قبل ست سنوات بالضبط، في حزيران 2017، نشرت الصناعات الجوية بياناً لوسائل الإعلام تحدثت فيه عن استثمار ملايين الدولارات في شركات أجنبية واعدة. الشركة الأولى، المسجلة في هولندا، تعمل حسب البيان على “إيجاد حلول حماية سايبر للهواتف المحمولة”. الشركة الثانية في هنغاريا وتوفر للحكومة قدرة على جمع المعلومات الاستخبارية من الهواتف المحمولة”. ولكن الوثائق التي وصلت إلى “هآرتس” تكشف أن الأمر يتعلق بشركتين، أقامهما الإسرائيليون الذين طوروا وباعوا برنامج التجسس الذي سيقف بعد ذلك في مركز فضيحة “ووترغيت اليونان” وفي بؤرة تحقيق يجريه البرلمان الأوروبي.
اندلعت الفضيحة في اليونان في السنة الماضية. في حينه، كشف أن برنامج التجسس “برداتور” الإسرائيلي تم تحميله في هاتف مراسل يحقق في قضية فساد في الدولة. البرنامج يسمح للمشغل بوصول كامل إلى الهاتف المحمول لضحية التحميل، بما في ذلك جهات الاتصال، وملفات، وصور ومكالمات وبيانات مشفرة. المشغل يمكنه أيضاً أن يشغل بشكل سري الكاميرا والميكروفون في الهاتف المحمول ويسجل كل ما يحدث.
اعترفت حكومة اليونان أن المراسل كان تحت رقابة المخابرات الوطنية. بعد ذلك، كشف أن أجهزة رئيس المعارضة، ووزير البنى التحتية السابق، وجهة كبيرة في “فيسبوك”، تم تحميل البرنامج في هواتفهم. رئيس المخابرات ورئيس مكتب حكومة اليونان استقالوا على خلفية الفضيحة، والقضية تقف في مركز تحقيق واسع في البرلمان الأوروبي بخصوص الاستخدام المتزايد لتكنولوجيا التجسس في أرجاء الاتحاد الأوروبي.
الصناعات الجوية، وهي شركة حكومية لدولة إسرائيل، أعلنت بأنها استثمرت في شركتين مختلفتين، “انبيديو” و”سايتروكس”، لكن الحديث كان يدور عملياً عن وجهين لنفس قطعة النقد. الأولى شركة دفاع كما يبدو من أجل تشخيص الاختراق ونقاط الضعف في الهواتف المحمولة، والأخرى شركة هجومية طورت برنامج التجسس برداتور سيئ الصيت. هي تستغل نقاط ضعف لاختراق هواتف محمولة والتجسس على أصحابها. وقد أقيمت كشركات متآخية لتعرض على الزبائن إمكانات كامنة للوصول إلى حل مندمج، هجومي ودفاعي. الاستثمار في سايتروكس – انبيديو استهدف توسيع سلة المنتجات للصناعات الجوية في مجال السايبر.
وثائق تجارية لشركات في هولندا وهنغاريا وشمال مقدونيا وإسرائيل تظهر بأن مؤسسي هذه الشركات ومديري الشركتين هم نفس الإسرائيليين. وحسب أقوال موظفين في شركة سايتروكس، جلس في مكاتبهم موظفون من شركة انبيديو، عملوا أيضاً على تطوير منتجات التجسس. ولكن في حين أن الصناعات الجوية باعت نصيبها في سايتروكس قبل أربع سنوات، إلا أن هناك مصادر تقول بأنها ما زالت تستثمر في “انبيديو”، رغم أن هذا الاستثمار ضاع لأن الشركة لم تعد تعمل.
في وثائق شركة “انبيديو” عند مسجل الشركات في هولندا من العام 2016، سجلّ مؤسسين، وهما روتم فركش وابراهام روبنشتاين، وهما أنفسهما أقاما في 2017 شركة “سايتروكس” للبرامج في شمال مقدونيا. وهي شركة فرعية لشركة سايتروكس القابضة في هنغاريا، التي استثمرت فيها الصناعات الجوية. وقع كل من فركش وروبنشتاين على وثائق إقامة سايتروكس مع البريد الإلكتروني لهما في “انبيديو”.
