يرد المستوطنون على قتل الإسرائيليين الأربعة في عملية إطلاق النار في عيلي، الثلاثاء الماضي، بخطوتين مرتبطتين معاً كحركة كماشة. من جهة، يقيمون مزارع زراعية وبؤراً استيطانية ويعودون الى بؤرة قديمة تم إخلاؤهم منها بهدف تثبيت حقائق على الارض. ومن جهة اخرى، خرج مئات الشبان الى حملات انتقام عنيفة في القرى الفلسطينية، أحرقوا فيها بيوتاً وسيارات، واعتدوا على السكان. تمت الخطوة الاولى بتشجيع مباشر من الحكومة. وتمت الخطوة الثانية بإشارة وغمز، وبعد ذلك تنصل جزئي منها، ليس له أي تأثير.
بتشجيع من وزراء اليمين المتطرف عاد المستوطنون الى بؤرة افيتار، التي أُخليت قبل سنتين تقريباً. كان هذا استمراراً مباشراً لنقل المدرسة الدينية في حومش، الشهر الماضي. هما خطوتان غير قانونيتين، ليس فقط أن الجيش لم يعمل ضدهما، بل هو يحصل على توجيهات مباشرة من الحكومة بعدم التدخل، وبعد ذلك يضع قوات لحماية المشاغبين. في يوم الجمعة زار وزير الأمن الوطني، ايتمار بن غفير، افيتار، وقال للمواطنين: "اركضوا الى التلال". في الوقت ذاته ظهرت بؤرتان جديدتان وخمس مزارع في أرجاء السامرة.
لكن حتى قبل العملية فان المستوطنين في الضفة الغربية لم يشعروا بأنهم يقيدونهم، وفي الاسابيع الاخيرة ظهر أن نقل الصلاحيات في وزارة الدفاع الى الوزير الاضافي سموتريتش بدأت تؤتي ثمارها بالنسبة لهم. نشاطات تنفيذ القانون ضد البناء غير القانوني اليهودي انخفضت الى الحد الادنى، وقد صادقت الحكومة على تقصير اجراءات المصادقة على البناء في الضفة، وركزتها في يد سموتريتش. تمت المصادقة على بناء 4600 وحدة سكنية في المستوطنات، وهناك ألف وحدة يتوقع الدفع بها قدما في الادارة المدنية.
وقدرت مصادر أمنية، أول من أمس، بأن البؤر التي اقيمت، الاسبوع الماضي، لن يتم اخلاؤها رغم عدم قانونيتها الواضحة. هم لم يتأثروا بشكل خاص حتى بتصريح رئيس الحكومة نتنياهو في بداية جلسة الحكومة؛ لأن التصريحات التي تطالب باحتلال الأراضي بصورة غير قانونية "غير مقبولة علي ويجب وقفها على الفور". تخرج هذه الأقوال من الفم وهي موجهة الى الخارج فقط.
تخرج الخطوة المكملة والصادمة كل مساء من التلال، لكن ليس منها فقط. كالعادة سيكون من الخطأ عزو المذابح العنيفة فقط لـ "فتيان التلال" في البؤر الاستيطانية. في الافلام التي ينشرها الفلسطينيون عن الاحداث يظهر ايضا اشخاص اكبر سناً، بعضهم يعيشون كما يبدو في مستوطنات اقدم. ويظهر حضور اشخاص وهم يحملون السلاح، وبين الحين والآخر يطلقون النار، هذا سلاح عسكري، فمن يطلقون النار هم جنود في الخدمة النظامية ويوجدون في إجازة، أو أعضاء في مجموعات الاحتياط في المستوطنات. حتى الآن تم اعتقال جندي واحد بتهمة رشق حجر في المواجهات في قرية ام صفا، ولكن مثله يوجد المئات شاركوا في أعمال الشغب.
رئيس الاركان ورئيس "الشاباك" والمفتش العام للشرطة قاموا بتسمية الولد باسمه في البيان المشترك الذي نشروه في منتهى السبت. حيث قالوا إن "الامر يتعلق بارهاب قومي تماماً، وأن أجهزة الامن ملزمة بمحاربة ذلك". امتنع نتنياهو في اقواله، أول من أمس، عن التطرق لهذه الافعال. والرسائل التي يسمعها المشاغبون من الحكومة هي رسائل سموتريتش، الذي طالب في شباط الماضي بمحو حوارة، وبعد ذلك اضطر الى التراجع عن ذلك، وهو الآن يطلب من اجهزة الأمن التركيز على محاربة "الارهاب" العربي، ويحاول المقارنة بين اعمال الارهاب في الطرفين.
مثل وزراء آخرين فقد دفع ضريبة كلامية عندما دعا الى "عدم أخذ القانون في اليد" (هل فقط "الارهابي" الفلسطيني هو الذي يأخذ القانون في اليد؟). ولكن الرسالة المزدوجة للمشاغبين مفهومة بشكل جيد. يوجد في هذه الحكومة نواة صلبة تؤيدهم وهي ستعمل على وقف أي محاولة للتضييق على خطواتهم.
