تهديدات الحكومة الإسرائيلية الجديدة والمتواصلة بعدوان على شمال الضفة الغربية ومترافقًا بالتدرب العسكري على مواجهة الفلسطينيين بالداخل تمثل مقاربة واضحة بالخوف أو التخويف المطلوب والمستمر للمجتمع اليهودي من كل ما هو غير يهودي باعتباره العدو بين ظهرانينا.
لم تفد عشرات السنوات لتدجين عرب الداخل، وما أرادوا جعلهم مواطنين مطلقًا.
ولم يكن من غالب الاحزاب الإسرائيلية اليوم الا أن تنظر لهم ولكل العرب بالدونية، ونظرة الاحتقار المستمدة من الأفكار العنصرية ذاتها التي يعمل بها اليمين الديني الإسرائيلي ويكتسح المشهد بحركاته المتسارعة بصخب.
ولم تفد عشرات السنوات لجعل الشعب الفلسطيني ينسى أو ينكمش في محيط حاجاته الانسانية فقط، فكلما أرتقى مناضل، إلا وأثمرت الشجرة المباركة عشرة مناضلين جدد متجاوزة الفصائل، ومتجاوزة معادلة الترهيب الصهيونية بالكلية، لتنطلق في فجرها المتجدد كل يوم.
تهديدات الحكومة الإسرائيلية لازمة للنظام الحاكم والمؤسس للدولة، وتأتي لزوميتها من جعل الإسرائيلي أسير القبضة الأمنية والعسكرية الصهيونية التي تهيء له وتغسل دماغه يوميًا بأن الغلاف أو السياج الأمني حوله ما وجد لولا الجيش، والذي بدونه لفلت الزمام وخرجت الامورعن السيطرة في الدولة "الديمقراطية" الوحيدة في "الشرق الاوسط".
تكبد الفلسطينيون في طول وعرض ما تبقى من فلسطين تحت السلطة المحدودة عشرات العدوانات الإسرائيلية الدموية أكانت بالضفة ومنها القدس أو قطاع غزة فأصبحت الشهادة فعلًا يوميًا كما الحال مع الاعتقالات التي لاتتوقف على مدار 42/7 متجاوزة أ وب وج، فيما أسقطته منذ الانتفاضة الثانية مما كان قد تبقى من "أوسلو".
التهديدات الإسرائيلية بقيادة نتنياهو زعيم اليمن المتطرف بصهيونيته ودينيته الفاشية المتشددة لايرغب الا برؤية العرب الفلسطينيين جثثًا هامدة، أو أشباحًا في البلاد موجودة وغير موجودة موجودة لتأكل وتشرب. وغير موجودة فلا حق لها بالكلام أو الاعتراض أو المطالبة بأي حق من حقوق الشعوب أو حتى الحقوق الانسانية الأساسية.
العدوان الدموي الأخير ضد مدينة جنين ومخيمها، وما سبقه في نابلس وفي أريحا وفي الخليل دلالة لا تخطئها العين على المعادلة التي تسير عليها الحكومة الإسرائيلية الحالية والمتمثلة بالقتل المبرمج المترافق مع الحرص على التهويد في كل شبر وزاوية، وفي ثلاثية تتكامل مع استمرار سلب الأرض من تحت أقدام أصحابها.
الكاتب الأمريكي اليهودي الليبرالي "ألون بن مائير" كتب يقول:"أنه في حين أن غالبية الإسرائيليين يعتقدون أن بلادهم دولة ديمقراطية ويتدفقون بحماس إلى الشوارع للحفاظ عليها، وغالباً ما يشيرون إليها على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ، فإن ما يغيب عنهم هو أنه لا يوجد بلد يستطيع الادعاءبأنه ديمقراطي وأن يكون قوة محتلة في نفس الوقت"
وعن سبب عدم ترافق فكرة الديمقراطية مع ضرورة زوال الاحتلال لدى الإسرائيليين يقول بن مائير: "قامت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بغسل أدمغة الجمهور من خلال الترويج لفكرة أنه حتى لو أقام الفلسطينيون دولتهم الخاصة بهم، فإنها ستكون فقط المرحلة الأولى في هدفهم النهائي للقضاء على إسرائيل تمامًا" بحيث أصبح الإسرائيليون" يقبلون بالوضع الراهن على أنه حالة دائمة يعيشون فيها بشكل مريح".
لا يتحرك "المجتمع الإسرائيلي" المأسور للروايات الدينية الطاغية اليوم ولا ذاك العلماني للمطالب الفلسطينية، وكأنه قد اسقط من جدول تفكيره وجود الشعب الفلسطيني فأصبحت القضية وفكرة التسوية من سقط المتاع، ورغم المواقف المتسارعة للإسرائيليين ضد الانقلاب القضائي ضمن "الدولة الديمقراطية" فإنهم لم يستطيعوا أن يستوعبوا أبدًا هدف فكرة الخطر الخارجي والسياج الأمني التقييدية لعقولهم من زعمائهم، ولم يستوعبوا فكرة الاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقوقه فهو نكرة، كما تآلفوا بشكل عجيب مع فكرة تعايش الديمقراطية بالاحتلال وكأن لا تناقض البتة بينهما، وتعايشوا مع فكرة العنصرية في ظل المواطنة الحصرية بهم، والدينية اليهودية في ظل التعددية.
إن غسيل الدماغ من قبل الحكومة الإسرائيلية للمجتمع اليهودي قد اختلطت بعلو فكرة العداء الديني وضرورة نهب الارض (الدينية) واستحقار (الشعب المنبوذ دينيًا) وهو ما كرسته الاحزاب الدينية المتعصبة والمتحالفة مع الصهيونية فيما هو حاصل من حالة حرب يومية لا تتوقف ضد الأرض والشجر والناس في فلسطين.