اعتداءات المستوطنين بروفه للقادم فهل يبقى الضحية على رصيف الانتظار!

تنزيل (16).jpg
حجم الخط

بقلم المحامي زياد أبو زياد

 

أمس أم صفا، وأمس الأول ترمسعيا، وقبلهما حوارة، وبين حوارة وترمسعيا عشرات الاعتداءات الاجرامية من عصابات المستوطنين الذين يتمتعون بحماية الجيش وما يسمى بحرس الحدود ضد المواطنين الفلسطينيين في بيوتهم وقراهم وعلى الطرقات العامة من أقصى منطقة جنين شمالا ً والأغوار، الى أقصى منطقة جبل الخليل ومسافر يطا جنوبا، وكما يقولون "الحبل على الجرار".


هذه ليست عمليات عشوائية وليست ردود فعل انتقامية وإنما هي اعتداءات مبرمجة ذات هدف استراتيجي من ينكره أو يستهين به ويقلل من خطورته، هو ضال ٌ أو مُضِل، ولا أقول خائن مع أنه قد يكون كذلك.


لا يمكن الحديث عن جرائم النازية ضد اليهود بدون الحديث عن حدثين تاريخيين: ليلة البدولاخ (أو ليلة الكريستال) وعن تمرد جيتو وارسو (جيتو فارشه).


الحدث الأول، هو حين ازدادت الضغوط على اليهود في ألمانيا لحملهم على الهجرة منها الى بولندا، ومع أن العديد منهم هاجروا إلا أن النازيين الألمان لم يكونوا راضين من سرعة وتيرة الهجرة فأرادوا إرهاب اليهود وتهجيرهم قسرا، فقاموا في الليلة التي بين 9 و 10 تشرين الثاني (نوفمبر)1938 بهجوم شامل على بيوت ومدارس وكُنُس اليهود فأحرقوها ودمروا الواجهات الزجاجية للمحلات التجارية ونهبوا محتوياتها وأحرقوها وقتلوا المئات وعرفت تلك الليلة بليلة الكريستال لأن الزجاج المحطم غطى الشوارع والطرقات.


من يقرأ عما حدث في ألمانيا والنمسا في تلك الليلة من قبل ميليشيات ال SS و SA، وشبيبة هتلر من جرائم إحراق وقتل ونهب ضد اليهود يجد ما يؤكد ضلوع النظام النازي في تلك الهجمات وتواطؤه المتعمد معها وتركها تفعل بكل حرية.
وما أريد أن أؤكده هنا هو أن الهجوم واحراق البيوت والسيارات والمحال التجارية اليهودية من قبل النازيين الألمان كان بهدف تهجير اليهود.


ما حدث في حوارة وترمسعيا وام صفا وغيرها ليس سوى بروفا rehearsal لما يخطط المستوطنون للقيام به ضد الفلسطينيين في اطار تبادل أدوار تاريخي يتقمص فيه ضحية الأمس دور جلاد الأمس فيصبح هو جلاد اليوم الذي يمارس العنف والإرهاب والقتل ضد الضحية الجديدة، الشعب الفلسطيني!


فليسجل كل واحد منا أمامه أن هذه الاعتداءات الاجرامية ليست عشوائية وليست انتقامية وانما تتم في اطار خطة مبرمجة وهدف استراتيجي هو إرهاب الفلسطينيين لتسريع هجرتهم من بيوتهم وأراضيهم ليستولي عليها المستوطنون، وأن إمكانية أن تتم هذه الاعتداءات على نطاق واسع في آن واحد، ممكنة وقد تكون قادمة قريبا، فارتقبوا.


والحدث الثاني هو تمرد جيتو وارسو في نيسان 1943 ضد قوات الاحتلال النازي لبولندا عندما أرادوا نقل اليهود من جيتو وارسو (المحاط بجدار عزل عنصري وأسلاك شائكة) الى معسكر الإبادة في تريبلينكا فثار اليهود، رغم الحصار والجوع ومرض التيفوس الذي فتك بالآلاف منهم ضد قوات الاحتلال النازي، واستمرت تلك الثورة أربعة أسابيع من 19 نيسان حتى 16 أيار، وأصبحت من أبرز معالم المقاومة ضد الاحتلال النازي في أوروبا.


واذا كان المستوطنون المتطرفون العنصريون يتقمصون اليوم دور الجلاد فإن أحدا ً لا يستطيع أن يُنكر علينا حقنا في أن نتقمص دورهم عندما كانوا هم الضحية، أي أن نقوم بالثورة والمقاومة ضد المستوطن الذي يتقمص اليوم، دون إقرار أو إدراك منه، دور النازية، لأن النازية هي نمط أيديولوجي عنصري متطرف تُشكل خطرا ً على الإنسانية سواء كانت في ألمانيا أو أوكرانيا أو روسيا أو فلسطين، أو في أي قطر آخر على سطح الكرة الأرضية. فحيثما وجدت فكرة التفوق العرقي توجد أيديولوجية نازية خطرة وعدو للإنسانية.


ولكن وللأسف الشديد فإن العالم الغربي الذي يتحدث عن بطولات المقاومة سواء ضد النازية في الماضي أو ضد الاحتلال الروسي الحالي لأوكرانيا يُنكر حق شعبنا في المقاومة ويصفها بالإرهاب، مع أن هناك بوادر قليلة مشجعة بدأت تطفو على السطح تكشف ضجر العالم وخاصة الأجيال الشابة من الجرائم التي يرتكبها المستوطنون المتطرفون ضد أبنا شعبنا والتي تدفع إسرائيل باتجاه العزلة الدولية.


أعرف بأن المقارنة التي يتضمنها هذا المقال ستثير غضبهم لأنهم يصرون على احتكار المعاناة الإنسانية وينكرون على غيرهم حقه في إعلان أنه ضحية.


استمعت الى المواطن الذي قال لرئيس الوزراء د. محمد اشتية: يا بتحمونا يا بتسلحونا، ولم أستطع أن أحبس دمعتي أمس حين شاهدت شريط فيديو يظهر آثار الحريق الذي أتى على كل محتويات منزله وأحرق زوجته. والصرخة التي أطلقها هذا الرجل تنبع من عمق ضمير انساني في ذروة عزة النفس والكرامة. وهذه الصرخة هي الشعلة التي تشعل في النفوس روح الثورة والمقاومة. والتحريض الذي يطلق تلك الصرخة هو الاعتداء الاجرامي الوحشي الاستيطاني ضد المدنيين الأبرياء العُزل.


هذه الصرخة لن يضيع صداها هدرا.


لا تكفي بيانات الإدانة والاستنكار من غوتيريش وسوليفان وبلينكن وكل الناطقين الدوليين ما لم تُترجم الى فعل ضد هذا الخطر الذي لن تقف آثاره عند حدود فلسطين، لأن الذين استهانوا بخطر النازية في أوائل أيامها دفعوا الثمن لاحقا.
"من لان في الخطب الشديد توقع الخطب الأشدا".