وجه سموتريتش أيضا انتقادا لخطوة استثنائية قام بها الجيش، الذي فحص السيارات أثناء خروجها من مستوطنة عطيرت، بعد المذبحة في أم صفا القريبة. أشار المستوطنون إلى اللواء القطري في منطقة رام الله، العقيد الياف الباز، كهدف للهجوم الشخصي. لا يعتبر الباز وحيداً بالطبع. فمنذ أشهر يتم شن حملة شديدة ضد قائد قيادة المنطقة الوسطى، يهودا فوكس، المتهم بالتخلي عن أمن المستوطنين والتضييق عليهم.
المستوطنون غاضبون بشكل خاص بسبب إصدار أوامر إبعاد واعتقالات ادارية ضد مشبوهين بالارهاب ضد الفلسطينيين. الآن يوصي بعض كبار القادة في جهاز الأمن بتوسيع هذه الخطوات بشكل كبير والوصول الى بضع عشرات من أوامر الاعتقال والإبعاد. بدون التدخل الفوري، كما يقولون، فان العنف فقط سيتم وقفه بعد قتل عائلة فلسطينية كما حدث في صيف 2015 عند قتل ثلاثة من ابناء عائلة دوابشة في قرية دوما.
الجيش والشرطة و"الشاباك" بعيدون عن أن يكونوا مستحقين لوسام بسبب علاجهم للإرهاب اليهودي في "المناطق". وخلافاً لمحاربتهم "الإرهاب" الفلسطيني، فانه يوجد هنا نقص واضح في الدافعية على كل المستويات للانشغال في هذه المشكلة المتفجرة. ولكن القسم اليميني المتطرف للمستوطنين، الذي يتم تمثيله للمرة الأولى بشكل كبير في الحكومة ايضا، يريد تحقيق اكثر من ذلك. فهو معني بالاشارة الى ضباط معينين كمشبوهين باليسارية الخطيرة، وبهذا ردعهم عن القيام بأي نشاط.
أجواء فوضى
عندما لا ينشغل بن غفير في صب الوقود على النار في "المناطق" فانه يهتم بفعل ذلك في هضبة الجولان والجليل. تجاوز نتنياهو وزير الأمن الوطني، وعقد من وراء ظهره تفاهمات مع قيادة الطائفة الدرزية. لم تستأنف أعمال اقامة توربينات الرياح في هضبة الجولان، التي أثارت موجة احتجاج شديدة في أوساط الدروز، الأسبوع الماضي، وستتوقف مدة أسبوع على الأقل، الى ما بعد عيد الأضحى. صمّم بن غفير على الاستمرار في تلك الأعمال ايضا في بداية هذا الاسبوع الى حين دخول العيد، لكن نتنياهو استجاب في هذه المرة للتحذيرات القاطعة من جهاز الأمن، وقرر وقف الأعمال.
تفاجأ الأشخاص، الذين تحدثوا مع بن غفير في اطار الاتصالات حول هذه الأعمال، الأسبوع الماضي، بالأسلوب وبجوهر موقف الوزير. "كل ما كان يهمه هو أن لا يضحك عليه عضو الكنيست احمد الطيبي"، قال احدهم. فقد خاف من أنه اذا وافق على الوقف الفوري للأعمال فانه سيعتبر شخصا ضعيفاـ وسيواجه هجوما من اليسار.
فقط في نهاية الاسبوع اضطر نتنياهو الى عقد نقاشات أو اجراء مشاورات حول عدة قضايا ملحة مثل العنف في "المناطق" وعلاج البؤر الاستيطانية الجديدة غير القانونية واحتجاج الدروز الذي تدهور الى اعمال عنف شديدة، والازمة الخطيرة في روسيا، التي هدأت في هذه الاثناء قليلا، لكنها يمكن أن تؤدي الى هرب جماعي لليهود من هناك الى إسرائيل. في الخلفية تم تسريع التطورات في محاكمته؛ في البداية التصريحات الاستثنائية للقضاة حول ضعف بند تلقي الرشوة، وأول من أمس ايضا شهادة الملياردير ارنون ملتشن الرئيسية ضده، التي يتم اخذها في بريطانيا. في هذا الاسبوع يريد الائتلاف استئناف جهود التشريع لقوانين الانقلاب النظامي ايضا.
تحت وابل هذه الأحداث، حيث قسم كبير من الوزراء لا يناسب تماما منصبه فان الحكومة تعمل في أجواء دائمة من الفوضى. نتنياهو، الذي ما زال حتى الآن ينثر ما يظهر كوعود عبثية بشأن قصف المنشآت النووية الإيرانية وعن اتفاق تطبيع قريب مع السعودية، يسيطر بصعوبة على التطورات. هو غارق في حرب دائمة حول بقائه، لكن مؤخراً يبدو أن الواقع يحاصره من كل الجهات.
عن "هآرتس"