات حسم الصراع بعد وصول «اليمين الفاشي» إلى سدّة الحكم في إسرائيل، أو عدم قدرة بنيامين نتنياهو على الحكم فيها بعد «نجاحه» في الانتخابات الأخيرة دون هذا «اليمين» وشروطه وبرامجه وإستراتيجياته.
وحسم الصراع معناه أن يتمّ «الاعتراف» بالكيان القائم في القطاع، ومحاولة تحييده بقدر المستطاع. وفي هذا الإطار بالذات شنّت إسرائيل «حربين كاملتين» تمكّنت من خلالهما الاستفراد بحركة الجهاد الإسلامي، وتمكّنت من «شراء» حياد أو تحييد حركة حماس، ووافقت حسب تقديرات مصادر عديدة، فلسطينية وعربية، وحتى إسرائيلية ودولية على «رزمة» سخيّة من «العطايا» الاقتصادية، و»تسهيلات» كبيرة في مجالات اقتصادية ومالية كبيرة بما فيها الصيد والاستيراد والتصدير والعمل في إسرائيل.
تقول بعض المصادر، إنّ العقبة الرئيسة أمام التوقيع الضمني على هذه «التفاهمات» و»التوافقات» هو الموقف من «الأعمال العدائية» في الضفة، حيث اشترطت إسرائيل على ما يبدو أن تلتزم حركة حماس ليس فقط بعدم التدخل «من» القطاع، وإنّما وقف الأعمال العدائية في الضفة كلها، وضمان «لجم» «الجهاد الإسلامي» عن جرّ الفصائل المسلّحة في القطاع للتدخل من القطاع، وترك تدخلها هناك لقراراتها الخاصة.
أقصد تدخل الفصائل العاملة في الضفة، وخصوصاً «الجهاد الإسلامي»، وربما الجبهتين، أيضاً.
لم يتم التفاهم ولا التوافق على هذا البند بالذات، لكن إيران رأت فيه نجاحاً إسرائيلياً كبيراً، واختراقاً خطيراً في وقت تتحيّن فيه إسرائيل كلّ فرصة لشنّ حربها على إيران، أو لإشعال الجبهة الشمالية.
وهذه المسائل كلها ليست مجرد تخمينات أو هواجس إيرانية، وإنّما هي في الواقع تحضيرات وتجهيزات وتدريبات قامت بها إسرائيل في الآونة الأخيرة، وهي لم تعد أحد أشكال الحرب النفسية كما يحلو للبعض تصويرها، وهي بالإضافة إلى ذلك كلّه معروفة لدول الإقليم، وللولايات المتحدة، وللأوروبيين، أيضاً.
والذي جرى، هو أن إيران استدعت إسماعيل هنية على عجل، ودعته لزيارة «رسمية»، وكان على جدول أعمال هذه الزيارة عدة لقاءات «رسمية» بما فيها اللقاء غير المقتصر على الأبعاد البروتوكولية فقط.
باختصار، فإنّ إيران ــ على ما أرى ــ استدعت قيادة «حماس» (الرسمية) لإعادة «تصويب» الشطط الذي كانت قد وصلت له «حماس» بتكريس الاعتراف الإسرائيلي بالكيان الذي تسيطر عليه في القطاع.
هذا كلّه يعني أنّ اللعبة الإسرائيلية لم تنجح بعد، وأنّ معركة إسرائيل في شمال الضفة، أو في الضفة كلّها لم تعد كما تصوّرتها إسرائيل وهي تعدّ لحربها القادمة في الإقليم.
إذا رجعنا بهدوء، وبعيداً عن لغة «المعهود والمعتاد» في مثل هذه الحالات فإنّ أهم ما يمكن ملاحظته من سياق التصريحات ــ من خارج المعهود والمعتاد ــ هو «التأكيد» على «وحدة الساحات»، بل والتأكيد «الضمني» على أن المعارك القادمة إذا ما شُنّت على القطاع فلن يتم الاستفراد من خلالها بأيّ أحد! وأنّ أعمال المقاومة في الضفة ستستمر وبوتائر أعلى مما كانت عليه!
نعم، إذا رجعنا إلى ذلك كلّه، وراجعناه يتبيّن لنا بكل وضوح ــ كما أرى ــ أنّ إيران استطاعت أن تعيد «حماس» إلى دائرة «صوابها»، وأن تعيد ضبط إيقاعها الميداني مع الإيقاع الإيراني، وإبقاء إيقاعها السياسي (أي الإيقاع السياسي لـ»حماس») مُحلّقاً بالشكل الذي تراه لنفسها، لأن ما يهم إيران هو الإيقاع الميداني قبل أيّ إيقاع آخر.
الحسابات الإسرائيلية ارتبكت قليلاً، الآن، والعمليات الأخيرة التي وقعت بعد العملية الإسرائيلية في جنين ومخيمها، والعملية الكبيرة التي وقعت بالأمس في «عيلي»، وأسفرت عن خسائر كبيرة في الحالتين زادت كثيراً من هذا الارتباك، وخلطت الكثير من الأوراق، وعقّدت إلى حدٍّ كبير مضاعفات الإقدام على اجتياح شمال الضفة.
بصرف النظر عن مدى الحماقات التي يمكن أن تقدم عليها إسرائيل في أتون هذا المستوى من الفشل الأمني، وما يمكن أن يؤدي إليه مثل هذا الفشل في ظل تفاقم واستمرار تفاقم الأزمة الداخلية الإسرائيلية، والهزّات التي باتت تتعرّض لها حكومة التحالف العنصري في إسرائيل عند كل مفترق، وفي مناسبات متكرّرة وحادّة.. بصرف النظر عن كلّ ذلك فإنّ مثل هذه الحماقات قد تُشعِل حرباً إقليمية كبيرة لأنّ تحالف نتنياهو وصل إلى أعلى درجات اليأس والإحباط.
فهو لم يتمكّن من إقناع الولايات المتحدة حتى الآن بالتخلّي الكامل عن اتفاق جديد مع إيران، وإيران تعلن أنها لن توقّع على أيّ اتفاق انتقالي أو مؤقّت، إلّا إذا كان جزءاً لا يتجزّأ من اتفاق شامل وكامل.
وهو ــ نتنياهو وأعوانه ــ لم يتمكّن من التقدم ولو لخطوة واحدة في معركته الإستراتيجية التي طالما تبجّح بها حول «التطبيع» مع العربية السعودية، وهو لم يتمكّن، أيضاً، من كسب أيّ نقاط جدّية من افتعال الأزمة في جنوب لبنان، وها هو «يُلاطِش» لافتعال أزمة في الجولان السوري المحتل، ولم يحقّق أيّ إنجاز يُذكر على مستوى الأزمة الاقتصادية التي تطلّ برأسها في إسرائيل حسب مصادر مختلفة، بما فيها المصادر المحسوبة عليه، وعلى أعوانه، وهو قبل كلّ شيء لم يتمكن من الوصول أو التوصُّل إلى أيٍّ من الحلول الوسط حيال مسألة «الإصلاح القضائي».
باختصار، فإنّ نتنياهو أمام خارطة كاملة من الفشل على كلّ مستوى، وعلى كلّ صعيد.
حتى المعركة على شمال الضفة باتت محفوفة بمخاطر كبيرة، وفتح عدّة جبهات على بعضها البعض، لم تعد مجرّد توقّعات «نظرية»، والأمر برمّته بات يُنذِر بأخطر العواقب وأكبرها.
هذا الواقع هو الوصفة الحقيقية للمغامرة وللمقامرة، أيضاً.