من يمنع حرية الرأي لن يُحرر وطناً

ac1704d7-3eb9-4a14-82af-898c419a13ce-1-1-1-1-1-1-2-1-1.jpeg
حجم الخط

بقلم جمال زقوت

 

مقتل نزار بنات هي جريمة إغتيال سياسي ! ولكن الجريمة الأخطر هي محاولة حماية القتلة، والتغطية على المجرم الذي يتحمل المسؤولية عن ارتكابها، وهي التي ستظل تلاحقنا بعار استسهال اراقة الدم الفلسطيني إلى أن تتحقق العدالة لنزار بنات وكل ضحايا الرأي في فلسطين .

في محاولة منها لتقويض الاهداف النبيلة للحملات التي رفضت عملية الاغتيال، واحتجت على ارتكابها في شوارع وميادين فلسطين، خرجت بعض الأصوات المشككة حد تبرير الجريمة وتقول: " ...ولماذا تصمتون على ما رافق الانقلاب الأسود في غزة من عمليات قتل وسحل وصلت حد إلقاء أحد المواطنين من علوٍ شاهق لأحد عمارات مدينة غزة". هنا يصح القول بأن هذه كلمة حق، ولكن للأسف لا يراد منها سوى الباطل، فالجرائم التي رافقت الانقلاب، ويجب محاكمة مرتكبيها مهما طال الزمن، لا يمكن أن تبرر مثل هذه الجريمة البشعة بغض النظر عن ملابسات كل واحدةٍ منها . فأخطر ما يواجه حالة حقوق الانسان وحرية الرأي والتعبير المكفولة في النظام الأساسي الفلسطيني، هو تسييس هذا الأمر، ومحاولة دفن حقوق الناس في براثن الانقسام الذي يعتبر مجرد استمراره جريمة كبرى بحق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة .

إن محاولة دفن قضية نزار في دهاليز التأجيل والمماطلة لن يسقط هذه القضية مهما طال الزمن . لربما يخرجها عن مسار تطبيق العدالة، ولكن مثل هذا النهج لن يؤدي سوى إلى الفوضي واستفحال غياب الثقة بنظام العدالة برمته، وليس فقط بالسلطة التنفيذية. وفي كل الأحوال يبدو أن العطب قد نال من هذا النظام ما ناله.

يقول المحامي غاندي أمين، والذي كُلّف من أسرة نزار بمتابعة قضية الاغتيال في حديث لوسائل الاعلام المحلية: "إن الشهيد نزار منذ عامين لم يحصل على العدالة، ولا أفق لتحقيقها في فلسطين". وأرجع "أسباب عدم تحقيق العدالة في قضية بنات إلى بطء عملية التقاضي رغم أن الجريمة والأدلة واضحة، وبسبب اعتقال الشهود والتضييق عليهم خلال جلسات انعقاد المحكمة، ولإطلاق سراح الموقوفين -المتهمين بجريمة القتل-دون علم المحكمة والنيابة". وأضاف أن تلك الأسباب تشير إلى عدم رغبة وجدية السلطة في تحقيق العدالة ومحاسبة القتلة، مشيرًا إلى أن عائلة المغدور بنات رفعت دعوى قضائية في محكمة بداية رام الله، وفق قانون المخالفات المدنية على وزير الداخلية ومديري الأجهزة الأمنية والمتهمين في الجريمة، مردفًا: "..ولا تزال الدعوة مرفوعة منذ ثمانية أشهر أمام القضاء". وبيَّن أن غسان بنات، شقيق المغدور نزار توجَّه إلى محكمة الجنايات الدولية للتحقيق في الجريمة ومحاسبة الجناة، مضيفًا: "وننتظر مكتب النائب العام بالمحكمة الجنائية لطلب الإحالة".

والسؤال الذي يجب أن يقض مضاجعنا جميعاً ازاء هذا الأمر؛ هو ليس لماذا توجه شقيق نزار لمحكمة الجنايات الدولية في محاولة للحصول على العدالة لشقيقه المغدور ، بل لماذا تتعطل العدالة في فلسطين، وهي القضية التي يقوم جوهرها منذ النكبة على عدوانية الاحتلال ومحاولات طمس عدالة القضية الوطنية. وكيف سنكون قادرين كفلسطينيين على المضي بثقة في سعينا لجلب الاحتلال للعدالة في محكمة الجنايات الدولية، بينما نتقاعس نحن، وبما يدفع أهل الفقيد ليأخذوا السلطة الوطنية ذاتها إلى المحكمة الجنائية الدولية. إنها مفارقة محزنة، ولا يمكن هنا لوم الضحية، بقدر ما أن ذلك يكشف مدى العوار الذي بات يلفنا،ويهدد قضيتنا الوطنية والعدالة في فلسطين للخطر .

نعم،لسنا بخير . وإن مهمة النخب الفكرية ليس فقط تشخيص "هزيمة الذات "، واعلاء الصوت وقيم الحرية والعدالة على أهمية ذلك . بل، اجتراح رؤى قادرة أن تتحول إلى استراتيجيات عمل تتحدى أسبابها، و تُمَّكن الناس من مواجهتها . فمسؤوليتنا أن نحمي الوطن و الرأي المختلف . وليعلم القاصي والداني أننا شعب حر و نستحق وطناً للأحرار .

كان وما زال من المتوقع أن يتحمل الرئيس مسؤولية وقف الانهيار، والذي أصبح عنوانه السلطة ومؤسستها الأمنية في مواجهة الشعب الذي يقاوم الاحتلال، وأن يعلن فوراً تشكيل حكومة وحدة وطنية تحظى بالاجماع الوطني، أولويتها تعزيز صمود الناس وليس مواجهة أصحاب الرأي منهم، وتداوي جراح غزة وليس أن تصمت على المضي بانقسامها نحو الانفصال كي تتقاسم مع الانفصاليين مجرد كانتونات تمثل جوهر استراتيجية حكومات الاحتلال لتصفية حقوق شعبنا ، بل تقوم بكل ما عليها من واجبات لتنهي حالة الانقسام والاستقطاب، وتتولى بكل مسؤولية اعمار غزة وحشد الرأي العام الدولي لرفع الحصار عنها،وبناء القدرة على الصمود في القدس وباقي أرجاء الضفة، بما في ذلك القدرة الشعبية على مقاومة ارهاب المستوطنين وجيش الاحتلال، وبالتأكيد التحضير الجدي لانتخابات عامة شاملة . 

 

و قبل ذلك كله و بعده بأن تعيد للقضاء استقلاليته وللمواطنين كرامتهم و للأمن عقيدة وطنية لحماية المواطن وليس الاستقواء عليه، وتجري محاكمة علنية لقتلة بنات. فقد، وهذا ليس مؤكداً، تنقذ هكذا خطوة مصير البلد من لهيب الفوضى وربما ما هو أسوأ. واجبنا جميعاً ألّا نترك بلدنا تنهار، وهذه مسؤولية كل مواطن حر !


وإن لم يحدث ذلك، فسيستمر الانهيار حتى ينهض تيار وطني ديمقراطي عريض بقيادة شابة تؤمن بالتعددية السياسية و الفكرية، ليقود عملية التغيير الشامل، حيث لا يمكن إصلاح الحطام .