وكأنه خبر كاذب جدا، سارعت وكالات الأنباء الغربية والشرقية، بكل لغات الكون، نقل خبر عن محاولة "انقلاب" في روسيا يقوده بريغوجين رئيس المجموعة المسلحة المعروفة باسم "فاغنر"، ذات المكانة الخاصة بحرب أوكرانيا، الى أن تبين أنها ليست انقلابا ولكنه أقرب الى "التمرد الصارخ"، خرج عما كان يتحدث به طوال زمن ضد المؤسسة العسكرية الروسية، وخاصة وزير الدفاع شويغو ورئيس الأركان.
"التمرد" المسلح احتل الخبر الأول عالميا لمدة قاربت على العشرين ساعة، وذلك منطقي جدا بحكم المكان والقوات والشخص، وبدأ وكأنه في الطريق لتحقيق شروط ستكون مهينة جدا، وخاصة بعدما تحدث الرئيس الروسي بوتين عن "خيانة" "وطعنة بالظهر" قام بها المنقلب الذي قال ردا أن روسيا سيكون لها رئيس جديد خلال ساعات.
الحقيقة السياسية، ان مسار الأحداث ومع الاهتمام الغربي وحلف الأطلسي والمخابرات الأمريكية بكل أفرعها، خلق انطباعا بأن المؤامرة في طريقها الى النجاح، واستعدت سريعا لمرحلة ما بعد بوتين، وذهبت الى حد أن النظام ساقط لا محالة، وفرضت منطقها على المشهد العالمي، وكأنه آت، ولكن متى وكيف تلك هي المسألة.
وكما كانت بداية "التمرد الفاغنري" كأنها حدث سينمائي، خارج التصديق، جاءت النهائية أكثر من خيال سينمائي، بعدما أعلن رئيس بلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو عن توصله لاتفاق مع رئيس فاغنر بريغوجين على انهاء الحركة المتمردة، في خبر صاعق مضاف لكل من سار في المخطط الانقلابي.
وبعيدا عن كيفية مسار الحدث، وتطوراته وما سبقه من مظاهر ما كان لها أبدا ان تحدث، وخاصة استمرار الانتقاد الصريح للمؤسسة العسكرية صلت الى منطقة كان يجب وضع حد لها، كونها تمس هيبة المؤسسة التي تمثل رأس حربة في القرار الروسي بدخول حرب أوكرانيا.
ولكن، المشاهد الأهم فيما حدث، تلفت الانتباه، بأن روسيا الدولة والنظام والرئيس، تعاملت مع "الحدث المتمرد" بهدوء أعصاب نادر، ربما لم يتوقعه أي كان (خارج الحدود الروسية)، بحيث لم نشهد إطلاق رصاصة واحدة أو القيام بعمليات قصف متبادل، بل كانت المعركة إعلامية وتصريحات من القصف الثقيل، ما يكشف مسؤولية فريدة لدولة بتلك المكانة العالمية.
لم يذهب الرئيس الروسي بوتين الى السلوك الانفعالي للرد على الحدث، الذي بدأ وكأنه نال كثيرا من "هيبة الدولة" و "هيبته الشخصية" كزعيم من طراز فريد، تحدث الجميع أنه لن ينتظر طويلا، قبل أن يذهب الى خيار استخدام القوة العسكرية لوقف التمرد المفاجئ.
هذا السلوك المفاجئ، كشف مظهرا جديدا من مظاهر قوة "الدولة الروسية"، التي ذهبت لاحتواء الخروج عن النص "الوطني"، بدلا من العصف المسلح، والذي كان له ان يجنح بأضرار خطيرة أي كانت النتيجة، وخاصة أن القوة المتمردة روسية الولاء، خلافا لكل ما حاولت المخابرات الأطلسية والأمريكية بالمقدمة لإشاعته، وان تبدو وكأنها من حرك الحدث، ورتبت له منذ أشهر.
النهاية المفاجئة للتمرد الفاغنري، مثل فضيحة مدوية لدول التحالف المعادي لروسيا، أعضاء الأطلسي ورأسهم الأمريكان، والذين راهنوا أنها بداية الهزيمة الكبرى لروسيا، ما يعني كبح جماح التطورات العالمية الجديدة، وكسر الاحتكار القطبي الذي فرضته الولايات المتحدة، معتقدة أنها ستعيد مؤامرة "فكفكة" الاتحاد السوفيتي.
ولكن، ورغم النهاية السياسية الإيجابية، وتأكيد قوة روسيا وهيبتها كدولة عظمى، فدروس الساعات العشرين لا يجب أن تتوقف عند اتفاق آني، وأن الكثير يحتاج تعديلا وتصويبا في مسار العملية العسكرية وقيادتها، والقيام بتقييم جذري لكل ما حدث، وعدم اهمال ملاحظات صدرت عن رئيس فاغنر.
بالتأكيد، فالحديث عن وجود قوة خارج المؤسسة الرسمية العسكرية تكلف بمهام خاصة أثبت أنه "خطيئة سياسية كبرى"، وتشكيل أي قوة خاصة بمهام خاصة يجب أن يكون داخل المؤسسة وليس الى جانبها أو بالتميز عنها، ما يخلق "طموحا ذاتيا" مكلفا في بعض جوانبه، وهو ما كشفته أحداث ساعات التمرد.
نجاح روسيا بإنهاء "التمرد الفاغنري" بواسطة صديق، بالطريقة التي حدثت، اكدت قوة وعمق الدولة التي غيرت مجرى التاريخ العالمي 3 مرات، ثورة أكتوبر 1917، معركة ستالينغراد 1943، التي قادت الى هزيمة كبرى للفاشية في الحرب العالمية الثانية، وأخيرا حرب فبراير 2022، التي أعادت التوازن للقرار الدولي، بكسر الهيمنة الاستعمارية الغربية وخاصة الأمريكية، ووضع قواعد جديدة في العلاقات بين الدول والشعوب وفقا للمصالح المتبادلة.
رب تمرد ضار سيكون نافعا لمسار التاريخ الحديث بكامله، نحو وضع نهاية نظام دولي استغلالي استعماري كريه للإنسانية.. يجب كسره الى غير رجعة.
ملاحظة: تصريحات رجل الأعمال اليهودي ميلتشين أمام محكمة بأن نتنياهو طلب منه ان يشتري قمصانه التي لا يلبسها..انسووا كل الهدايا الخاصة واللي كشفت أنه أرخص بكتير من العنطزة اللي عاملها..بس في حدا ممكن يعمل هيك عملة...شو طلعت واطي يا بيبي!
تنويه خاص: في إشاعة أن قيادة حماس طارت من "قم" الفارسية بعد حجة مالية الى "مكة" بالسعودية علها تنال حجة سياسية...والحكي انه رئيس حكومة السلطة د.اشتية طار لمكة..معقول في "حجة وحدوية" بواسطة بن سلمانية.. بهالزمن كل شي بيصير رغم انه المستحيل!