لم تجهد إسرائيل في تصدير فكرة ان الفلسطينيين عاجزين عن إقامة دولة خاصة بهم ، فقد فعل الفلسطينيون ذلك بأنفسهم وبأبشع الصور . حماس تبذل كل جهدها منذ عشرات السنين لتثبت فشل وفساد حكم السلطة في رام الله ، ومنظمة التحرير فعلت كل شيء لإثبات ان حماس حركة انعزالية لا يمكن ان تصلح للحكم او إقامة سلطة . وهكذا حصلت إسرائيل على كل شيء مجانا ومن دون عناء .
لا يوجد أية مفاوضات فلسطينية إسرائيلية منذ ارسال رئيس وزراء إسرائيل ايهود أولمرت الى السجن عام 2007 . توقفت المفاوضات وأعلن نتانياهو أمام العالم انه لا يريد مفاوضات مع الفلسطينيين . وكان الانتظار سبعة عشر عاما من أكبر الأخطاء السياسية للفلسطينيين ، أخطاء لا يمكن تعويضها ومعاناة زائدة لا يمكن ردها أو تفسيرها سياسيا . وخلال هذه الفترة تسنى لنتانياهو نهب الأرض وتهويد القدس وتوسيع المستوطنات وتدمير الضفة ، وكانت هذه السنوات ( الانتظار المريض ) هي العصر الذهبي للمستوطنين . وكانت هذه أسوأ عشرين سنة في حياة الفلسطينيين .
وفي حين تسري الفوضى المنظمة والانقسام في المجتمع الفلسطيني بشكل لا يطاق ، يسري التطرف والفكر الفاشي العنصري في اوصال المجتمع اليهودي لدرجة ان الإرهابيين اليهود والمجرمين صاروا أعضاء كنيست ووزراء .
متطرف مثل ايتمار بن غفير رفض جيش الاحتلال تجنيده ومنع عنه حمل السلاح لأسباب أخلاقية وعنصرية ، تولى الان منصب وزير الشرطة !!
مع الواقع الاستيطاني الجديد في الضفة وتقطيع اوصالها . ومع تهويد القدس واستهداف الأقصى . ومع الانقسام المستفحل والشتائم المتبادلة والغل الذي لا يترك مجالا للعقل او للتسامح . تبدو فكرة إقامة دويلة في غزة فكرة بائسة ، وتبدو فكرة إقامة سلطة على نحو واحد بالمائة من الضفة الغربية فكرة ساذجة تثير الحزن وتدعو الى الصدمة !!
ووفي ظل انشغال العالم بقضايا خطيرة وحروب مفتعلة . ولخروج الفلسطينيين من حالة الانتظار السلبي ، والصمود السرمدي لا يتبقى امام القيادات الفلسطينية سوى البحث عن حل عربي .
ذات يوم وفي الانتفاضة الأولى قاتل الفلسطينيون للخروج من عباءة الوفود العربية التفاوضية في مؤتمر مدريد عام 1991 . وصارت صورة صائب عريقات وهو يلبس الكوفية الفلسطينية في مؤتمر مدريد ام الحكايات .كان الوفد الاردني والوفد السوري والوفد العربي هم الذين يفاوضون باسم فلسطين .
ومن سخرية القدر اننا خشينا حينها ان توافق الوفود العربية على حلول تسوية سقفها منخفض ، ولا تعبر عن تطلعات شعبنا . فذهبنا الى مفاوضات سرية بعيدا عن عيون العرب !!
اما اليوم فأتمنى لو ان الوفود العربية الأردنية والمصرية والسورية تعود لتحمل معنا الملفات التفاوضية . فهذا اشرف لنا من حالة الانتظار المجنون وغير المدروس الذي نفرضه على انفسنا .