قبل 22 سنة ونيف أطلقت قذيفة الهاون الأولى من غزة نحو مستوطنة “نتساريم”. فوجئت إسرائيل ووعدت باجتثاث الظاهرة قبل أن تصبح طوفاناً. وعود مشابهة نثرت بعد فك الارتباط عن القطاع: سيكون ردنا قاسياً عن كل إطلاق نار نحو الأراضي الإسرائيلية، كما وعدنا.
أما الواقع فعلمنا شيء آخر: غزة تطورت، تسلحت وتطرفت. حلت حماس محل السلطة الفلسطينية، والمحادثات السياسية حلت محلها محادثات بالنار. من يصمم الواقع هو العدو: مهما كان مردوعاً، بإرادته يطلق النار وبإرادته يوقفها. أما إسرائيل فترد أساساً ولا تبادل إلا حين تحشر في الزاوية.
“يهودا والسامرة” ليست غزة من أي ناحية ممكنة. يسكن فيها فلسطينيون أكثر بكثير، في توزيع جغرافي أكبر بكثير. يسكن فيها أيضاً يهود أكثر بكثير. والأهم من كل شيء، هي أقرب بكثير من التجمعات السكانية في إسرائيل. “حكم “نتساريم” كحكم تل أبيب”، قال أرئيل شارون ذات مرة في سياق آخر، ولم يفِ بوعده؛ “حكم الغلاف كحكم تل أبيب”، يدعي اليوم قادة الدولة، وهم أيضاً لا يوفون بوعودهم.
لهذا السبب، لا يمكن لإسرائيل أن تسمح حتى ولا ببارقة صاروخ أن ينمو في الضفة. “يهودا والسامرة” ليست غزة، كما أسلفنا، والغلاف ليس تل أبيب. ليس لأن دم سكانهما أقل حُمرة؛ بل لأن قدرة الامتصاص في مركز البلاد – المأهول أكثر، والحساس أكثر، للآثار على المرافق والاقتصاد – أقل بكثير. المسافة بين رام الله، أو بين قلقيلية و”كفار سابا”، وبين طولكرم و”نتانينا” والخضيرة، وبالطبع المسافة من تل أبيب – كل هذه تضمن “أو للدقة تهدد” خلق واقع لا يمكن لإسرائيل أن تتعايش معه، وبالتأكيد حين تكون في الخلفية تجربة غزية بقذيفة هاون صغيرة نحو “نتساريم” تتحول لتصبح رشقة صواريخ كبيرة وفتاكة نحو جملة من الأهداف.
وعليه، فإن جهاز الأمن يبذل جهداً خاصاً في اجتثاث كل جهد لإنتاج صواريخ في “يهودا والسامرة”. هذه المحاولات ليست جديدة؛ فهي موجودة منذ عقدين وأكثر، بقوى متغيرة، متعلقة بجملة عوامل – جودة ودافع محافل الإرهاب في المنطقة والوسائل التي لديها، وبالمقابل جودة المعلومات الاستخبارية وأعمال الإحباط التي تقوم بها إسرائيل. في معظم الحالات، اجتث “الشاباك” والجيش مثل هذه المحاولات في مرحلة التفكير والتخطيط؛ وفي حالات قليلة فقط انتقلت إلى مرحلة الفعل.
نشهد في الفترة الأخيرة ارتفاعاً في محاولات الحصول على قدرة صاروخية في الضفة أيضاً كجزء من الجهد العام الذي تبذله منظمات الإرهاب لإنتاج العمليات. سهل الوصول إلى العلم؛ فهو موجود بحرية على الإنترنت. وكذا الوسائل سهلة؛ فهي معدة محلياً في معظمها وبعضها موجود في كل بيت. وكذا الدوافع والمال والمخربون.
هذا الخليط ينتج في هذه الأثناء قدرة بدائية جداً، ويشهد على ذلك الصاروخان اللذان أطلقها أمس. لكن محظور التباهي بهذا الفشل؛ ففي غزة بدأوا بالفشل أيضاً. على مدى الزمن، تراكمت المعرفة ومعها التجربة والخبرة. في المرة التالية سيطير الصاروخ 200 متر، وبعدها 500 متر، وفي النهاية سيصيب.
هذا تهديد يبدو بعيداً، لكن إذا لم يجتث بالمواظبة، فسيتحقق. وعليه، خيراً يفعل “الشاباك” والجيش حين يضعان تهديد الصواريخ على رأس سلم المهمات، إلى جانب إحباط العمليات. هذا يبرر كل جهد وحملة وكل قوة تؤدي إلى المخربين، المواد والمنازل التي يتم فيها إنتاج الصواريخ. مثلما في الإرهاب، لن تكون هنا ضربة واحدة وانتهينا؛ وذلك لأن المعرفة موجودة، والوسائل متوفرة، والمخربون والدوافع سيكونون دوماً. التحدي ليس الصاروخ الذي أحبط أمس، بل ذاك الذي سينتج وذاك الذي لا سمح الله سيطلق غداً.
إسرائيل اليوم