فركش معروف بأنه قرصان ورائد أعمال في مجال السايبر، الذي أصبح شريكاً كبيراً في حلف “انتلكسا”، وهي شركة تجسس السايبر التي أقامها في أوروبا رجل الاستخبارات السابق تال دليان. روبنشتاين رجل “هايتيك” قدم دعوى ضد دليان بذريعة أنه أضعف سيطرته في “انتلكسا” (أُغلقت هذه الدعوى في نهاية المطاف خارج قاعة المحكمة. في قرار الحكم كتب أنه تم إغلاق الدعوى بموافقة الطرفين وبدون إصدار أمر بدفع النفقات).
بيان الصناعات الجوية من 2017 لم يوضح حجم الاستثمار في سايتروكس، لكن وثائق وصلت لـ “هآرتس” أظهرت بأنها اشترت 31 في المئة من الشركة بواسطة ذراعها السيبراني في سنغافورة، كوستوديو بي.تي.إي. مصدر رفيع في الصناعات الجوية شغل منصب المدير في سايتروكس. بعد سنة ونصف لم تنجح فيها الشركة في النهوض، باعت الصناعات الجوية حصتها في سايتروكس لشركة في جزر العذراء التي تسيطر على تحالف شركات انتلكسا لدليان وشركائه.
بعد أربع سنوات على ذلك، ستضع سايتروكس أصحابها في بؤرة عاصفة دولية بعد كشف استخدام برامجها التجسسية ضد صحافيين وسياسيين. المدير العام لوزارة الدفاع السابق، امير ايشل، قال بعد اندلاع العاصفة بأنه لا يمكنه مراقبة دليان وأمثاله الذين يؤسسون شركات في الخارج. “المقلق هو أن خريج وحدات الاستخبارات والسايبر عندنا، التي تشغل جهات رفيعة سابقة في هذه الوحدات، يعمل في أرجاء العالم بدون أي رقابة”.
الصناعات الجوية في الحقيقة تنازلت عن ممتلكاتها في الشركة التي تعمل في المجال المتفجر لتجسس السايبر، لكنها ما زالت تحتفظ بالاستثمارات الأصلية في الشركة التوأم “انبيديو”، وهي شركة السايبر الدفاعية لفركش وروبنشتاين. وبواسطة “انبيديو”، للصناعات الجوية أسهم أيضاً في فرع “انبيديو” في شمال مقدونيا، وهي شركة فرعية بملكية “سايبر لاب”.
تأسست “سايبر لاب” على يد مواطن محلي كان في نفس الوقت شخصية كبيرة في سايتروكس هو شاحك شليف، وهو خريج وحدة السايبر في الجيش الإسرائيلي والذي عمل في سايتروكس في تلك السنوات وسجل كمدير في “سايبر لاب”. مع بريده الإلكتروني في “سايتروكس”، وحسب معلومات وصلت “هآرتس”، يعمل في “سايبر لاب” إسرائيليون عملوا في مجالات مختلفة لتطوير “برداتور” من داخل مكاتب “سايتروكس”.
وقال موظفون سابقون للصحيفة بأنه رغم العمل المشترك في المكاتب، كانت هناك محاولات للفصل بين “انبيديو” و”سايتروكس” بعد بيعها من قبل الصناعات الجوية. ولكن في الوقت الذي حاولت فيه “انبيديو” تطوير منتج دفاعي عامل، استمر جزء من الطواقم فيها بالعمل في نفس الوقت لصالح “سايتروكس” الهجومية. تعتبر “انبيديو” الآن شركة فاشلة، أضاعت ملايين الدولارات التي استثمرت فيها ولم تنجح في النهوض والبيع.
شاحك شليف رفض الرد على أسئلة “هآرتس”. ومثله روتم فركش وابراهام روبنشتاين.
هآرتس