سؤال بسيط لا بد أن تسأله الدنيا بأسرها للإسرائيليين، الذين "استوطنوا" أرض دولة فلسطين المحتلة، أي كل الأرض المحتلة منذ حزيران العام 1967، حتى اليوم، وهو: ماذا تفعلون هنا، ولماذا تقيمون على أرض ليست لكم، فاحتلالكم وإقامتكم فيها وعليها، هما خرق للقانون الدولي، وأمر غير شرعي، ومناهضة تلك الإقامة وذلك الاحتلال، إنما هي مقاومة مشروعة، وهكذا فإن ذلك يعني بكل بساطة، وبوضوح ودون أي لبس، بأن كل أشكال المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال بجنوده ومستوطنيه إنما هي مشروعة، بل وواجبة من أجل العدالة البشرية، وكل فعل للاحتلال بجنوده ومستوطنيه، إنما هو إرهاب وعنف غير مشروع، لا بد أن تواجهه وتقف ضده البشرية كلها.
هذا هو مبتدأ الكلام بمناسبة انفلات إرهاب المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية من عقاله، والذي ما هو إلا "بروفة" لتشكيل ميلشيات الإرهاب اليهودي، التي تنوي "أسرلة" الضفة الغربية، وإشعال حرب ضروس فيها، يحلمون بأن تكون بمثابة النكبة الفلسطينية الثانية، وسريعاً تقترب الصورة في الضفة الغربية هذه الأيام، من الصورة التي كانت عليها فلسطين الانتدابية عشية انتهاء الانتداب البريطاني، وإعلان قيام إسرائيل، التي توجت فترة من الإرهاب الذي مارسته العصابات اليهودية، من الهاغاناة، وشتيرن وليحي، وارتكبت خلالها المجازر بحق القرويين الفلسطينيين، لترويعهم وتهجيرهم، أي طردهم من وطنهم، وذلك ما حدث، منتصف أيار من العام 1948.
وقد بدأ إرهاب الدولة الإسرائيلية، منذ عشية إعلانها، وتواصل بعد ذلك، بإقامة البنية التحتية لإرهاب الدولة، متمثلا بتجاوز القانون الدولي، ليس فقط من خلال ارتكاب المجازر الجماعية، ولكن أيضا من خلال خروج دولة إسرائيل على القانون الدولي، فهي تجاوزت أولاً حدودها وفق القرار الأممي الخاص بالتقسيم، واحتلت نحو نصف أرض دولة فلسطين وفق ذلك القرار، وهكذا نشأت إسرائيل وفق منطق الخروج على القانون الدولي، وعاشت مع هذا الخرق بشكل متواصل، يشد على يدها الاستعمار العالمي، الذي أطلق فكرة إقامتها خلال الحرب العالمية الأولى، ثم شيد قواعد إقامتها ما بين الحربين العالميتين، الأولى والثانية، وظل يحميها كدولة مارقة طوال الحرب الباردة.
وكل الدنيا تعلم بأنه لولا الحماية الامبريالية، الأميركية بالدرجة الأولى، لما ظلت إسرائيل هكذا، دولة احتلال لأرض الغير، ودولة مدللة فوق جميع شعوب الشرق الأوسط، ثم أيضا دولة عنصرية، ليست دولة لكل مواطنيها، ثم ها هي في طريقها لتكون دولة إرهاب دينية متطرفة، بكل معنى الكلمة، بعد تحكم اليمين الديني فيها منذ عقدين من الزمان، ولحظة تأمل واحدة فقط فيما آلت إليه إسرائيل حالياً، تؤكد بأنها ليست تلك الدولة التي اتخذ الغرب قرار إقامتها كحل للمشكلة اليهودية التي ظهرت بين ظهرانيه، أي أن إسرائيل ليست تلك الدولة المسالمة، التي تكتفي بأن تكون ملجأ لمن نجوا من المحرقة من يهود تعرضوا لاضطهاد مريع، بل هي في طريقها لأن تكون صورة مفزعة، من صور إرهاب الدولة التي ظن العالم بأنه قد تجاوزها في ظل النظام العالمي الجديد.
سؤال آخر لا بد أن يوجه لكل الإسرائيليين، ومفاده: لماذا تفكرون بشكل عنصري، لما لا تستوي حياة الناس عندكم، لماذا تحللون لأنفسكم قتل الفلسطينيين بشكل يومي، وحين يرد الفلسطينيون على القتل بقتل، وإن كان بنسبة لا تصل إلى 10% يجن جنونكم، وتبيحون لأنفسكم حرق الفلسطينيين أحياء، وقتل كل من تصل إليه أيديكم، ثم تحرقون كل ما يمت لهم بصلة حياة؟
وحين لا تستوي حياة الفلسطيني الذي يعيش في وطنه مع حياة مستوطن أو جندي مغتصب إقامته غير شرعية، فلا يمكن أن يكون ذلك غير تمييز عنصري وذلك على أقل تقدير، لكن لأنه ليس بعد الكفر ذنب، فإن إقامة كل الإسرائيليين _جنودا ومستوطنين_ في وطن الفلسطينيين، هي إفك وعدوان وإرهاب.
أما بلغة السياسة، فلا يمكن النظر إلى ما وصلت إليه إسرائيل من تطرف سياسي، تدل عليه تركيبة حكومتها، التي زادت من عزلتها كدولة، حتى مع أقرب وأهم حلفائها، أي الولايات المتحدة، التي ما زالت تغلق أبوابها في وجه وزراء الحكومة الإسرائيلية منذ ستة أشهر، بمن فيهم رئيس الحكومة نفسه، إلا على أنه فتح لأبواب جهنم، أمام فلسطين والمحيط، والحكومة الإسرائيلية الحالية، إن بقيت طويلا، فإنها لن تحمل للشرق الأوسط ولا حتى للعالم أي خير، بل تعده بالشر كله، وإسرائيل تبشر الشرق الأوسط بحرب عالمية/إقليمية، ليس مستبعداً أن تستخدم فيها السلاح النووي، وهل هذا الأمر مستبعد عن رجل مثل ايتمار بن غفير، أو بتسئليل سموتريتش، لو وصل أحدهما إلى منصب رئيس الحكومة، أو للموقع الذي يقرر استخدام السلاح النووي الذي تمتلكه إسرائيل.
وإسرائيل هي التي قيدت يدي العالم بأسره، وفي مقدمته الغرب، أي أميركا وأوروبا، ومنعتهما من العودة للاتفاق النووي مع إيران، وهي ما زالت تدق طبول الحرب ليل نهار، وهي تمارس إرهاب الدولة بكل معنى الكلمة، في فلسطين وسورية، وتلوح به ضد إيران، ولبنان، وكل من لا يرفع لها الراية البيضاء.
أما آخر فصول إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل فهو إطلاق العنان للمستوطنين ليس فقط فيما يخص التطاول على المقدسات الدينية للآخرين من مسلمين ومسيحيين في القدس والخليل ونابلس، ولكنها تحمي إرهابهم الذي يشمل القتل العمد وحرق المركبات والمزروعات، وذلك لجعل تلك الممارسة مع مرور الوقت معتادة، حيث تنتقل بعد ذلك إلى تشكيل الميليشيات المسلحة من المستوطنين، وذلك لإعلان إسرائيل الثانية في الضفة الغربية، فإسرائيل تجد أفضل طريقة لضم الضفة هي عبر هذا الطريق، أي إدخال المستوطنين على الحرب ضد الفلسطينيين، وذلك بعد أن يحرق الجيش أخضر ويابس الضفة الغربية، يأتي بعد ذلك دور المستوطنين، لإعلان ما ينوون ضمه كأراض محررة أو خالية من الفلسطينيين، وقد تكرر حرق حوارة/نابلس، فبعد مضي ثلاثة أشهر فقط، على محرقة حوارة الأولى، ها هم الإرهابيون اليهود من المستوطنين، يقومون بحرقها مرة أخرى، رغم ما عبر عنه المجتمع الدولي من غضب إزاء المرة الأولى، بما في ذلك الأميركيون أنفسهم.
فتكرار محرقة حوارة مرة ثانية، يعني بأن الأمر ليس عابرا بالنسبة لهذا الحكومة الإسرائيلية، بل يأتي ضمن خطة يصر إرهاب دولة إسرائيل على تنفيذها، رغم أنف العالم كله، وتتضمن تلك الخطة زج المستوطنين، بكل ما هم عليه من عنف وكراهية للآخر، ومن استعداد فاشي للقتل، في أتون المواجهة مع الجانب الفلسطيني، وذلك لإكمال الدور الذي يقوم به الجيش، وهو مؤسسة دولة، رغم كل ما لديه من أدوات قهر وقتل واحتلال، إلا أنه يبقى مؤسسة دولة، يقوم بحرق أرض الخصم، ثم ينسحب، وبعد انسحابه تأتي مهمة الإرهابيين من المستوطنين، وهي مهمة إغلاق الثقوب، أو مهمة الإحلال، بعد الاحتلال، أي أن يحل المستوطن اليهودي محل المواطن الفلسطيني، وهذا يعني بأن إسرائيل لم تعد تكتفي فقط باحتلال الضفة الغربية والقدس، بل تسعى إلى طرد مواطنيها من الفلسطينيين، وإحلال المستوطنين مكانهم، وكل ذلك من خلال جعل الفلسطيني أمام أحد خيارين لا ثالث لهما: إما الموت على أرضه، أو الفرار والهرب واللجوء لخارج وطنه، تماماً كما حدث في العام 1948، يحلمون بأن تحدث هذا العام أو العام القادم 2024 نكبة ثانية لفلسطين.